الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السادس والثمانون بعد المائتين
[سورة الملك]
مكية، وهي ثلاثون آية
روى أحمد وأهل السنن عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} » .
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ
كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا
بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ (30) } .
* * *
قال ابن كثير: يمجّد تعالى نفسه الكريمة ويخبر أنه بيده الملك، أي: هو المتصرّف في جميع المخلوقات بما يشاء، لا معقب لحكمه ولا يُسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . وعن قتادة في قوله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} ، قال: أذلّ الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء.
وقوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ، قال الفضيل بن عياض:{أَحْسَنُ عَمَلاً} أخلصه وأصوبه، وقال: العمل لا يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، فالخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنّة. {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} قال قتادة: من اختلاف {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} يقول: هل ترى من خلل يا ابن آدم؟ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً} قال: صاغرًا {وَهُوَ حَسِيرٌ} ،
يقول: معيّ لم ير خللاً ولا تفاوتًا، {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} قال: إن الله جلّ ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال:
خلقها زينة للسماء الدنيا ورجومًا للشيطاطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن ينال منها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظّه، وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم به.
عن مجاهد: {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} يقول: تغلي كما يغلي القدر {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} ، قال ابن عباس: تكاد يفارق بعضها بعضًا وتتفطر. وقال ابن زيد: {مِنَ الْغَيْظِ} على أهل معاصي الله غضبًا لله وانتقامًا له. وعن ابن عباس: قوله: {فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} ، يقول: بعدًا.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} . قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره إن الذين يخافون ربهم بالغيب يقول وهم لم يروه: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} يقول: لهم عفو من الله عن ذنوبهم
{وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ، يقول وثواب من الله لهم على خشيتهم إياه بالغيب جزيل. وقال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه، إذا كان غائبًا عن الناس، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات حيث لا يراه أحد إلا الله تعالى، بأنه له {مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ، أي: تكفّر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في الصحيحين:«سبعة يظلّهم الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه» . فذكر منهم: «رجلاً دعته امرأة
ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلاً تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» .
قال البغوي: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، قال ابن عباس: نزلت في المشركين، كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد، فقال الله جلّ ذكره:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ألا يعلم ما في الصدور مَنْ خَلَقَها؟ {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً} سهلاً لا يمتنع المشي فيها، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} ، قال مجاهد: في طرقها وفجاجها، {وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ، أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خوّف الكفار فقال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، قال ابن عباس: أي: عذاب من في السماء إن عصيتموه {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ} قال الحسن: تتحرّك بأهلها {أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} ريحًا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط، {فَسَتَعْلَمُونَ} في الآخرة وعند الموت {كَيْفَ نَذِيرِ} ، أي: إنذاري إذا عانيتم العذاب {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ، أي: إنكاري عليهم بالعذاب، {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} تصفّ أجنحتها في الهواء {وَيَقْبِضْنَ} أجنحتهنّ بعد البسط {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في حال القبض والبسط {إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} .
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} ؟ استفهام إنكار {يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ} يمنعكم من عذابه، {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} ، أي: في غرور من الشيطان. {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ
رِزْقَهُ} أي: من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم؟ {بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ} تماد في الضلال {وَنُفُورٍ} تباعد من الحقّ. ثم ضرب مثلاً فقال: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ} راكبًا رأسه في الضلالة والجهالة، أعمى العين والقلب لا يبصر يمينًا ولا شمالاً وهو الكافر؛ قال قتادة: راكبًا على المعاصي في الدنيا، فحشره الله على وجهه يوم القيامة {أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً} معتدلاً يبصر الطريق وهو {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وهو المؤمن؛ قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويًّا. انتهى ملخصًا.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ} أي: ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي: العقول والإِدراك {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي: قلّما
تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} ، أي: بثّكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وحلاكم وأشكالكم وصوركم، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ، أي: تجمعون بعد هذا التفرّق والشتات، يجمعكم كما فرّقكم ويعيدكم كما بدأكم.
ثم قال تعالى مخبرًا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، أي: متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق؟ {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} أي: لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله عز وجل، لكنه أمرني أن أخبركم أنّ هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} ، أي: وإنما عليّ البلاغ، وقد أدّيته إليكم. قال الله تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، أي: لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ورأوا أن الأمر كان قريبًا، لأن كل ما هو آتٍ آتٍ وإن طال زمنه فلما وقع ما كذّبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر، أي: فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيّئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون، ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ:{هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} أي: تستعجلون.
{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ؟ أي: خلّصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإِنابة والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم
وقوع ما تتمنّون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذّبنا الله أو رحمنا فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم.
ثم قال تعالى: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} أي: آمنّا بربّ العالمين الرحمن الرحيم، وعليه توكّلنا في جميع أمورنا، كما قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ولهذا قال تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ، أي: منا ومنكم، ولمن تكون العاقبة في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} ، أي: ذاهبًا في الأرض إلى أسفل فلا ينال بالفؤوس الحداد، ولا السواعد الشداد، والغائر عكس النابع، ولهذا قال تعالى:{فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} ؟ ، أي: نبع سائح جار على وجه الأرض، أي: لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الأرض بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلّة والكثرة، فللَّه الحمد والمنّة.
* * *