المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين ‌ ‌[سورة المنافقون] مدنية، وهي إحدى عشر آية   بسم - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٤

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس الخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الشورى]

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الدخان]

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الجاثية]

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌الدرس الستون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائتين

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الفتح]

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة ق]

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الطور]

- ‌الدرس السبعون بعد المائتين

- ‌[سورة النجم]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة القمر]

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الرحمن]

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحديد]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحشر]

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الممتحنة]

- ‌الدرس الثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الصف]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المنافقون]

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التغابن]

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الطلاق]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التحريم]

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الملك]

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة نون]

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المعارج]

- ‌الدرس التسعون بعد المائتين

- ‌[سورة نوح]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الجن]

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المزمل]

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المدثر]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة القيامة]

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الإنسان]

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الْمُرْسَلَاتِ]

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النبأ]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النازعات]

- ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

- ‌[سورة عبس]

- ‌الدرس الثلاثمائة

- ‌[سورة التكوير]

- ‌[سورة الانفطار]

- ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة المطففين]

- ‌[سورة الانشقاق]

- ‌الدرس الثاني بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الطارق]

- ‌الدرس الثالث بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الأعلى]

- ‌[سورة الغاشية]

- ‌الدرس الرابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفجر]

- ‌[سورة البلد]

- ‌الدرس الخامس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الشمس]

- ‌[سورة الليل]

- ‌الدرس السادس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة الشرح]

- ‌[سورة التين]

- ‌الدرس السابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العلق]

- ‌[سورة القدر]

- ‌الدرس الثامن بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البينة]

- ‌[سورة الزلزلة]

- ‌الدرس التاسع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العاديات]

- ‌[سورة القارعة]

- ‌[سورة التكاثر]

- ‌[سورة العصر]

- ‌[سورة الهمزة]

- ‌الدرس العاشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفيل]

- ‌[سورة قريش]

- ‌الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الماعون]

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكافرون]

- ‌[سورة النصر]

- ‌[سورة المسد]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الإخلاص]

- ‌الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفلق]

- ‌[سورة الناس]

الفصل: ‌ ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين ‌ ‌[سورة المنافقون] مدنية، وهي إحدى عشر آية   بسم

‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

[سورة المنافقون]

مدنية، وهي إحدى عشر آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ

ص: 283

اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ

وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } .

* * *

ص: 284

قوله عز وجل: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) } .

قال البغوي: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ} ، يعني: عبد الله بن أبيّ بن سلول وأصحابه، {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} ، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا و {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} ، سترة {فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ، منعوا الناس عن الجهاد والإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} أقرّوا باللسان، {ثُمَّ كَفَرُوا} إذا خلوا إلى المشركين، {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، بالكفر، {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} الإِيمان {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} ، يعني: أن لهم أجسامًا ومناظر، {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} فتحسب أنه صدق. قال عبد الله بن عباس: كان عبد الله بن أبيّ جسيمًا فصيحًا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم قوله:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي: لا يسمعون صوتًا في العسكر بأن نادى مناد، أو انفلتت دابّة، أو أنشدت ضالّة إلا

ظنّوا من جبنهم وسوء ظنهم أنهم يرادون بذلك، وظنوا أنهم قد أُتوا لما في قلوبهم من الرعب، ثم

ص: 285

قال: {هُمُ الْعَدُوُّ} هذا ابتداء وخبره {فَاحْذَرْهُمْ} ولا تأمنهم {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} يصدفون عن الحقّ. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمنافقين علامات يُعرفون بها: تحيّتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هجرًا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرًا، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل صخب بالنهار» . رواه أحمد.

قوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) } .

قال ابن إسحاق: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة -، يعني: مرجعه من أحد - وكان عبد الله بن أبيّ ابن سلول له مقام يقومه كل جمعة، لا ينكر شرفًا له من نفسه ومن قومه، وكان فيهم شريفًا، إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله به وأعزّكم به فانصروه وعزّروه واسمعوا له

وأطيعوا ثم يجلس؛ حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع -، يعني: مرجعه بثلث الجيش - ورجع الناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس أي عدوّ الله، لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطّى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بحرًا

ص: 286

أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك مالك؟ قال: قمت أشدد أمره فوثب عليّ رجال من أصحابه يجذبونني ويعنّفونني، لكأنما قلت بحرًا أن قمت أشدد أمره قالوا: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي.

