المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الناسخون الماسخون

- ‌إكمال ثلاثة خروم من كتاب التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه

- ‌من خط البغدادي *

- ‌مقاليد الكتب

- ‌أدب الجاحظ

- ‌الصاحب بن عباد

- ‌أبو نواس

- ‌ضحى الإسلام

- ‌الشريف الكتانى

- ‌نابغة بني شيبان

- ‌مقاليد الكتب

- ‌1 - كتاب "حافظ وشوقي

- ‌2 - كتاب الرثاء

- ‌3 - كتاب الخط الكوفي *

- ‌4 - صلاح الدين وشوقي *

- ‌5 - كتاب الشخصية *

- ‌6 - كتاب أمير الشعراء شوقي *

- ‌مقاليد الكتب

- ‌حاضر العالم الإسلامي

- ‌ذكرى الشاعرين

- ‌ماضي الحجاز وحاضره

- ‌الوحي المحمدي

- ‌مقاليد الكتب

- ‌1 - ملوك المسلمين المعاصرون ودولهم

- ‌2 - ابن عبد ربه وعقده

- ‌3 - رحلة إلى بلاد المجد المفقود

- ‌4 - تنبيهات اليازجي على محيط البستاني جمعها وحل رموزها

- ‌مقاليد الكتب

- ‌1 - أنتم الشعراء

- ‌2 - تاريخ مصر الإسلامية

- ‌3 - آلاء الرحمن في تفسير القرآن

- ‌مقاليد الكتب

- ‌1 - ابن خلدون: حياته وتراثه الفكرى

- ‌2 - قلب جزيرة العرب

- ‌الينبوع

- ‌النثر الفني في القرن الرابع

- ‌مقاليد الكتب

- ‌1 - ديوان عبد المطلب

- ‌2 - مرشد المتعلم

- ‌3 - مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام

- ‌ ملوك الطوائف، ونظرات في تاريخ الإسلام

- ‌الإسلام والحضارة العربية

- ‌وَحْيُ القلم

- ‌علم معاني أصوات الحروف سر من أسرار العربية نرجو أن نصل إلى حقيقته في السليقة العربية (1)

- ‌علم معاني أصوات الحروف سر من أسرار العربية نرجو أن نصل إلى حقيقته في السليقة العربية (2)

- ‌علم معاني أصوات الحروف سر من أسرار العربية نرجو أن نصل إلى حقيقته في السليقة العربية (3)

- ‌عبقرية عمر

- ‌شاعر الحب والفلوات ذو الرُّمَّة- 1

- ‌شاعر الحب والفلوات ذو الرُّمَّة- 2

- ‌شاعر الحب والفلوات ذو الرُّمَّة- 3

- ‌ جمعية الشبان المسلمين

- ‌ تاريخ اليوم الأول

- ‌ دعوة الشباب إلى الجمعية

- ‌ الاجتماع الأول

- ‌ الاجتماع الثاني والثالث

- ‌ انتخاب مجلس الإدارة

- ‌في حلبة الأدب

- ‌كتاب تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي

- ‌ عن كتاب تطور الأساليب النثرية" رد على مؤلفه

- ‌ترجمة القرآن وكتاب البخاري

- ‌ترجمة القرآن في صحيح البخاري

- ‌من أين؟ وإلى أين

- ‌لماذا، لماذا

- ‌تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات

- ‌شكر

- ‌أنا وحدى

- ‌الطريق إلى الأدب- 1

- ‌الطريق إلى الأدب- 2

- ‌فوضى الأدب وأدب الفوضى

- ‌الأدب والحرب

- ‌إلى على ماهر باشا

- ‌لا تبكوا. .! لا تنوحوا

- ‌تجديد التاريخ المصري ساعة واحدة

- ‌أحلام مبعثرة

- ‌أهوال النفس

- ‌وقاحة الأدب أدباء الطابور الخامس

- ‌قلوب جديدة

- ‌القلم المعطَّل

- ‌اللغة والمجتمع

- ‌أوطانَ

- ‌(حول قصيدة القوس العذراء)

