الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين
[سورة الواقعة]
مكية، وهي ست وتسعون آية
عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت! قال: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون» . رواه الترمذي. وعن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلّون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخفّ من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر: (الواقعة) ونحوها من السور) . رواه أحمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (18) لَا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاء بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) وَمَاء مَّسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا
لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) } .
* * *
عن ابن عباس في قوله: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} و {الطَّامَّةُ}
…
و {الصَّاخَّةُ} ، ونحو هذا من أسماء {الْقِيَامَةِ} عظّمة الله وحذّره عباده. وعن قتادة:{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي: ليس لها مثنويّة ولا رجعة ولا ارتداد. وقوله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} قال: أَسْمَعَتِ القريبِ والبعيدَ. {خَافِضَةٌ} أقوامًا إلى عذاب الله و {رَّافِعَةٌ} ، أقوامًا إلى كرامة الله، {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} ، قال: زلزلت زلزالاً. وعن مجاهد: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} ، قال: كما يُبَسُّ السويق. وقال ابن زيد: صارت كثيبًا مهيلاً كما قال الله. وعن مجاهد في قوله:
{فَكَانَتْ
هَبَاء مُّنبَثّاً} قال: شعاع الشمس يدخل من الكوّة ليس بشيء. وعن عليّ رضي الله عنه في قوله: {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً} ، كوهج الغبار يسطع ثم يذهب، فلا يبقى منه شيء. وعن قتادة:{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً} قال: منازل الناس يوم القيامة. {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي: ماذا لهم وماذا أعدّ لهم {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أي: ماذا لهم وماذا أعدّ لهم {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أي: من كلّ أمّة. وعن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} ثم قال: أوّلهم رواحًا إلى المسجد، وأوّلهم خروجًا في سبيل الله. وروى الإِمام أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «الذين إذا أُعطوا الحقّ قبلوه، وإذا سُئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» . وعن الحسن أنه أتى على هذه الآية: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} ، فقال: أما السابقون فقد مضوا، ولكن اللهمّ اجعلنا من أصحاب اليمين. وعن ابن عباس:{عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} ، قال: مرمولة بالذهب. وقال عكرمة: مشبّكة بالدرّ والياقوت. {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} قال مجاهد: لا يناظر أحدهم في قفا صاحبه. {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} ، قال: لا يموتون. وعن قتادة في قوله:
…
{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} قال: الأكواب التي دون الأباريق ليس لها عرى، {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} أي: من خمر جارية {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} ليس
لها وجع رأس، {وَلَا يُنزِفُونَ} ، لا يغلب أحد على عقله. وقال البغوي:{وَلَا يُنزِفُونَ} ، ولا يسكرون؛ هذا إذا قرئ بفتح الزاي، ومن كسرها فمعناها: لا ينفد شرابهم. وقال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصدع، والقيء، والبول. فذكر الله تعالى خمر الجنّة ونزّهها عن هذه الخصال. وعن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله: {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} قال: «صفاؤهن كصفاء الدرّ الذي في الأصداف الذي لا تمسّه
الأيدي» . رواه ابن جرير. قال البغوي: ويروى أن الحوراء إذا مشت ليسمع تقديس الخلاخيل من ساقيها، وتمجيد الأسورة من ساعديها، وأن عقد الياقوت ليضحك من نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب، شراكهما من لؤلؤ، يصرّان بالتسبيح. {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً} قال عطاء: يحيّي بعضهم بعضًا بالسلام.
عن قتادة في قوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} أي: ماذا لهم وماذا أعدّ لهم {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} قال: كنا نحدّث: أنه
الموقر الذي لا شوك فيه. {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} ، كنا نحدّث أنه الموز. وقال معمر بن المثنى: هو عند العرب شجر عظام كثير الشوك. وقال مجاهد: {مَّنضُودٍ} أي: متراكم الثمر. قال ابن عباس: يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمر أحلى من العسل. وروى النجار عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابيّ يومًا فقال: يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما هي» ؟ قال: السدر فإن له شوكًا
مؤذيًا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس الله تعالى يقول: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} خضد الله شوكه، فجعل مكان كلّ شوكة ثمرة فإنها لتنبت ثمرًا وتنفق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونًا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخر» . وعن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} » . متفق عليه. وعن سفيان: {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} قال: يجري في غير أخدود. وعن قتادة في قوله: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} ، قال: لا يمنعه شوك ولا بعد.
وقوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} ، قال ابن كثير: أي: عالية وطئية ناعمة. وقوله تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} ، قال أبو عبيدة: يعني بذلك: الحور العين. وعن الحسن قال: أتت عجوز فقالت: يا رسول الله ادعوا الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال:«يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز» . فولّت تبكي، قال: «أخبروها أنها لا تدخلها
وهي عجوز، إن الله تعالى يقول:{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} » . رواه الترمذي. وعن ابن عباس: {عُرُباً أَتْرَاباً} ، قال: العُرب: المتحبّبات المتودّدات إلى أزواجهن. والأتراب: المستويات. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على ضوء أشدّ كوكب درّيّ في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة،
وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، هم على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء» . متفق عليه. وقوله تعالى:{ثُلَّةٌ} ، أي: جماعة، {مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} قال الحسن:{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ} من الأمم، {وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ
(57)
أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (62) } .
عن قتادة: قوله: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} ، أي: ماذا لهم وماذا أعدّ لهم {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} كنا نحدّث أنها ظلّ الدخان {لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} قال: لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر. وقال الضحاك: كلّ شراب ليس بعذب فليس بكريم. وعن ابن عباس: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} يقول: منعمين
…
{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} قال الضحاك: يعني: الشرك. وقال مجاهد: يدمنون على الذنب. وعن ابن عباس قوله: {شُرْبَ الْهِيمِ} قال:
الإبل العطاش. وقال عكرمة: هي الإبل المراض تمصّ الماء مصًا ولا تروى.
وقوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} ، قال ابن كثير: أي: هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم، كما قال تعالى في حقّ المؤمنين:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} . وقال البغوي: {هَذَا نُزُلُهُمْ} ، يعني: ما ذكر من الزقّوم، والحميم: رزقهم وغذاؤهم، وما أعدّ لهم يوم الدين، يوم يجازون بأعمالهم؛ ثم احتجّ عليهم في البعث فقال تعالى:{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} قال مقاتل: خلقناكم ولم تكونوا شيئًا وأنتم تعلمون ذلك
{فَلَوْلَا} فهلا {تُصَدِّقُونَ} بالبعث؟ {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} ما تصبّون في الأرحام من النطف {أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ} ، يعني: أأنتم تخلقون ما تمنون بشرًا، {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ؟ {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم فذلك قوله عز وجل:{عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} يعني: نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم. {وَنُنشِئَكُمْ} نخلقكم {فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} من الصور. وقال الحسن: أي: نبدّل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير. {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} ولم تكونوا شيئًا {فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} إني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم.
قال البغوي: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} ، يعني: تثيرون من الأرض وتلقون فيها من البذور، {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} المنبتون؟ وعن حجر المنذريّ أنه كان إذا قرأ:{أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} وأمثالها ويقول: بل أنت يا رب. {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ
حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} ، قال الكسائي: هو تلهّف على ما فات، وهو من الأضداد. وقال ابن كثير: أي: لو جعلناه حطامًا لظلتم تفكّهون في المقالة، تنوّعون كلامكم فتقولون تارة: إنا لمغرمون، وتارة تقولون: بل نحن محرومون. قال البغوي: والغرام: العذاب. وقال الضحاك، وابن كيسان: غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرمًا علينا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، وهو قوله:{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} محدودن ممنوعون، أي: حُرِمْنا ما كنا نطلبه من الربح في الرزق. وقال ابن زيد: المزن: السحاب. وقال الحسن: {أُجَاجاً} مرًّا. وقال ابن عباس شديد الملوحة.
وعن قتادة: قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} للنار الكبرى. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم» . قالوا: يا نبي الله إن كانت لكافية. قال: «قد ضُربت بالماء ضربتين لينتفع بها بنو آدم ويدنوا منها» . {وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} ، قال: للمرمل المسافر. وعن مجاهد: {وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} للمستمتعين: المسافر، والحاضر، لكلّ طعام لا يصلحه إلا النار. وقال ابن زيد: المقوي: الجائع.
وقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ، قال ابن كثير: أي: الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة: الماء الزلال العذب البارد، ولو شاء جعله ملحًا أجاجًا كالبحار المغرقة، وخلق النار المحرقة
وجعل ذلك مصلحة للعباد وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجرًا لهم في المعاد.
* * *