وقال قتادة: (أنزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبيّ، وذلك أن غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بحديث عنه وأمر شديد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يحلف ويتبرّأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذلوه، وأنزل الله فيه ما تسمعون، وقيل لعبد الله: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يلوي رأسه، أي: لست فاعلاً) .

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدّثني محمد بن يحيى بن حبان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة في قصة بني المصطلق: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك، اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاريّ - وكان أجيرًا لعمر بن الخطاب - وسنان بن يزيد، قال ابن إسحاق: فحدّثني محمد بن يحيى بن حبان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا، فقال سنان: يا معشر الأنصار، وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين، وزيد

ابن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبيّ، فلما سمعها قال: قد شاورونا في بلادنا، والله ما مَثَلُنا وجلابيب قريب هذه إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، ثم أقبل على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم من بلادكم إلى غيرها؛ فسمعها زيد بن أرقم رضي الله عنه، فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غُلَيْمٌ، وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخبره الخبر فقال: عمر يا رسول الله مر عبّاد بن بشر فليضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 287

«فكيف إذا تحدّث الناس يا عمر أن محمدًا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن نادِ يا عمر بالرحيل» .

فلما بلغ عبد الله بن أبيّ أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم، وكان عند قومه بمكان فقالوا: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل؛ وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجّرًا في ساعة كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير رضي الله عنه فسلّم عليه بتحيّة النبوّة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيّ؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعزّ منها الأذلّ» ، قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل؛ ثم قال: أرفق به يا رسول الله، فوالله لقد جاء الله بك وإننا لننظم له الخرز لنتوّجه فإنه ليرى أن قد سلبته ملكًا. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا

وليلته حتى أصبحوا، وصدر يومه حتى اشتدّ الضحى، ثم نزل بالناس يشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مسّ الأرض فناموا، ونزلت سورة المنافقين. وفي روايته عند الإِمام أحمد قال: فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فحلف عبد الله بن أبيّ أنه لم يكن شيء من ذلك، فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا. فانطلقت فنمت كئيبًا حزينًا، فأرسل إليّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال:«إن الله قد أنزل عذرك وصدقك» ، قال: فنزلت هذه الآية: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} حتى بلغ: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} . وذكر عكرمة وغيره أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله على باب المدينة واستلّ سيفه، فجعل الناس يمرّون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبيّ قال له ابنه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ ! فقال: والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 288

وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله بن أبيّ ابنه، فقال ابنه: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالده منّي، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس

فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» . وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنّفونه ويتوعّدونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم:«كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلتُه يوم أمرتني بقتله، لأرعدت له آنفٌ لو أمرتُها اليوم بقتله لَقَتَلْتَهُ» ؟ ، فقال عمر: قد والله علمت لأمْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري. رواه ابن جرير.

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } .

عن الضحاك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} قال: الصلوات الخمس. وعن ابن عباس: قال: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكّي؟ وإذا أطاق الحجّ أن يحجّ من قبل أن يأتيه الموت

ص: 289

فيسأل ربه الكرّة فلا يُعطاها؟ فقال رجل: أما تتّقي الله؟ يسأل المؤمن الكرّة؟ قال: نعم، أقرأ عليكم قرآنًا؟ فقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن

قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} ، قال: أؤدّي زكاة مالي.

{وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} ، قال: أحجّ، فقال الرجل: فما الذي يوجب عليّ الحجّ؟ قال: راحلة تحمله، ونفقة تبلغه. وقال الضحاك في قوله:{لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} ، إلى آخر السورة: هو الرجل المؤمن، نزل به الموت وله مال كثير لم يزكّه ولم يحجّ منه ولم يعط منه حقّ الله يسأل الرجعة عند الموت ليتصدّق من ماله ويزكّي، قال الله:{وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، قال ابن جرير: يقول: والله ذو خبرة وعلم بأعمال عبيده هو يجمعها، محيط لا يخفى عليه شيء، وهو مجازيهم بها، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

* * *

ص: 290