- ‌صَدَى النقد طبقات فحول الشعراء رد على نقد

- ‌[الاستعمار البريطاني لمصر]

- ‌المتنبي

- ‌حديث رمضان. عبادة الأحرار

- ‌مع الشيطان الأخرس

- ‌ يحيى حقي صديق الحياة الذي افتقدته

- ‌لا تنسوا

- ‌عدوى وعدوكم واحد

- ‌أندية لا ناد واحد

- ‌لا تخدعونا

- ‌احذروا أعداءكم

- ‌في خدمة الاستعمار

- ‌حكم بلا بينة

- ‌تاريخ بلا إيمان

- ‌المسلمون

- ‌ لا تسبُوا أصحَابي

- ‌طلب الدراهم من الحجارة

- ‌ألسنَةُ المفترين

- ‌جرأة العلماء

- ‌أحمد محمد شاكر إمام المحدّثين

- ‌ قُرَىَ عَرَبِيَّةَ

- ‌كانت الجامعة. . . هي طه حسين

- ‌مواقف

- ‌في الطريق إلى حضارتنا

- ‌الأندلس تاريخ اسم وتطوره

- ‌المتنبي ليتني ما عرفته- 1

- ‌المتنبي ليتني ما عرفته- 2

- ‌القول في "تذوق الشعر

- ‌القول في "الشعر

- ‌القول في "التذوق

- ‌المتنبي ليتني ما عرفته- 3

- ‌تتمة القول في التذوق

- ‌قضية "التذوق" عندي

- ‌تاريخ "التذوق" عندي

- ‌من هؤلاء

- ‌قضية اللغة العربية

- ‌في زمان الغفلة

- ‌هؤلاء الخمسة

- ‌الفقيه الجليل ورموز التكنولوجيا

- ‌النكبات الثلاث

- ‌الجبرتى الكبير

- ‌الألفاظ المكشوفة في هذا الكتاب طبيعية وينبغي ألا يجهلها البشر

- ‌ذكريات مع محبى المخطوطات

- ‌[تعقيب]

- ‌كلام منقول بنصه

- ‌في الطبعة الجديدة "للمتنبى

- ‌ الجيل المفرغ

- ‌كتاب الشعر الجاهلي

- ‌هل يبقى الاتهام

- ‌تهمة أكبر

- ‌ليس شكا أزهريا

الفصل: ‌ قرى عربية

"‌

‌ قُرَىَ عَرَبِيَّةَ

"

كلمة تقديم لعلامة الجزيرة المرحوم الشيخ حمد الجاسر

[بلية البلايا في تراثنا القديم، التصحيف، وخاصة في أسماء المواضع، حيث لا توجد قرينة في الكلام توضح الوجه الصحيح، ولا أستثنى من ذلك سوى ما استثناه الله جل وعلا وهو القرآن الكريم، حيث قال جل ذكره:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فحفظه الله من كل ما قد يؤثر في بقائه على أصله الصحيح، الَّذي أنزله عليه.

