المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة ‌ ‌[سورة المطففين] مكية، وهي ست وثلاثون آية   بسم الله - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٤

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس الخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الشورى]

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الدخان]

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الجاثية]

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌الدرس الستون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائتين

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الفتح]

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة ق]

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الطور]

- ‌الدرس السبعون بعد المائتين

- ‌[سورة النجم]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة القمر]

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الرحمن]

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحديد]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحشر]

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الممتحنة]

- ‌الدرس الثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الصف]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المنافقون]

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التغابن]

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الطلاق]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التحريم]

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الملك]

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة نون]

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المعارج]

- ‌الدرس التسعون بعد المائتين

- ‌[سورة نوح]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الجن]

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المزمل]

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المدثر]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة القيامة]

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الإنسان]

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الْمُرْسَلَاتِ]

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النبأ]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النازعات]

- ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

- ‌[سورة عبس]

- ‌الدرس الثلاثمائة

- ‌[سورة التكوير]

- ‌[سورة الانفطار]

- ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة المطففين]

- ‌[سورة الانشقاق]

- ‌الدرس الثاني بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الطارق]

- ‌الدرس الثالث بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الأعلى]

- ‌[سورة الغاشية]

- ‌الدرس الرابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفجر]

- ‌[سورة البلد]

- ‌الدرس الخامس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الشمس]

- ‌[سورة الليل]

- ‌الدرس السادس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة الشرح]

- ‌[سورة التين]

- ‌الدرس السابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العلق]

- ‌[سورة القدر]

- ‌الدرس الثامن بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البينة]

- ‌[سورة الزلزلة]

- ‌الدرس التاسع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العاديات]

- ‌[سورة القارعة]

- ‌[سورة التكاثر]

- ‌[سورة العصر]

- ‌[سورة الهمزة]

- ‌الدرس العاشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفيل]

- ‌[سورة قريش]

- ‌الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الماعون]

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكافرون]

- ‌[سورة النصر]

- ‌[سورة المسد]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الإخلاص]

- ‌الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفلق]

- ‌[سورة الناس]

الفصل: ‌ ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة ‌ ‌[سورة المطففين] مكية، وهي ست وثلاثون آية   بسم الله

‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

[سورة المطففين]

مكية، وهي ست وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا

ص: 451

الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ

يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) } .

* * *

ص: 452

قوله عز وجل: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) } .

عن هلال بن طلق قال: بينما أنا أسير مع ابن عمر فقلت: من أحسن الناس هيئة وأوفاهم كيلاً أهل مكة وأهل المدينة؛ قال: حق لهم، أما سمعت الله تعالى يقول:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} . وعن ابن عباس: (قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدنية كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فحسنوا الكيل بعد ذلك) . وعن ابن عمر قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن أهل المدينة ليوفون الكيل، قال: وما يمنعهم أن يوفوا الكيل، وقد قال الله تعالى:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} حتى بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ؟ وعن عكرمة قال: أشهد أن كل كيال ووزان في النار، فقيل له في ذلك فقال: إنه ليس منهم أحد يزن كما يتزن، ولا يكيل كما يكتال، وقد قال الله:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} . قال الزجاج: المعنى: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل.

{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} ؛ قال البغوي: أي: كالوا لهم ووزنزا لهم {يُخْسِرُونَ} ، أي: ينقصون، {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقوم الناس لرب

ص: 453

العالمين حتى يغيب أحدهم في

رشحه إلى أنصاف أذنيه» . متفق عليه. وعن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا وكذا، تغلي منها الهوام كما تغلي القدور، يعرقون فيها على قدر خطاياهم، فمنهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرق» . رواه أحمد. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري: «كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين مقدار ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا، لا يأتيهم خبر من السماء ولا يؤمر فيهم بأمر» ؟ قال بشير: المستعان الله يا رسول الله. قال: «إذا أنت أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة، وسوء الحساب» . رواه ابن جرير.

قوله عز وجل: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) } .

