الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثلاثمائة
[سورة التكوير]
مكية، وهي تسع وعشرون آية
…
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين، فليقرأ إذا الشمس كوّرت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقّت» . رواه أحمد وغيره.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) } .
وعن أبي العالية: قال: قال أبيّ بن كعب: (ست آيات قبل يوم القيامة، بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واحترقت، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، وماجوا بعضهم في بعض. {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال: اختلطت {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} قال: أهملها أهلها {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} ، قال: قالت الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم) .
وعن ابن عباس. {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، يقول: أظلمت. قال قتادة: ذهب ضوءها فلا ضوء لها. وقال الزجاج: لفت كما تلف العمامة، {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} قال البغوي: أي: تناثرت من
السماء وتساقطت على الأرض {وَإِذَا
الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} ، قال ابن جرير: سيرها الله فكانت سرابًا وهباء منبثًا، {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} ، قال الحسن: سيبها أهلها فلم تصر ولم تحلب، ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} ، قال ابن عباس: حشر البهائم موتها، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} ، قال ابن عباس: كور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فبعث عليها ريحًا دبورًا فنفخه حتى يصير نارًا، فذلك قوله:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} . {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} ، قال عمر بن الخطاب: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة أو النار وقرأ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} ، قال: ضرباءهم. وقال مجاهد: الأمثال من الناس جمع بينهم. وقال قتادة: لحق كل إنسان بشيعته. وقال الشعبي: زوجت الأرواح الأجساد. وعن أبي العالية في قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، قال: سيأتي أولها والناس ينظرون وسيأتي آخرها إذا النفوس زُوِّجت.
وعن قتادة: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} هي في بعض القراءة: سألت، {بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} لا بذنب؛ كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبه، فعاب الله ذلك عليهم. قال البغوي: ومعناه تسأل الموؤدة فيقال لها: بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها، لأنها تقول: قتلت بغير ذنب. {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ، قال قتادة: صحفك يا ابن آدم تملي ما فيها ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة. {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} ، قال السدي: كشفت. وقال الفراء:
نزعت فطويت. وعن قتادة: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} سعرها غضب الله وخطايا بني آدم.
{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} ، قال ابن جرير: قربت وأدنيت. {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} ، قال قتادة: من عمل. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما نزلت: {إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، قال عمر لما بلغ:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} : لهذا جرى الحديث. قال البغوي: وهذا جواب قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما بعدها.
عن قتادة: قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} ، قال: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار. وقال: الخنس هي: النجوم تخنس بالنهار، و {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} سيرهن إذا غبن. وقال ابن زيد: الخنس إنها تخنس: تتأخر عن مطلعها، هي تتأخر كل عام، لها في كل عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه والكنس: تكنس بالنهار فلا ترى. قال: والجواري تجري بعد؛ فهذا: الخُنَّس الجوارِ الكُنَّس.
وقال ابن القيم: (أقسم سبحانه بالنجوم في أحوالها الثلاثة: من طلوعها وجريانها وغروبها) . وعن ابن عباس قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} ، يقول: إذا أدبر. وقال الحسن يقول: أقبل بظلامه، ويشهد لهذا قوله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ورجحه ابن كثير. {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ، قال قتادة: إذا أضاء وأقبل، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} ، يعني: جبريل. قال ابن كثير: يعني أن هذا القرآن لتبليغ {رَسُولٍ
كَرِيمٍ} ، أي: ملك شريف، {ذِي قُوَّةٍ} كقوله تعالى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ} ، أي: شديد الخلق شديد البطش والفعل، {عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} ، أي: له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة، {مُطَاعٍ ثَمَّ} ، أي: له وجاهة وهو مسموع القول في الملأ الأعلى، {أَمِينٍ} ، قال البغوي: على وحي الله ورسالته إلى أنبيائه. {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ} ، يقول لأهل مكة:{وَمَا صَاحِبُكُم} ، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، {بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ} ، يعني: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق؛ قاله مجاهد، وقتادة.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} ، أي: وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين: أي: بمتهم؛ ومنهم من قرأ ذلك بالضاد: أي: ببخيل، بل يبذله لكل أحد. وقال قتادة: كان القرآن غيبًا فأنزله الله على محمد، فما ضن به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده. {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}
، يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} ، قال مجاهد: يتبع الحق، {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، قال البغوي: أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وفيه إعلام أن أحدًا لا يعمل خيرًا إلا بتوفيق الله، ولا ضرًا إلا بخذلانه.
* * *