أما ما عداه -مما لا يتصل بأصول الدين الحنيف- فحسب الباحث أن يرجع إلى أي كتاب من الكتب القديمة، ليرى العجب العجاب من بلايا التصحيف في أسماء المواضع، ففي "صحيح البخاري" -وهو أصح كتاب بعد كتاب الله، أشياء من ذلك يجدها الباحث في اختلاف رواة ذلك الكتاب العظيم في اسم "العشيرة" الموضع الَّذي غزاه المصطفى، عليه الصلاة والسلام، وفي غيره من المواضع، وفي كتب سيرته صلى الله عليه وسلم لابن إسحاق، بتهذيب ابن هشام، و"طبقات ابن سعد" وغيرهما من المؤلفات، مما نكتفي بالإشارة إليه، إذ لا يتسع المجال للحديث عنه. وحسب القارئ أن يطلع على بحث أستاذنا العلامة الجليل أبي فهر، محمود بن محمد بن شاكر، هذا البحث الَّذي نقلل من قيمته حينما نقدمه للقارئ- حسبه أن يطلع على هذا البحث الممتع حقًّا، ليدرك كيف يسير بعض علمائنا -قدس الله أرواحهم- في بيداء من الأوهام والحيرة، من جراء ذلك الداء الوبيل، داء التصحيف والتحريف! وهم -أعلى الله ذكرهم في منازل الأبرار من عباده- لا يضيرهم أن يوصفوا بعدم الإحاطة، ولا يضرهم أن لا يوصفوا بأكثر مما يتصفون به من علم غزير، وخلق سام كريم، يتلاءم مع ما وهبهم الله، وما وصفهم به، لأنهم أرفع قدرًا، وأعلى مكانة من أن

(*) مجلة العرب، الجزء التاسع - السنة الثانية، ربيع الأول 1388 هـ، 1968 م. ص 769 - 797

ص: 1016

تبلغ بهم مطامح النفس، ومطامع الترفع إلى بلوغ منازل أخرى، لا ينقص من أقدارهم عدم بلوغها، ولا يسمو بغيرهم أن ينالوها، سموًا لا يبلغ درجة التفاضل، ومعاذ الله أن يوجد بين أمة تدين بهذا الدين الكريم، ممن يؤمن حق الإيمان بما قاله نبينا، عليه أزكى الصلاة والتسليم، ومن ذا الَّذي لا يؤمن بقوله، وهو الصادق الأمين:"خير القرون قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وإنما الفهم موهبة إلهية، حباها الله أناسًا قد تبلغ منزلتهم منها من السمو والرفعة أعلاها؛ وإن لم يبلغوا في الفضل منزلة من فضلهم الله، لسابقتهم في الإسلام. وبمنزلتهم منه، قال جل ذكره:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} .

وقديمًا قالوا: كم ترك الأول للآخر! ] (1)

حمد الجاسر

قرى عربية

1 -

" قُرَى عَرَبيةَ"، اسم موضع في بلاد العرب، يأتي في بعض الكتب المطبوعة والمخطوطة مصحفًا. فهو في أكثر المواضع "قُرَى عُرَنية"، وفي مكان آخر "قُرَى عُيَيْنَة"، ومن قديم الاختلاف في ضبطه أيضًا "قُرى عَرَبِيَّة" بالتنوين، أو "قُرى عَرَبِيَّة" بالإضافة وترك التنوين، أما الإشكال الأكبر فهو في تحديد مكان "قُرَى عرَبِيَّةَ" وعلى أي شيء يدلّ اسم هذا المكان؟

* * *

2 -

فأبو عبيدٍ البكريُّ في "معجم ما استعجم"(931 - 932)، لم يزد بيانُه على أنَّه قُرًى بالحجاز معروفة، ثم استدلّ ببعض الأخبار والآثار التي ستأتي (رقم: 10، 15، 23).

(1) أقول: هذا عجز بيت لأبى تمام وصدره:

* يقول مَن تَقْرَعُ أَسْماعَهُ *

ص: 1017

3 -

وأما ياقوت فلم يذكر لها مادة في معجم البلدان، ولكنه ذكر مادة "عُرَيْنَة" وقال:"بلفظ تصغير عُرنَة"، ثم قال:"وعرينة، موضع ببلاد فَزَارة. وقيل: قُرًى بالمدينة. و"عُرَيْنة" قبيلة من العرب". ولكن نقل بعد ذلك نصًا سيأتي (رقم: 20) وذكر فيه "قُرى عربيَّةَ" وأنه مضبوطٌ بخط العبدريّ في فتوح الشام، بفتح العين والراء، والباء الموحدة، وياء مشددة "قُرَى عَربيَّةَ" ولم يزد على ذلك شيئًا.

