الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة
[سورة الفلق]
مكية، وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* * *
[سورة الناس]
مكية، وهي ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
…
* * *
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} » . رواه مسلم وغيره. وفي رواية لأحمد: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي:«يا عقبة ألا تركب» ؟ قال: فأشفقت أن تكون معصية، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيّة ثم قال:«يا عقبة، ألا أعلّمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس» ؟ قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ؛ ثم أقيمت الصلاة فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما، ثم مرّ بي فقال:«كيف رأيت يا عقبة؟ اقرأ بهما كلّما نمت وكلّما قمت» .
وفي رواية: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أقرأ بالمعوّذات في دبر كلّ صلاة) .
وللنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس لم يتعوّذوا بمثل هذين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} » .
وروى الترمذي وغيره عن أبي سعيد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ من أعين الجانّ، وأعين الإِنسان، فلما نزلت المعوّذتان أخذ بهما وترك ما سواهما) .
قوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ
غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) } .
عن الحسن في هذه الآية: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، قال: الفلق الصبح. {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} ، قال ابن كثير: أي: من شرّ جميع المخلوقات. {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، قال الحسن: أول الليل إذا أظلم. {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ، قال: السواحر، والسحرة. {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} ، قال قتادة: من شرّ عينه ونفسه. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان: وهذا أشدّ ما يكون من السحر إذا كان كذا - فقال: «يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته؟ أتاني رجلان فقعدا أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبَّه؟ قال: لَبيد بن الأعصم - رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا - وقال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة. قال: وأين؟ قال: في جفّ طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان» . قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال:«هذه البئر التي أُريتُنها» . وكأن ماءها نقاعة الحناء، كأن نخلها رؤوس الشياطين. قال: فاستخرج. فقالت: أفلا تنشّرت؟ وفي رواية لمسلم: أفلا أحرقته؟ - قال القرطبي: يعني لبيد - فقال: «أمَّا اللهُ فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا» . رواه البخاري.
وروى البغوي عن زيد بن أرقم قال: (سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريل فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لك عقدًا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فاستخرجها فجاء
بها، فجعل كلّما حلّ عقدة وجد لذلك خفّة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال؛ فما ذكر لليهوديّ ولا
رآه في وجهه قطّ) . قال مقاتل والكلبيّ: كان في وتد عقد عليه إحدى عشرة عقدة؛ وقيل: كانت العقد مقرونة بالإِبر، فأنزل الله هاتين السورتين، وهي إحدى عشرة آية، كلّما قرأ آية انحلّت عقدة، حتى انحلّت العقد كلّها، فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال.
وساق بسنده عن أبي سعيد أن جبريل عليه السلام أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد اشتكيت؟ قال: «نعم» . قال: بسم الله أرقيك، من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) .
قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الربّ عز وجل: الربوبية، والملك، والإِلهية، فهو ربّ كلّ شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوّذ بالمتّصف بهذه الصفات من شرّ الوسواس الخنّاس وهو: الشيطان الموكل بالإِنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزيّن له الفواحش ولا يألوه جهدًا في الخبال، والمعصوم من عصمه الله.
وعن ابن عباس في قوله: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} ، قال:(الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس) . وقال قتادة: يعني: الشيطان يوسوس في صدر ابن آدم ويخنس إذا ذكر الله.
قال البغوي: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} بالكلام الخفيّ الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ، يعني: يدخل في الجنّيّ كما يدخل في الإنسيّ، ويوسوس الجنّيّ كما يوسوس الإنسيّ. قال الكلبي وقوله:{فِي صُدُورِ النَّاسِ} أراد بالنّاس ما ذكر من بعد، وهو: الجِنّة والنّاس، فسمّى الجن ناسًا رجالاً فقال:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} . وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث: جاء قوم من الجنّ فوقعوا فقيل: من أنتم؟ قالوا: أناس من الجنّ. وهذا معنى قول الفرّاء. قال بعضهم: ثبت أن الوسواس للإِنسان من الإِنسان كالوسوسة للشيطان من الشيطان؛ فجعل الوسواس من فعل الجنّة والناس جميعًا، كما قال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} ؛ كأنه أمر أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإِنس جميعًا. انتهى. وقال بعضهم: فكما أن شيطان الجنّ يوسوس تارة ويخنس أخرى، فكذلك شيطان الإِنس يرى نفسه كالناصح المشفق.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدّث نفسي بالشيء لأن أخِرّ من السماء أحبّ إليّ
من أتكلم به، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر الله أكبر، والحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة» . رواه أحمد وغيره. والله أعلم.
(مناسبة لطيفة)
وقع في حديث أبي ذرّ الطويل المشهور: أن عدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر؛ وفي رواية: خمسة عشر؛ وفي رواية: بضعة عشر. وقد رواه أحمد وغيره مختصرًا ومطوّلاً.