عن قتادة: قوله: {إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} ذكر أن عبد الله ابن عمر كان يقول: هي الأرض السفلى، فيها أوراح الكفار، وأعمالهم أعمال السوء. وقال ابن

ص: 454

كثير: يقول تعالى: حقًا إن كتاب

الكفار {لَفِي سِجِّينٍ} ، أي: أن مصيرهم ومأواهم لفي سجين، مأخوذ من السجن وهو الضيق ولهذا عظم أمره فقال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} أي: هو أمر عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم. انتهى ملخصًا. وقال الزجاج في قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، أي: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك.

{كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} ، قال البغوي: ليس هذا تفسير السجين، بل هو بيان الكتاب المذكور في قوله:{إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ} ، قال قتادة: رقم لهم بشرّ. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ، قال ابن كثير: أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين، بل هو كلام الله ووحيه، وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا، ولهذا قال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل منها، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه فذلك الران الذي قال الله:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} . رواه ابن جرير. وعن قتادة: قوله:

{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أعمال السوء: أي والله ذنب على ذنب وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسود. وقال ابن

ص: 455

زيد: غلب على قلوبهم ذنوبهم فلا يخلص إليها معها خير. وعن قتادة: {كَلَّا

إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} هو لا ينظر إليهم ولا يزكيهم

{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وقال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته، وقال الإمام مالك: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.

قال البغوي: ثم أخبر أن الكفار مع كونهم محجوبين عن الله يدخلون النار فقال: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا} ، أي: هذا العذاب {الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} .

قوله عز وجل: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) } .

عن قتادة: قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} قال: عليون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى، وقال ابن عباس: أعمالهم في كتاب عند الله في السماء. وقال كعب الأحبار: إن الروح المؤمنة إذا قبضت صعد بها، ففتحت لها أبواب السماء وتلقتها الملائكة بالبشرى، ثم عرجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لها من عند العرش رَقّ فيرقم ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة، وتشهد الملائكة المقربون.

ص: 456

قال البغوي: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعمة {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} ، قال الحسن: النضرة في الوجه، والسرور في القلب. {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ} ، قال ابن عباس: يعني بالرحيق: الخمر، طيب الله لهم الخمر فكان آخر شيء جعل فيها تختم بمسك. وعن قتادة:{خِتَامُهُ مِسْكٌ} ، قال: عاقبته مسك يمزج لهم بالكافور، ويختم بالمسك.

{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ، قال عطاء: فليستبق المستبقون. وعن ابن عباس: قوله: {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} صرفًا، ويمزج فيها لمن دونهم. وعن الحسن في قوله:

{وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} ، قال: خفايا أخفاها الله لأهل الجنة. وقال ابن عباس: هذا مما قال الله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} .

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) } .

عن قتادة: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} في الدين، يقولون: والله إن هؤلاء لكذبة وما هم على

شيء. استهزاء بهم، {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} ، قال ابن جرير: يقول: كان بعضهم يغمز بعضًا بالمؤمن استهزاء به وسخرية، {وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ} ، قال ابن عباس: معجبين، {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ} ، قال ابن كثير: أي: لكونهم على غير دينهم، قال

ص: 457

الله تعالى: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} ، قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: وما بعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين: {إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ} حافظين عليهم بأعمالهم، يقول: إنما كلفوا الإيمان بالله والعمل بطاعته، ولم يُجعلوا رقباء على غيرهم يحفظون عليهم أعمالهم وينتقدونها.

وعن ابن عباس: قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} ، قال: يعني: السرر المرفوعة عليها الحجال. وكان ابن عباس يقول: (إن السور الذي بين الجنة والنار يفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار والمؤمنون على السور ينظرون كيف يعذبون فيضحكون منهم) ، فيكون ذلك مما أقر به أعينهم كيف ينتقم الله منهم.

وعن مجاهد: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} ، قال: جزي. وعن سفيان: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ، حين كانوا يسخرون؟ قال البغوي: ومعنى الاستفهام ها هنا: التقرير. وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ؟ أي: هل جوزي

الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا؟ يعني: قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله.

* * *

ص: 458