* * *

4 -

أما السمهوديّ، فقد جاء بالطامّة في كتابه "وفاء الوفا"، ففي الفصل الثامن من الباب السابع من كتابه، حيث ذكر بقاعَ المدينة وأعراضها مرتبة على حروف المعجم، ما نصه:"عُرَينة، كجهينة، قرى بنواحي المدينة في طريق الشأم".

- وعن مُعاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قُرَى عُرَينة، فأمرنى أن آخذ حَظَّ الأرض (انظر ما سيأتي رقم: 5 و 6).

- وقال الزهري، قال عمر:"ما أفاء الله على رسوله" هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قُرى عُرينَة، وفَدَك وكذا وكذا (انظر ما سيأتي رقم: 7 - 10).

- ووُجِدَ على حجر بالحِمَى كما سبق (1): "أنا عبد الله الأسود، رسولُ عيسى ابن مريم الى أهل قُرى عُرينة".

وسيأتي ما يدلّ على تصحيفه في الخبرين الأولين. أما الخبر الثالث الَّذي أشار اليه فهو في كتابه في الفصل الأول من الباب الثالث، وسأذكر مكانا آخر وقع في كتابه ذكر "قُرى عُرَينة" (رقم: 43).

* * *

ولكى أصل الى الفصل في أمر "قُرى عربية" أسوق الأخبار التي وقفت عليها فيما بين يديّ من الكتب.

5 -

روى يحيى بن آدم في كتاب الخراج ص: 619 - 622:

- (619) قال يحيى، قلت لشريك: ذكرت عن جابر عن محمد بن زيد،

(1) لم يسبق ذكر ذلك.

ص: 1018

عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُرَى عَرَبِيَّة أقاسمهم حظّ الأرض. قال: قد ذُكر ذلك.

- (620) حدثنا يحيى قال، حدثنا أبو حماد الحنفي، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن زيد، عن معاذ بن جبل قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُرَى عَرَبِيَّة، وأمرني أن آخذ حظَّ الأرض.

- (621) حدثنا الأشجعى، عن سفيان بن سعيد، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن زيد، عن مُعاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرَى عَرَبيَّة، وأمرنى أن آخذ حظَّ الأرض، قال الأشجعى: قال سفيان: الثُّلث والرُّبُع.

- (622) حدثني ابن مبارك، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله "قُرًى ظاهِرَة" (سورة سبأ: 118) قال: قُرَى عَرَبيَّةَ -قال يحيى: وأما "قُرَى عربيَّةَ" فإنه يعني أرضًا بعينها يقال لها "قُرى عَربِيَّةَ"(انظر ما سيأتي رقم: 13).

* * *

6 -

وروى أحمد في مسند معاذ بن جبل من المسند (5: 228/ ثم 5: 244) قال:

- حدثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن محمد بن زيد، عن معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قُرَى عَربيَّةَ، فأمرنى أن آخذ حظَّ الأرض -وقال عبد الرزاق: يعني: عن سفيان، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن زيد، في حديث معاذ (ص: 228).

- حدثنا عبد الرزاق، أنا سفيان، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن زيد، عن معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُرى عَرَبِيَّة فأمرني أن آخذ حَظَّ الأرض -قال سفيان: حَظُّ الأرض الثُّلث والربع (ص: 244).

* * *

7 -

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: 9 "وأما فَدك فان إسماعيل بن إبراهيم حدثنا، عن أيوب، عن الزُّهري في قوله: {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ

ص: 1019

عَلِيْه مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سورة الحشر: 6] فقال: هذه لرسول الله خاصة، قرى عربية، فدك وكذا وكذا.

قال أبو عبيد: وهي في العربية "قرَى عربيةً" بتنوين، إلا أن يكون كما قالوا "دارُ الآخرة" و"صلاة الأولى"، والمحدِّثون يقولون:"قرى عربية" بغير تنوين (انظر ما سيأتي رقم: 23، 24).

