الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين
[سورة المعارج]
مكية، وهي أربع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم
بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) }
* * *
عن ابن عباس: قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} ، قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله، وهو واقع. وعن قتادة: قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} ، قال: سأل عذاب الله أقوام فبين الله على من يقع فقال: {لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} ، قال مجاهد: معارج السماء، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ، قال: منتهى أمره من أسفل الأرض ومن الأرض إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة، ويوم كان مقداره يعني بذلك: نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقداره ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام. وعن ابن عباس قال: (غلظ كل أرض خمسمائة عام، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام، فذلك سبعة
آلاف عام؛ وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام، فذلك أربعة عشر ألف عام؛ وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام، فذلك قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ) .
قلت: ويشهد لهذا القول ما رواه الإمام أحمد وغيره عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأربعة، والعرش فوقها، فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس» . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن» .
وقال البغوي: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} ، يعني: جبريل عليه السلام {إِلَيْهِ} أي: إلى الله عز وجل {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} من سني الدنيا، لو صعد غير الملك من بني آدم من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة لما صعد في أقل من خمسين ألف سنة، والملك يقطع ذلك كله في ساعة واحدة. وقال ابن زيد في قوله:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} قال: هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدة والقتل حتى يتركوا، ونسخ هذا. وقال ابن جرير: وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية ثم نسخ
ذلك قول لا وجه له، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصح منها الدعاوى، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرًا منه له به في بعض الأحوال، بل كان ذلك أمرًا من الله له به في
كل الأحوال، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى، قبل أن يأذن الله له بحربهم وبعد إذنه له بذلك.
وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} ، أي: اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه، كقوله:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} ولهذا قال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} أي: وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى: مستحيل الوقوع، {وَنَرَاهُ قَرِيباً} ، قال البغوي: لأن ما هو آت قريب، وهو يوم القيامة.
{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} قال مجاهد: كعكر الزيت، وقال قتادة: تتحول يومئذٍ لونًا آخر إلى الحمرة {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} ، قال: كالصوف، {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس. وعن ابن عباس قوله:{يُبَصَّرُونَهُمْ} قال: يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض يقول:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ} أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو
يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ} قال ابن زيد: فصيلته عشيرته {وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} ذلك الفداء من عذاب الله. قال قتادة: الأحب فالأحب، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم.
قال البغوي: {كَلَّا} لا ينجيه من عذاب الله شيء، ثم ابتدأ فقال:{إِنَّهَا لَظَى} وهي اسم من أسماء جهنم {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} ، قال قتادة: أي: نزاعة لهامته ومكارم خلقه وأطرافه. وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئًا. وقال الحسن: تحرق كل شيء منه ويبقى فؤاده نضيجًا. وعن قتادة: قوله: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وعن حقه
…
{وَجَمَعَ فَأَوْعَى} كان جموعًا قمومًا للخبيث. وقال ابن عباس:
…
{تَدْعُو} الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب. وقال البغوي: {وَجَمَعَ} أي: جمع المال
…
{فَأَوْعَى} أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه.
قوله عز وجل: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35) } .
عن ابن عباس: قوله: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} ، قال: هو الذي قال الله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} ، قال ابن جرير: والهلع: شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر. وقال ابن كيسان: خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره، ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره. وعن قتادة: قوله: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} ذكر لنا أن دانيال نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها خُلُقٌ للمؤمنين حَسَنٌ. وعن إبراهيم:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} ، قال: المكتوبة.
وعن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ، يقول: هو سوى الصدقة، يصل بها رحمًا، أو يقري بها ضيفًا، أو يحمل بها كلاً، أو يعين بها محرومًا؛ وقال: المحروم هو: المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه فلا يسأل الناس. وقال ابن زيد:
المحروم المصاب ثمره وزرعه. وقال قتادة: السائل: الذي سأل بكفه. والمحروم: المتعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم.
{وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} قال ابن كثير: أي: لا يأمنه أحد ممن غفل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} ، قال ابن جرير: فمن التمس لفرجه منكم سوى زوجته أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون الذين عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم، فهم الملومون.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} ، قال ابن كثير: أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا وإذا عاهدوا لم يغدروا. وقال ابن جرير: راعون: يرقبون ذلك
ويحفظونه فيضيعونه. {وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} ، قال ابن كثير: أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها ولا يكتمونها.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ، قال ابن كثير: أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها؛ فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها، ولهذا قال:{أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} .
عن ابن عباس: قوله: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} ، قال: قبلك ينظرون، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} قال: العزين: العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين عنه يستنبئون به. وقال قتادة: {عِزِينَ} أي: فرق حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه. وروى ابن جرير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق فقال: «ما لي أراكم
عزين» ؟ قال البغوي: والعزين: جماعات في تفرقة، واحدتها عزة.
{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} ، قال ابن عباس: معناه: أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنتي كما يدخلها المسلمون ويتنعم فيها، وقد كذب نبيّي؟ {كَلَّا} لا يدخلونها؛ ثم ابتدأ فقال:{إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} أي: من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد، وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة. وعن قتادة: قوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} إنما خلقت من قذر يا ابن آدم، فاتق الله. {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} ما يفوتنا منهم أحد، وعن ابن عباس في قوله: ربّ المشارق والمغارب، قال:«إن الشمس تطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة، تطلع كل يوم في كوة، لا ترجع إلى تلك الكوة إلا ذلك اليوم من العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، تقول: رب لا تطلعني على عبادك، فإني أراهم يعصونك» .
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} عن قتادة: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} ، أي: من القبور، {سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} ، قال: إلى علم يسعون، {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} ، قال ابن كثير: أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة، {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} ، قال قتادة:{ذَلِكَ الْيَوْمُ} يوم القيامة {الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} .