المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين ‌ ‌[سورة عبس] مكية، وهي اثنتان وأربعون آية   بسم - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٤

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس الخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الشورى]

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الدخان]

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الجاثية]

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌الدرس الستون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائتين

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الفتح]

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة ق]

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الطور]

- ‌الدرس السبعون بعد المائتين

- ‌[سورة النجم]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة القمر]

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الرحمن]

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحديد]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحشر]

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الممتحنة]

- ‌الدرس الثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الصف]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المنافقون]

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التغابن]

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الطلاق]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التحريم]

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الملك]

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة نون]

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المعارج]

- ‌الدرس التسعون بعد المائتين

- ‌[سورة نوح]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الجن]

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المزمل]

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المدثر]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة القيامة]

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الإنسان]

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الْمُرْسَلَاتِ]

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النبأ]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النازعات]

- ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

- ‌[سورة عبس]

- ‌الدرس الثلاثمائة

- ‌[سورة التكوير]

- ‌[سورة الانفطار]

- ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة المطففين]

- ‌[سورة الانشقاق]

- ‌الدرس الثاني بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الطارق]

- ‌الدرس الثالث بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الأعلى]

- ‌[سورة الغاشية]

- ‌الدرس الرابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفجر]

- ‌[سورة البلد]

- ‌الدرس الخامس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الشمس]

- ‌[سورة الليل]

- ‌الدرس السادس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة الشرح]

- ‌[سورة التين]

- ‌الدرس السابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العلق]

- ‌[سورة القدر]

- ‌الدرس الثامن بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البينة]

- ‌[سورة الزلزلة]

- ‌الدرس التاسع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العاديات]

- ‌[سورة القارعة]

- ‌[سورة التكاثر]

- ‌[سورة العصر]

- ‌[سورة الهمزة]

- ‌الدرس العاشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفيل]

- ‌[سورة قريش]

- ‌الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الماعون]

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكافرون]

- ‌[سورة النصر]

- ‌[سورة المسد]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الإخلاص]

- ‌الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفلق]

- ‌[سورة الناس]

الفصل: ‌ ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين ‌ ‌[سورة عبس] مكية، وهي اثنتان وأربعون آية   بسم

‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

[سورة عبس]

مكية، وهي اثنتان وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ

(39)

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) } .

ص: 434

قوله عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) } .

عن ابن عباس: قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} ، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هاشم، والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيرًا رجاء أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له: عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال: يا رسول الله علمني مما علّمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولّى، وكره كلامه وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره ثم خفق برأسه، ثم أنزل الله:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} . فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّمه وقال له: «ما حاجتك؟ هل تريد من شيء» ؟ وإذا ذهب من عنده قال له: «

هل لك حاجة في شيء» ؟ وذلك لما أنزل الله: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} .

ص: 435

قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئًا كتم هذا عن نفسه؛ قال: وكان يتصدّق كهذا الشريف في جاهليّته رجاء أن يسلم، وكان عن هذا يتلهّى.

قال البغوي: {عَبَسَ} كلح {وَتَوَلَّى} أعرض بوجهه، {أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} وهو ابن أم مكتوم، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} يتطهّر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلّمه منك، {أَوْ يَذَّكَّرُ} يتّعظ

{فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} ، {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} ، قال ابن عباس: عن الله وعن الإيمان بما لَهُ من المال، {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى} تتعرض له وتقبل وتصغي إلى كلامه، {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} أن لا يؤمن ويهتدي، إن عليك إلَاّ البلاغ. {وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى} يمشي، يعني: ابن أمّ مكتوم {وَهُوَ يَخْشَى} الله عز وجل {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} تتشاغل وتعرض عنه. {كَلَّا} زجر: أي: لا تفعل بعدها مثلها {إِنَّهَا} ، يعني: هذه الموعظة؛ وقال مقاتل: آيات القرآن، {تَذْكِرَةٌ} موعظة وتذكير للخلق {فَمَن شَاء} من عباد الله {ذَكَرَهُ} أي: اتّعظ به. ثم أخبر عن جلالته عنده فقال: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} يعني: اللوح المحفوظ {مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} لا يمسّها إلَاّ المطهرون {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} ، قال ابن عباس: هم الملائكة {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} قال البغوي: أي: كرام على الله بررة مطيعين. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاقّ له أجران» . رواه الجماعة.