* * *

8 -

وروى البلاذرى في فتوح البلدان: 39

- حدثنا سريج بن يونس قال، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن الزهري في قوله تعالى:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلِيْه مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سورة الحشر: 6]، فقال: هذه قرى عربية، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدَك وكذا وكذا.

* * *

9 -

وقال ابن أبي حاتم في آداب الشافعي: 146

- قال الزهري، قال عمر، قال الله عز وجل:{وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلِيْه مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سورة الحشر: 6]، فهذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة، قرى عربية، وفدك وكذا وكذا.

(سنن أبي داود، في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم 3: 195 رقم: 2966، ومعالم السنن للخطابي 3: 17، ومختصر السنن لابن القيم 4: 214، وسنن النسائي الخبر بطوله 7: 136، 137).

* * *

10 -

ونقل البكرى في معجم ما استعجم: 929

- من حديث الزهري قال، قال عمر في قول الله تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلِيْه مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سورة الحشر: 6]، قال هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قرى عربية، وفدك وكذا وكذا -وهي قرى بالحجاز معروفة.

ص: 1020

11 -

وروى الطبريّ في تفسيره (28: 24 بولاق):

- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمى قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الحشر: 6]. قال: أمر الله عز وجل نبيَّه بالسَّير إلى قُريظةَ والنضير، وليس للمسلمين يومئذ كثيرُ خيلٍ ولا ركاب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيلٌ ولا ركاب يوجَف بها: قال: "والإيجاف" أن يوضعوا السير -وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من ذلك خيبر، وفدك، وقُرَى عربيَّةَ، وأمر الله رسوله أن يُعِدَّ لينبع.

- وخرَّجه السيوطي في الدر المنثور: 6: 192، بمثله من طريق ابن مردويه عن ابن عباس، ولم ينسبه للطبريّ.

* * *

12 -

ووجدت في مختصر المزنيّ بهامش الأم للشافعي (3: 180):

- "والفيء هو ما لم يُوجَف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في "قُرى عربية" أفاءها الله عليه، أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين.

- وفيه أيضًا (3: 183):

- وفُتح في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوحٌ من قُرَى عربيّةَ وعدها الله رسوله قبل فتحها. . .".

إلا أن رسم الكلمة في كتاب "الأم" من هذه الطبعة، في باب "جماع سنن قسم الغنيمة والفيء"، هو:

- "قُرى عُرَينة"، وذكر الشافعيّ أنها هي التي أفاء الله على رسوله، وأنها خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين (الأم 4: 64).

- ثم جاء في الأم (4: 64)"وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فتوح في غير "قُرَى عُرَينة التي وعدها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتحها. . . .".

ص: 1021

- ثم قال "وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فيء من غير قُرى عُرينةَ، وذلك مثل جزية أهل البحرين".

- وهذا الَّذي جاء في متن كتاب الأم للشافعي، يصححه ما جاء في مختصر المزني من نفس الطبعة، ويزيد تصحيفه ثبوتًا، ما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب آداب الشافعي ومناقبه كما سلف (رقم: 9)، وكما سيأتي (رقم: 21)، وسائر الأخبار في تفسير آية "الفيء" (انظر رقم: 7 - 11).

* * *

13 -

وقال الطبريّ في تفسيره (22 - 58 بولاق) عند تفسير قوله تعالى: {قُرًى ظَاهِرَةَ} [سبأ: 18]:

- يعني قُرى مُتَّصلة، وهي قُرى عَرَبيَّة.

- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"قرى ظاهرة" يعني: قرى عربية بين المدينة والشام.

- حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى:{قُرًى ظَاهِرَةَ} يعني: قرى عربية، وهي بين المدينة والشام (انظر ما سلف رقم: 5، من حديث يحيى بن آدم في كتاب الخراج، في تفسير الآية عن سعيد بن جبير أيضًا).

- ونقل هذا ابن كثير في تفسير هذه الآية، ثم عقب بقوله:"قرى ظاهرة" أي بينة يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى.

