الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة
[سورة الإخلاص]
مكيّة، وهي أربع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* * *
عن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} . رواه أحمد وغيره. زاد ابن جرير: قال: ( {الصَّمَدُ} الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث. {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، ولم يكن له شبيه ولا عديل وليس كمثله شيء) .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكلّ شيء نسبة، ونسبة الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} ، والصمد: ليس بأجوف» . رواه الطبراني.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك» ؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، وأنا أحبّ أن أقرأ بها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أخبروه أن الله تعالى يحبّه» . متفق عليه.
وعن أبي سعيد أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يردّدها، فلما أصبح جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالّها - فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن» . رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: أقبلت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت» . قلت: وما جبت؟ قال: «الجنّة» . رواه مالك، والترمذي، والنسائي.
وعن عبد الله بن خبيب قال: أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يصلّي بنا فخرج فأخذ بيدي فقال: «قل» . فسكتّ قال:
…
«قل» . قلت: ما أقول؟ قال: « {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوّذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا، تكفيك كلّ يوم مرتين» . رواه عبد الله بن الإِمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعن معاذ بن أنس الجهنيّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يختمها عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنّة» . فقال عمر: إذًا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الله أكثر وأطيب» .
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلّي يدعو يقول: اللهمّ إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قال:«والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب» . رواه أهل السنن.
وعن عائشة: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة، جمع كفّيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من
جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرّات) . رواه البخاري وغيره.
قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، قال ابن جرير:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء
السائلين عن نسب ربك وصفته، {هُوَ اللَّهُ} الذي له عبادة كلّ شيء، لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح لشيء سواه. وقال ابن كثير:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، يعني: هو الواحد الأحد الذي لا نظير له، ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل؛ ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإِثبات إلا على الله عز وجل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
قوله عز وجل: {اللَّهُ الصَّمَدُ} قال ابن عباس: (الصمد: الذي ليس بأجوف) . وقال الشعبي: (الصمد: الذي لا يطعَم الطعام) . وقال أبو العالية: (الصمد: الذي لم يلد ولم يولد) . وعن ابن عباس في قوله: {الصَّمَدُ} ، يقول:(السيّد: الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له) . وقال قتادة: (الصمد الدائم) .
قال ابن كثير: وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنّة له، بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال: وكلّ هذه صحيحة، وهي صفات ربّنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد: الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه.
قوله عز وجل: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} أي: ليس له ولد ولا والد؛ قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً *
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} . وفي صحيح البخاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم» .
قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} قال ابن عباس: ليس كمثله شيء فسبحان الله الواحد القهّار. وعن مجاهد: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، قال: صاحبة؛ وقد قال تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ، وروى البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله عز وجل: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته؛ وأما شتمه إيّاي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوًا أحد» .
قال أبو العباس بن سريج في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في سورة قل هو الله أحد إنها تعدل ثلث القرآن: (إن الله أنزل القرآن على ثلاثة أقسام: ثلث منه أحكام، وثلث
منه وعد ووعيد، وثلث منه الأسماء والصفات؛ وهذه السورة جمعت القسم الثالث) . قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: وهذا القول هو الصواب.
قلت: ويحسن إعادة ذكر الأسماء الحسنى ها هنا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة، وهو وتر يحبّ الوتر» .
زاد الترمذي بعد قوله: وهو قوله: «وهو وتر يحبّ الوتر: هو الله الذي لا إله إلا هو: الرحمن، الرحيم، الملك، القدّوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذلّ، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العليّ، الكبير،
الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البَرّ، التوّاب، المنتقم، العفوّ، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المعطي، المانع، الضارّ، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور» .
* * *