الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني بعد الثلاثمائة
[سورة البروج]
مكية، وهي اثنتان وعشرون آية
…
عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة: بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق) . رواه أحمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
* * *
عن مجاهد: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ} ، قال: النجوم. وقال ابن جرير: ذات منازل الشمس والقمر، وقال ابن عباس: قصور في السماء {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} قال قتادة: يعني: يوم القيامة.
وقوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال ابن عباس: (الشاهد محمد والمشهود يوم القيامة ثم قرأ: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} . وقال مجاهد: الشاهد: ابن آدم، والمشهود: يوم القيامة. وعن ابن عباس في قوله: {وَشَاهِدٍ} يقول: الله: {وَمَشْهُودٍ} يقول: يوم القيامة. وقال وابن عمرو بن الزبير: الشاهد يوم الذبح، والمشهود يوم الجمعة. وعن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة. وروى مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يوم القيامة، {وَشَاهِدٍ} يوم الجمعة، وما طلعت الشمس
ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا
أعطاه إياه، ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه {وَمَشْهُودٍ} يوم عرفة» . وعن أبي الدراداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا عليّ الصلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة» . رواه ابن جرير.
قال ابن القيم: (فالشاهد هو: المطلع والرقيب والمخبر، والمشهود هو: المطلع عليه المخبر به المشاهد، إلى أن قال: فكل ما وقع عليه اسم: شاهد ومشهود، فهو داخل في هذا القسم، فلا وجه لتخصيص بعض الأنواع أو الأعيان إلا على سبيل التمثيل) .
عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني كبر سني وحضر أجلي، فادفع إلي غلامًا لأعلمه السحر، فدفع إليه غلامًا كان يعلمه السحر؛ وكان الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؛ قال فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك
وأرضى من أمر الساحر فاقتل
هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها ومضى الناس، فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليّ.
فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس فعمي، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما ها هنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحدًا، وإنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله، قال: أولك رب غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فبعث إليه فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أحدًا إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا؟ قال: لا، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه أيضًا بالعذاب، فلم يزل به حتى دل على الراهب؛ فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض؛ وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال: إذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما
شئت، فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى.
فبعث به مع نفر في قرقور فقال: إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون؛ وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى؛ ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي؛ قال: وما هو؟ قال:
تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهمًا من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه، وقال: بسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم. فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه، وإلا فأقحموه فيها. قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أماه فإنك على الحق» . رواه أحمد وغيره.
وعن ابن عباس: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} حرقوا المؤمنين والمؤمنات، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ} ، قال ابن كثير: وذلك أن الجزاء من جنس العمل. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} .
قال البغوي: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} قال ابن عباس: إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة لشديد {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أي: يخلقهم أولاً في الدنيا ثم
يعيدهم أحياء بعد الموت {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} قال ابن عباس يقول: الحبيب {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} قال البغوي: قرأ حمزة والكسائي: (المجيد) بالجر على صفة الْعَرْشِ أي: السرير العظيم؛ وقيل: أراد حسنه فوصفه بالمجد كما وصفه بالكرم، فقال:(رب العرش الكريم) ومعناه: الكمال، والعرش أحسن الأشياء وأكملها. وقرأ الآخرون: بالرفع على صفة ذو العرش، فقال: لما يريد لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} أي: هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس، وأنزل عليهم من
النقمة التي لم يردها عنهم أحد؟ وهذا تقرير لقوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} . وعن عمرو بن ميمون قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} فقام يسمع فقال: «نعم قد جاءني» . رواه ابن أبي حاتم.
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} قال البغوي: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من قومك يا محمد، {فِي تَكْذِيبٍ} لك وللقرآن كدأب من قبلهم ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} عالم بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم. {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} كريم شريف كثير الخير، ليس كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة، {فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} وهو أم الكتاب ومنه تنسخ الكتب {مَّحْفُوظٍ} من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان. قال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش.
* * *