* * *

14 -

وروى أبو جعفر الطبري في تفسيره (6: 507، رقم: 7233، من طبعة دار المعارف).

- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، حدثنا أسباط، عن السدى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة آل عمران: 72] كان أحبار

ص: 1022

قرى عربية اثنى عشر حبرًا، فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا: نشهد أن محمدًا حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا ..

- وخرجه السيوطي في الدر المنثور (2: 42) من طريق ابن جرير، وابن أبي حاتم، وفيه "قرى عربية": أيضًا.

- إلا أن البغوي نقل في تفسيره بهامش ابن كثير (2: 165):

- "قال الحسن، وقتادة، والسُّدى: "تواطأ اثنا عشر حبرًا من يهود خيبر وقرى عيينة.

- وهذا تصحيف غريب جدا، ولكنه غير مستنكر على مطبوعة المنار من هذين التفسيرين، ولم يأت ذلك في كتاب آخر وقفت عليه.

بيد أن ما أتى به البغوي، ساق إلينا فائدة جليلة، بزيادته ذكر "خيبر" في هذا الأثر.

* * *

15 -

وفي التاريخ الكبير للبخارى (2/ 1/ 237):

- "قال أحمد بن سليمان، أخبرنا حسين بن إسماعيل قال، حدثني درباس وعمرو، ابنى دَجاجة، عن أبيهما: أنَّه خرج فإذا عثمان، فقال عثمان: لا يسكن قرى عربية دينان".

- رواه ابن أبي حاتم مختصرًا في الجرح والتعديل 1/ 2/ 441، ونقله البكرى في معجم ما استعجم:930.

* * *

16 -

وفي المحبَّر لابن حبيب: 115:

- "ثم سنة سبع، فيها خرج صلى الله عليه وسلم في المحرم إلى خيبر، فحاصرهم بضعة عشر يومًا، وارتحل منها إلى قرى عربية، فلم يلق كيدًا".

* * *

17 -

وفي المحبر أيضًا: 126:

ص: 1023

- "أنَّه صلى الله عليه وسلم ولَّى الحكم بن سعيد بن العاص على قرى عربية"(انظر رقم: 48).

* * *

18 -

وفي جوامع السير لابن حزم: 24 (والتعليق عليه ص: 458)

- (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولَّى الحكمَ بن سعيد بن العاص بن أمية على قرى عُرينة، وهي فدكُ، وغيرها. (انظر رقم: 48).

- وهذا تصحيف، يدلُّ عليه ما بعده وما قبله، وسائر الأخبار في أمر فدك.

* * *

19 -

وذكر ابن حزم في جمهرة أنساب العرب: 73، الحكم بن سعيد قال:(ولَّاه عليه السلام قُرى عَرَبية)(انظر رقم: 48).

* * *

20 -

وقال ياقوت في معجم البلدان، مادة (عرينة).

- (وقرأت بخط العبدريّ في فتوح الشام لأبى حذيفة بن معاذ بن جبل (الصواب: عن معاذ) قال في كلام له طويل: (واجتمع رأي الملأ الأكابر منّا أن يأكلوا قرى عربية ويعبدوا الله حتَّى يأتيهم اليقين).

- وقال في موضع آخر، في بعثة أبي بكر عمرو بن العاص إلى الشأم ممدًّا لأبى عبيدة: وجعل عمرو بن العاص يستنفر من مرّ به من البوادي وقرى عربية.

- قال ياقوت: ضبط في الموضعين بفتح العين والراء، والباء الموحدة وياء مشددة).

* * *

21 -

وقال ابن أبي حاتم في كتاب آداب الشافعي ومناقبه: (145)

- عن الربيع بن سليمان قال، قال الشافعي، وذكر (القرى العربية فقال: كانت اليهود في قرى العرب، والعرب حولهم، وهي فدك وخيبر وهي قرى اليهود بنوها في بلاد العرب، وهي أشراف (1) بلاد العرب، لأن العرب بعيدة المطلب.

