الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن قتادة: {إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} ، قال: قد قال مشركوا العرب، {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} أي: بمبعوثين. وعن مجاهد في قول الله عز وجل: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} ، قال: الحميري.
قال البغوي: وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند، وكان من ملوك اليمن، سمي تبعًا لكثرة أتباعه، وكل واحد منهم يسمى: تبعًا لأنه يتبع صاحبه، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير فكذبوه، وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره؛ وذكر عكرمة عن ابن عباس قال: كان تبع الآخر - وهو أبو كرب أسعد بن مالك - حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنًا له فقتل غيلة، فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره، فخرجوا لقتاله، وكان الأنصار
يقاتلونه
بالنهار ويفرون بالليل، فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام، فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب وأسد من أحبار بني قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له: أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينهما ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد مولده مكة وهذه دار هجرته، ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه وفي عدوهم، قال تبع: من يقاتله وهو نبي؟ ! قالا: يسير إليه قومه فيقتتلون ها هنا؛ فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما ونفر من اليهود عائدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا: إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال: أي بيت؟ قالوا: بيت بمكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار فقالوا: ما نعلم لله في الأرض بيتًا غير هذا البيت، فاتخذه مسجدًا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك، لأنه ما ناوأه أحد قط إلا هلك، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك، أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب - شعب البطائح - وكسا البيت الوصائل - وهو أول من كسا البيت - ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام، وطاف به وحلق وانصرف، فلما دنا
من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه، وقالوا: لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه، وقال: إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فقال تبع: أتفقتم، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه،
فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما من أعناقهما يتلوان التوراة، تعرق جباههما لم تضرهما، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها، الذي خرجت منه، فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن. وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال: كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وذكر لنا أن كعبًا كان يقول: ذم الله قومه ولم يذمه وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تبعًا، فإنه كان رجلاً صالحًا. وقال ابن كثير: وكان مما يحفظ من شعره:
شهدت على أحمد أنه
…
رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره
…
لكنت وزيرًا له وابن عم
وجاهدت بالسيف أعداءه
…
وفرجت عن صدره كل غم
قال: وذكر أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وست وعشرين سنة، ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من
سبعمائة سنة؛ ثم لما توفي عاد قومه إلى عبادة النيران والأصنام، فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ.
وقوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} ، قال قتادة: يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم، {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن
رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ، قال قتادة: انقطعت الأسباب يومئذٍ بابن آدم وصار الناس إلى أعمالهم، فمن أصاب يومئذٍ خيرًا سعد به آخر ما عليه، ومن أصاب يومئذٍ شرًا شقي به آخر ما عليه.
قوله عز وجل: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ
…
(50) } .
عن همام بن الحارث أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلاً: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} فقال: طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء: قل: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر. وعن ابن عباس في قوله: {كَالْمُهْلِ} ماء غليظ كدردي الزيت؛ وعنه: أنه رأى فضة قد أذيبت فقال: هذا المهل. وعن مجاهد قوله: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} ، قال: خذوه فادفعوه، {إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ} ، قال قتادة: وسط النار. وعن عكرمة قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل - لعنه الله - فقال: «إن الله تعالى أمرني أن
أقول لك: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} » ، قال: فنزع ثوبه من يده وقال: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم، قال: فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} . قال البغوي: {إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون فيه ولا تؤمنون به.
قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59) } .
عن قتادة: قوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي: والله أمين من الشيطان والأوصاب والأحزان {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} قال ابن كثير: وهو رقيق الحرير كالقمصان ونحوها {وَإِسْتَبْرَقٍ} وهو ما فيه بريق ولمعان، وذلك كالرياش وما يلبس على أعالي القماش
…
{مُّتَقَابِلِينَ} أي: على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره.
{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم} قال البغوي: أي: كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس، كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم {بِحُورٍ عِينٍ} قال قتادة: بيض عين {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}
أمِنوا من الموت والأوصاب والشيطان، {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} ، قال ابن كثير: هذا استثناء يؤكد النفي، فإنه استثناء منقطع ومعناه: أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» . وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لأهل الجنة: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا
أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا» . رواه مسلم وغيره.
وقوله تعالى: {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي: ومع هذا النعيم، نجاهم من العذاب الأليم {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اعملوا وسددوا وقاربوا، واعلموا أن أحدًا لن يدخله عمله الجنة» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ ! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» .
وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} ، أي: القرآن، {بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتفهمون ويتعظون ويعملون؛ ثم قال تعالى مسليًا لرسوله وواعدًا له بالنصر:{فَارْتَقِبْ} أي: انتظر {إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ} ، أي: فيسيعلمون لمن تكون العاقبة.
* * *