المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين ‌ ‌[سورة الزخرف] مكية، وهي تسع وثمانون آية   بسم - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٤

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس الخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الشورى]

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الدخان]

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الجاثية]

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌الدرس الستون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائتين

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الفتح]

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة ق]

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الطور]

- ‌الدرس السبعون بعد المائتين

- ‌[سورة النجم]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة القمر]

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الرحمن]

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحديد]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحشر]

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الممتحنة]

- ‌الدرس الثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الصف]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المنافقون]

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التغابن]

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الطلاق]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التحريم]

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الملك]

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة نون]

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المعارج]

- ‌الدرس التسعون بعد المائتين

- ‌[سورة نوح]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الجن]

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المزمل]

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المدثر]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة القيامة]

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الإنسان]

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الْمُرْسَلَاتِ]

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النبأ]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النازعات]

- ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

- ‌[سورة عبس]

- ‌الدرس الثلاثمائة

- ‌[سورة التكوير]

- ‌[سورة الانفطار]

- ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة المطففين]

- ‌[سورة الانشقاق]

- ‌الدرس الثاني بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الطارق]

- ‌الدرس الثالث بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الأعلى]

- ‌[سورة الغاشية]

- ‌الدرس الرابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفجر]

- ‌[سورة البلد]

- ‌الدرس الخامس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الشمس]

- ‌[سورة الليل]

- ‌الدرس السادس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة الشرح]

- ‌[سورة التين]

- ‌الدرس السابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العلق]

- ‌[سورة القدر]

- ‌الدرس الثامن بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البينة]

- ‌[سورة الزلزلة]

- ‌الدرس التاسع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العاديات]

- ‌[سورة القارعة]

- ‌[سورة التكاثر]

- ‌[سورة العصر]

- ‌[سورة الهمزة]

- ‌الدرس العاشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفيل]

- ‌[سورة قريش]

- ‌الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الماعون]

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكافرون]

- ‌[سورة النصر]

- ‌[سورة المسد]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الإخلاص]

- ‌الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفلق]

- ‌[سورة الناس]

الفصل: ‌ ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين ‌ ‌[سورة الزخرف] مكية، وهي تسع وثمانون آية   بسم

‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

[سورة الزخرف]

مكية، وهي تسع وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ

ص: 22

لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ

شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) } .

* * *

ص: 23

قوله عز وجل: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) } .

عن السدي: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} هو هذا الكتاب. قال قتادة: مُبِينِ والله بركته وهداه ورشده. وعن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} ، يعني: القرآن، في أم الكتاب الذي عند الله منه نُسِخَ. وعن قتادة:{لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} يخبر عن منزلته وفضله وشرفه.

وعن مجاهد في قول الله عز وجل {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} قال: يكذبون بالقرآن لا يعاقبون عليه. وعن ابن عباس قوله {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} يقول: أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به؟ وقال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، فدعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك. {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} لاستهزاء قومك، {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً} أي: أقوى من قومك {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} قال قتادة: عقوبة الأولين.

قوله عز وجل: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً

ص: 24

مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) } .

قال ابن كثير: يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره، {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له، وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد؛ ثم قال تعالى:

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً} أي: فراشًا، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . وعن قتادة:{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} كما أحيا الله هذه الأرض الميتة بهذا الماء، وكذلك تبعثون يوم القيامة.

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} ، قال البغوي: أي: الأصناف كلها، {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} في البر والبحر

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ذكر الكناية لأنه ردها إلى (ما){ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} بتسخير المراكب في البر والبحر

{وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين،

{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} ، قال ابن كثير: أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه مسيرنا الأكبر؛ وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى:

{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: {وَرِيشاً وَلِبَاسُ

ص: 25

التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} ، وعن قتادة:

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} يعلّمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك، تقولون {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} وإذا ركبتم الإبل قلتم:{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} ويعلّمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعًا تقولون: (اللهم أنزلنا منزلاً مباركًا وأنت خير المنزِلين) .

قوله عز وجل: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ

إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) } .

عن مجاهد في قول الله عز وجل: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} ، قال: ولدًا، وبنات من الملائكة، وعن قتادة:{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} ، أي: عدلاً؛ وقال

ص: 26

البغوي: أي: نصيبًا وبعضًا، وهو قولهم: الملائكة بنات الله؛ ومعنى الجعل: ها هنا الحكم بالشيء، والقول كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس. {إِنَّ الْإِنسَانَ} ، يعني: الكافر، {لَكَفُورٌ} جحود لنعم الله {مُّبِينٌ} ظاهر الكفران. {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} هذا استفهام توبيخ وإنكار، يقول: اتخذ ربكم لنفسه البنات وأصفاكم بالبنين؟ كقوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً} . {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً} أي: بما جعل لله بشرًا، وذلك أن ولد كل شيء يشبهه يعني: إذا بشر أحدهم بالبنات - كما ذكر في سورة النحل -: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} من الغيظ والحزن. {أَوَمَن يُنَشَّأُ} ، أي: يربى {فِي الْحِلْيَةِ} في الزينة -، يعني: النساء - {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} للحجة من ضعفهن ومتعهن. قال قتادة: قلما تتكلم امرأة تريد أن تتكلم بحجتها، إلا تكلمت بالحجة عليها؛ مجازه: أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه بنات الله؟ .

{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} ، أي: أحضروا خلقهم حين خلقوا {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} على الملائكة أنهم بنات الله، {وَيُسْأَلُونَ} عنها. {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} ، يعنى: الملائكة، {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ} ، أي: من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله، {فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} ، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} على دين وملة، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} جعلوا أنفسهم بإتباع آبائهم مهتدون {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} أغنياؤها ورؤساؤها، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} بهم {قَالَ أَوَلَوْ

ص: 27

جِئْتُكُم بِأَهْدَى} بدين أصوب {مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ} قال الزجاج: قال لهم: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم، وإن جئتكم بأهدى منه؟ فأبوا أن يقبلوه {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} انتهى ملخصًا.

وعن قتادة: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} ، قال: شر والله أخذهم بخسف وغرق، ثم أهلكم فأدخلهم النار.

* * *

ص: 28