(1) يأتي تفسير "أشراف بلاد العرب" في رقم: 41.

ص: 1024

- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: يعني القرى التي أفاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خيل ولا ركاب (انظر ما سلف: 7 - 12).

22 -

ونقل البكرى في معجم ما استعجم: 15، عن يعقوب بن السكيت، عن الأصمعى:

- وقرى عربية، كل قرية في أرض العرب، نحو خيبر، وفدك، والسوارقية (1)، وما أشبه ذلك ..

* * *

23 -

وقال الزبيديّ في طبقات النحويين واللغويين: 149، في ترجمة قتيبة النحويّ:

- (وحدثنا محمد بن موسى بن حماد قال، حدثني سليمان بن أبي شيخ الخزاعي قال، حدثنا أبو سفيان الحميريّ قال: قال أبو عبد الله كاتب المهدي (صوابه: أبو عبيد الله): (قرَى عربية) فنوّن، فقال: شبيب بن شيبة، إنما هي (قُرى عربيةَ) غير منونة. فقال أبو عبد الله (أبو عبيد الله) لقتيبة النحوى الجعفي الكوفي: ما تقول؟ فقال: إن كنت أردت القرى التي بالحجاز يقال لها (قرًى عربيةَ) فإنها لا تنصرف، وإن كنت أردت قرى من قرى السواد، فهي تنصرف. فقال: إنما أردت التي بالحجاز. قال: هو كما قال شبيب).

- وهذا الخبر نقله البكرى بنصه في معجم ما استعجم: 930، ونقله السيوطي مختصرًا في بغية الوعاة في ترجمة (قتيبة الجعفي) (انظر ما سلف رقم: 7).

* * *

24 -

وقال البكرى في "معجم ما استعجم": 929

(1) السوارقية: لا وجه لذكرها في (قرى عربية)، فهي تقع جنوب المدينة. ولا صلة لها بالقرى التي ذكرت هنا، هكذا عَلَّق الشيخ حمد الجاسر رحمه الله. وانظر كلام الأستاذ شاكر رحمه الله على السوارقية في رقم 41 الآتي.

ص: 1025

- (قرى عربية) على الإضافة لا تنصرف، منسوبة إلى العرب (انظر ما سلف رقم: 7).

* * *

25 -

وذكر ابن خرداذبه في "المسالك والممالك": (128، 129) أعراض المدينة، فعدَّها (وقد اختصرت كلامه)، ومثله في (الأعلاق النفيسة) لابن رسته: 177:

(تيماء، وهي بين الشأم والحجاز، ودومة الجندل، وهي من المدينة على ثلاث عشرة مرحلة، والفرع، وذو المروة، ووادي القرى، ومدين، وخيبر، وفدك، وقرى عربية، والوحيدة، ونمِرة، والحديقة).

* * *

26 -

وفي النبذ الملحقة بالمسالك والممالك، من كتاب الخراج لقدامة (ص: 248):

- وأعراض المدينة وأعمالها وعماراتها: ظبية (في الأصل طيبة) ويثرب، وتيماء، ودومة الجندل، والفرع، وذو المروة، وادي القرى، مدين، خيبر، فدك، قرى عربية، ساية، رهاط .. ) ثم انظر ما سيأتي من رقم: 48، إلى رقم: 53).

* * *

27 -

وبَيَّن من هذا الَّذي جمعته أن (قرى عُريْنة) لم ترد على هذا الوجه مضبوطة إلا في كتاب وفاء الوفا للسمهودى (انظر رقم: 4) واستدلّ على ذلك بخبر معاذ بن جبل (رقم: 5، 6) وخبر الزهري في الفيء (رقم: 7 - 10).