قوله عز وجل: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ

ص: 436

شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) } .

قال مجاهد: ما كان في القرآن: قتل الإنسان أو فعل بالإنسان، فإنما عني به الكافر. قال البغوي:{مَا أَكْفَرَهُ} ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه وأياديه عنده، على طريق التعجّب. قال الزجاج معناه: اعجبوا أنتم من كفره. وقال الكلبيّ ومقاتل: هو (ما) الاستفهام، يعني: أيّ شيء حمله على الكفر؟ ثم بين من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خلقه فقال: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} .

وقال ابن كثير: ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه فقال تعالى:{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} ، قال البغوي: أطوارًا: من نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} قال ابن عباس: يعني بذلك: خروجه من بطن أمه

يسره له. وقال مجاهد: هو كقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .

{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} ، قال البغوي: جعل له قبرًا يوارى فيه {ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} أحياه بعد موته، {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} ، قال البغوي {كَلَّا} رد عليه، أي: ليس كما يقول ويظن هذا الكافر. وقال الحسن: حقًا، {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} ، أي: لم يفعل ما أمره الله به ربه، ولما يؤد ما فرض عليه. ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فقال:{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} كيف قدره ربه ودبره له وجعله سببًا لحياته. وقال مجاهد: إلى مدخله ومخرجه. ثم بين فقال: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً} ، يعني: المطر، {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً} بالنبات {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} ، أي: الحبوب التي يتغذى بها

ص: 437

{وَعِنَباً وَقَضْباً} وهو القت الرطب، سمى بذلك لأنه يقضب في كل أيام: أي: يقطع. {وَزَيْتُوناً} وهو ما يعصر منه الزيت، {وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ} بساتين {غُلْباً} غلاظ الأشجار. وقال مجاهد: الغلب: الشجر الملتف بعضه في بعض.

{وَفَاكِهَةً} يريد: ألوان الفاكهة. {وَأَبّاً} ، يعني: الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس. قال قتادة: الفاكهة لكم، والأب لأنعامكم. وعن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فقال: (أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟) وعن أنس قال: قرأ

عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فلما أتى على هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ، قال:(قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب، إن هذا لهو التكلف) ؛ قال ابن كثير: وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله:{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} .

وقوله تعالى: {مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} ، أي: عيشة لكم ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة.

قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) } .

ص: 438

عن ابن عباس في قوله: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} ، قال:(هذا من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده) . قال البغوي: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} ، يعني: صيحة القيامة، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع: أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} لا يلتفت إلى واحد منهم لشغله بنفسه. وقال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول: يا هذه أيّ بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل، وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها:

فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئًا، أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني: أيّ والد كنت لك؟ فيثني بخير فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى، فيقول ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئًا يقول الله تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} . وعن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً» فقالت: يا رسول الله فكيف بالعوارت؟ فقال: « {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} » . رواه النسائي. وقال ابن زيد في قول الله: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} ، قال: شأن قد شغله عن صاحبه.

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} ، قال: هؤلاء أهل الجنة: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} ، قال: هذه وجوه أهل النار؛ قال: والقترة من الغبرة وهما واحد، فأما في الدنيا فإن القترة ما ارتفع فحلق بالسماء رفعته الريح، تسميه

ص: 439

العرب: القترة؛ وما كان أسفل في الأرض فهو الغبرة. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يلجم الكافر العرق، ثم تقع الغبرة على وجوههم» - قال: - فهو قوله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} . وقال ابن عباس: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} ، أي: يغشاها سواد الوجوه.

وقال البغوي: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} مشرقة مضيئة. {ضَاحِكَةٌ} بالسرور، {مُّسْتَبْشِرَةٌ} فرحة بما نالت من كرامة الله عز وجل. {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} سواد وكآبة مما يشاهدون من الغم والهم، {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} تعلوها وتغشاها ظلمة وكسوف، {أُوْلَئِكَ} الذين يصنع بهم هذا:{هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} .

* * *

ص: 440