الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأبيّ بن كعب: «إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} » . قال: وسمّاني لك؟ قال: «نعم» . فبكى. متفق عليه. وفي حديث مالك بن عمرو بن ثابت عند الإمام أحمد قال: (لما نزلت: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} ، إلى آخرها قال جبريل: يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيًّا) . الحديث. وعن الترمذيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» . فقرأ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} فقرأ فيها: (ولو أن ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيه لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهوديّة ولا النصرانيّة، ومن يفعل خيرًا فلن يُكْفَرَهُ) .
قال ابن كثير: وإنما قرأ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبتًا له وزيادة لإِيمانه فإنه كان قد أنكر على عبد الله بن مسعود قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما،
وقال لكلّ منهما: «أصبت» . قال أبيّ: فأخذني من الشكّ وَلاءٌ إذ كنت في الجاهليّة، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، قال أبيّ: ففضت عَرقًا وكأنما أنظر إلى الله فرقًا؛ وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال: (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقلت: أسأل الله معافاته ومغفرته. فقال: على حرفين. فلم يزل حتى قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمّتك القرآن على سبعة أحرف) . فلما نزلت هذه السورة وفيها: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار، لا قراءة تعلّم واستذكار. والله أعلم. وهذا كما أن عمر بن الخطاب لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عن تلك الأسئلة، وكان فيما قال: أولم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: «بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا» ؟ . قال: لا، قال:«فإنك آتيه ومطوّف به» . فلما رجعوا من الحديبية وأنزل الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم سورة الفتح، دعا عمر بن الخطاب فقرأها عليه، وفيها قوله:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} الآية. انتهى.
وعن مجاهد في قول الله: {مُنفَكِّينَ} ، قال: لم يكونوا لينتهوا حتى يتبيّن لهم الحقّ. وعن قتادة في قوله: {مُنفَكِّينَ} قال: منتهين عما هم فيه، {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: هذا القرآن {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} يذكر القرآن بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء. وقال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى، والمشركون
عبدة الأوثان والنيران من العرب والعجم. وقال مجاهد:
لم يكونوا
…
{مُنفَكِّينَ} ، يعني: منتهين حتى يتبيّن لهم الحقّ؛ وهكذا قال قتادة: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: هذا القرآن، ولهذا قال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} ، ثم فسّر البيّنة بقوله:{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} ، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهّرة، كقوله:{فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} .
وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} ، قال ابن جرير: أي: في الصحف المطهّرة {كُتُبٌ} ، من الله {قَيِّمَةٌ} عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل.
وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} ، كقوله:{وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ} ، يعني: بذلك أهل الكتب المنزّلة على الأمم قبلنا، ما أقام الله عليهم الحجج والبيّنات تفرّقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا كما جاء في الحديث المرويّ من طرق:«أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة» . قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» . انتهى.
قال البغوي: ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال: {وَمَا أُمِرُوا} ، يعني: هؤلاء الكفار، {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} ، يعني: إلا أن يعبدوا الله، {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ، قال
ابن عباس: ما أمروا في التوراة والإِنجيل إلا بالإِخلاص في العبادة لله موحّدين {حُنَفَاء} ، مائلين عن الأديان كلّها إلى دين الإسلام، {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، المكتوبة في أوقاتها، {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} ، عند محلّها و {وَذَلِكَ} الذي أمروا به {دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، أي: الملّة والشريعة المستقيمة.
وهذه الآيات كقوله تعالى: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} ، وكقوله تعالى:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ، أي: هذا الجزاء لمن خاف ربه واتقاه بفعل طاعته وترك معصيته. وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول لأهل الجنّة: يا أهل
الجنّة، فيقولون: لبيّك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربّ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربّ وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا» . متفق عليه.
* * *