الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع بعد الثلاثمائة
[سورة العلق]
مكية، وهي تسع عشر آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* * *
عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه - وهو التعبّد - الليالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها حتى فجأه الوحي وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال:{اقْرَأْ} . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: «ما أنا بقارئ» . - قال -: «فأخذني فغطّني حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ} . فقلت: ما أنا بقارئ، فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ} . قلت: ما أنا بقارئ، فغطّني الثالثة حتى بلغ منّي الجهد ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، حتى بلغ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} » ، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: «زمّلوني زمّلوني» . فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع؛ فقال: «يا خديجة ما لي» ؟ وأخبرها الخبر وقال: «قد خشيت على نفسي» . فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرءًا قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربيّ، وكتب بالعربية من الإِنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعًا ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أومُخْرِجِيّ هم» ؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرًا؛ ثم لم ينشب ورقة أن توفي. وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلَما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا، فيسكن بذلك جأشه وتقرّ نفسه، فيرجع فإذا طالت
عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك) . متفق عليه واللفظ لأحمد.
وعن قتادة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قرأ حتى بلغ: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} ، قال: القلم نعمة من الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم ولم يصلح عيش. وقال ابن زيد في قوله:{عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} قال: علّم الإِنسان خطًّا بالقلم. قال ابن كثير: والقلم تارة يكون في الأذهان، وتارة في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان.
قال البغوي: {كَلَّا} ، حقًّا، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى} ، ليتجاوز حدّه وليستكبر على ربه، {أَن} ، لأن {رَّآهُ اسْتَغْنَى} أن رأى نفسه غنيًا، {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ، أي: المرجع في الآخرة. وعن قتادة: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى} ، نزلت في عدوّ الله أبي جهل، وذلك لأنه قال: لئن رأيت محمدًا يصلّي لأطأنّ على عنقه، فأنزل الله ما تسمعون. وكان يقال: لكلّ أمّة فرعون، وفرعون هذه الأمّة: أبو جهل.
{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} ، قال: محمد كان على الهدى وأمر بالتقوى. {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} ، يعني: أبا جهل. {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى *
كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} ، قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي عند المقام فمرّ به أبو جهل بن هشام فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعّده، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأيّ شيء تهدّدني؟ أما والله إنّي لأكثر هذا الوادي ناديًا، فأنزل الله: {فَلْيَدْعُ
نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قال ابن عباس: لو دعا ناديه أخذته زبانية العذاب من ساعته.
{كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ، قال البغوي:{كَلَّا} ليس الأمر ما عليه أبو جهل، {لَا تُطِعْهُ} في ترك الصلاة، {وَاسْجُدْ} وصلّ لله، {وَاقْتَرِبْ} من الله. وساق الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» . قال: ومعنى: {أَرَأَيْتَ} ها هنا: تعجيبًا للمخاطب، وكرّر هذه اللفظة للتأكيد؛ قال: وتقدير نظم الآية: أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلّى وهو على الهدى أمر بالتقوى، والناهي مكذّب متولّ عن الإِيمان؟ أي: فما أعجب من هذا! {أَلَمْ يَعْلَمْ} ، يعني: أبا جهل، {بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ذلك فيجازيه؟ {كَلَّا} لا يعلم ذلك، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} عن إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبه {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} لنأخذنّ بناصيته فلنجرّنّه إلى النار كما قال:{فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} يقال: سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبًا شديدًا. والنصاية: شعر مقدّم الرأس. ثم قال على البدل {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} أي: صاحبها كاذب خاطئ. قال ابن عباس: (لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: أتنتهرني؟ فوالله لأملأنّ عليك هذا الوادي إن شئت
خيلاً جردًا ورجالاً مردًا) ؛ قال الله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه} أي: قومه وعشيرته، أي: فلينتصر بهم.
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} ، قال ابن عباس: يريد زبانية جهنّم، سمّوا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها. وروى ابن جرير وغيره عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. فقال: واللات والعزّى لئن رأيته يصلّي كذلك لأطأنّ على رقبته، ولأعفّرنّ وجهه في التراب، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه، فقيل له: مالك؟ فقال: إنّ بيني وبينه خندقًا من نار، وهولاً وأجنحة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا» .
* * *