قال محمد بن الحسين الآجريّ: حدّثنا أبو بكر بن محمد الفريابيّ إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين، حدّثنا إبراهيم بن هشام ابن يحيى الغساني، حدّثنا أبي عن جدّه عن أبي إدريس الخولانيّ عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقلت: يا رسول الله إنّك أمرتني بالصلاة. قال: «الصلاة خيرٌ موضوع، فاستكثر أو استقلّ» . قال قلت: يا رسول الله فأيّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله» . فقلت: يا رسول الله فأيّ المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقًا» . قلت: يا: رسول الله فأيّ المسلمين أسلم؟ قال: «من سلم الناس من لسانه
…
ويده» فقلت: يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السيّئات» . قلت: يا رسول الله أيّ الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قلت: يا رسول الله أي الصيام أفضل؟ قال: «فرض مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة» ، قلت: يا رسول الله فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» . قلت: يا رسول الله فأيّ الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها» . قلت: يا رسول الله فأيّ الصدقة أفضل؟ قال:
قلت: يا رسول الله فأيّ آية ما أنزل عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسي - ثم قال: - يا أبا ذرّ، وما السماوات السبع مع الكرسيّ إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة» . قال قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا» . قال قلت: يا رسول الله كم المرسل من ذلك؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر، جمّ غفير كثير طيّب» . قلت: فمن كان أوّلهم؟ قال: «آدم» . قلت: أنبيّ مرسل؟ قال: «نعم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه وسوّاه قبيلاً - ثم قال: - يا أبا ذرّ، أربعة سريانيّون: آدم، وشيث، وخنوخ - وهو إدريس وهو أوّل من خطّ بقلم - ونوح؛ وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيّك يا أبا ذرّ؛ وأوّل أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأوّل الرسل آدم، وأخرهم محمّد» . قال قلت: يا رسول الله كم كتاب أنزل الله؟ قال: «مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة، والإِنجيل، والزبور، والفرقان» . قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «كانت: يا أيها الملك المسلّط المبتلي المغرور، إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكنّي بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإنّي لا أردّها ولو كانت من كافر. وكان فيها أمثال. وعلى العاقل أن يكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها
نفسه، وساعة يفكّر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ضاغنًا إلا لثلاث: تزوّد لمعاد، ومرمرة لمعاش، ولذّة في غير محرم. وعلى العاقل: أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظًا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه» . قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: «كانت عبرًا كلّها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالمقدّرثم هو ينصَب،
وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلّبها بأهلها ثم يطمئنّ إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم هو لا يعمل» . قال: قلت يا رسول الله فهل في أيدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم، وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال:«نعم، اقرأ يا أبا ذرّ: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} » . قال: قلت يا رسول الله فأوصني، قال:«أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك» . قال قلت: يا رسول الله زدني، قال:«عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض» . قال قلت: يا رسول الله زدني، قال:«إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه» . قلت: يا رسول الله زدني، قال:«عليك بالجهاد، فإنه رهبانيّة أمّتي» . قلت: زدني، قال:«عليك بالصمت إلا من خير، فإنّه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك» . قلت: زدني، قال: «انظر إلى من هو تحتك، ولا
تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك» . قلت: زدني، قال:«أحب المساكين وجالسهم فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك» . قلت: زذني. قال: «صل قرابتك وإن قطعوك» . قلت: زدني، قال:«قل الحقّ وإن كان مرًّا» . قلت: زدني، قال:«لا تخف في الله لومة لائم» . قلت: زدني، قال:«يردّك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجدْ عليهم فيما تحبّ، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تحب - ثم ضرب بيده صدري فقال: - يا أبا ذرّ، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق» . انتهى. والله أعلم.
* * *
خاتمة
…
الحمد لله ربّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، كما يحبّه ربنا ويرضى؛ والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحقّ.
وقد وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب المبارك، في اليوم المبارك، من الشهر المبارك، في يوم الجمعة لستّ وعشرين خلت من رمضان سنة ألف وثلاثمائة وخمس وستين. وابتداؤه في جمادى سنة أربع وستين، فكانت مدّة تأليفه ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا.
نسألك اللهمّ يا واسع الفضل والإِحسان، منزّل التوراة والإِنجيل والقرآن، أن لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرّجته، ولا غمًّا إلا كشفته، ولا غيظًا إلا أذهبته، ولا غلاً إلا نزعته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته وعافيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضى ولنا صلاح إلا قضيتها يا ربّ العالمين. اللهمّ إنا نسألك من الخير كلّه عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرّ كلّه عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونسألك الجنّة وما قرّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل، ونسألك أن تجعل كلّ قضاء تقضيه لنا خيرًا. سبحان
ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
يا منزل الآيات والفرقان
…
بيني وبينك حرمة القرآن
اشرح به صدري لمعرفة الهدى
…
واعصم به قلبي من الشيطان
يسّر به أمري واقضِ مآربي
…
وأَجِرْ به جسدي من النيران
واحطط به وزري وأخلص نيّتي
…
واشدد به أزري وأصلح شاني
واكشف به ضرّي وحقّق توبتي
…
وأربِح به بيعي بلا خسراني
طهّر به قلبي وصفّ سريرتي
…
أجمِل به ذكري وأَعْلِ مكاني
واقطع به طمعي وشرّف همّتي
…
كثّر به ورعي وأَحْيِ جَناني
أسهر به ليلي وأضم جوارحي
…
أسبل بفيض دموعها أجفاني
أُمْزُجُهُ ربّي بلحمي مع دمي
…
واغسل به قلبي من الأضغاني
أنت الذي صوّرتني وخلقتني
…
وهديتني لشرائع الإِيمان
أنت الذي علّمتني ورحمتني
…
وجعلت صدري واعيَ القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني
…
من غير كسب يد ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني
…
وغمرتني بالفضل والإِحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني
…
وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودّة
…
والعطف منك برحمة وحنان
وزرعت لي في العالمين محاسنًا
…
وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البريّة شائعًا
…
حتى جعلت جميعهم إخواني
لكن سترت معايبي ومثالي
…
وحلمتَ عن سقطي وعن طغياني
ولقد مننت عليّ ربِّ بأنعمٍ
…
مالي بشكر أَقَلِّهِنّ يدان
فلك المحامد والمدائح كلّها
…
بخواطري وجوارحي ولساني
ــ
انتهى الجزء الرابع بحمد الله،
وهو آخر الكتاب
ــ