والخبر الأول رواه يحيى بن آدم، من طرق، ورواه أحمد أيضًا من طريقين، وهو ثابت في المطبوع والمخطوط من أصولهما (قرى عربية (لا عرينة) وزاد يحيى بن آدم ما يؤكد ذلك، بخبره الَّذي رواه عن سعيد بن جبير (رقم: 622) في تفسير قوله تعالى: {قُرًى ظَاهِرَةً} ، فجاء مطابقًا لما رواه الطبري في تفسير هذه الآية من طريقين آخرين (رقم: 13)، وهو ثابت على هذا الوجه في الطبري المطبوع والمخطوط.

ص: 1026

- وأما الخبر الثاني من الزهري، فهو (قرى عربية) في كتاب الأموال لأبي عبيد، وفي فتوح البلدان للبلاذري، وفي آداب الشافعي لابن أبي حاتم، وفي معجم ما استعجم للبكرى، وفي تفسير الطبري، وفي الدر المنثور، وفي مختصر المزني، ويزيده ثبوتًا تعقيب أبي عبيد عليه (رقم: 7) بقوله: (هي في العربية (قرى عربية) بتنوين، والمحدِّثون يقولون (قرى عربية) بغير تنوين، فلو كانت (قرى عرينة) لم يكن لها سوى وجه واحد، وهو بالإضافة وترك التنوين، ويزيده ثبوتًا مرة أخرى إتيان ابن أبي حاتم به، بعقب ما نقله عن الربيع بن سليمان عن الشافعي في تفسير (القرى العربية) وهي التي بناها اليهود في بلاد العرب، وأنها هي التي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (رقم: 21).

فبان بهذا أن السمهودى قد صحّف أو نقل عن كتاب مصحف لا خير فيه، ثم ضبط هذا الضبط (قرى عرينة)، كجهينة، من عند نفسه، لا عن أصل صحيح أو رواية ثابتة.

* * *

28 -

أما ياقوت في معجم البلدان (رقم: 3)، وأظن السمهودى قد نقل عنه، فإنه أغمض كلامه إذ قال:(وعرينة، موضع ببلاد فزارة، وقيل قرى بالمدينة. وعرينة قبيلة من العرب)، فهو لم يصرح بذكر (قرى عرينة، بل أتى في نفس المادة بعقب هذا الكلام بأنه رآها (قرى عربية) مضبوطة بخط العبدرى في فتوح الشأم (رقم: 20) فقد أبرأ الرجل ذمته، ودلَّ على توقفه وتشككه.

* * *

29 -

وأقدم ضبط في هذه الأخبار، هو ما جاء في خبر أبي عبيد الله كاتب المهدي، وشبيب بن شيبة وقتيبة النحوى الجعفي الكوفي (رقم: 23)، ونقله البكري في معجم ما استعجم، والسيوطى في بغية الوعاة، فأبو عبيد الله معاوية ابن عبد الله بن يسار الأشعرى، كاتب المهدي، ولد سنة 100، وتوفي سنة 170، وشبيب بن شيبة المنقرى توفي سنة 162. وهو خبر يقوم على الاختلاف في تنوين (قرى عربية) وترك تنوينها، على نحو ما كان من كلام أبي عبيد في الأموال (رقم: 7). وقد بنيت أنَّه لا وجه للاختلاف إذا كانت (قرى عرينة)

ص: 1027

كما أسلفت (رقم: 27)، هذا على أن أبا عبيد القاسم بن سلام قديم أيضًا، فقد ولد سنة 154 وتوفي سنة 224.

30 -

ويلي ذلك في الصحَّة والقدم، مع وضوح الضبط، ما رواه ابن أبي حاتم عن الشافعي (ولد سنة 150، وتوفي سنة 204) في تفسير (قرى عربية)(رقم: 21)، ودلَّ بذلك على أنها منسوبة إلى العرب، كما قال البكري في صدر كلامه عن (قرى عربية) (رقم: 24)، وزاد أيضًا أنها لا تنصرف، نفيًا لقول من يقول (قرى عربية) مصروفة، منونة.

* * *

31 -

ويلى هذا، على تأخره، ما رآه ياقوت مضبوطًا بخط العبدرى في فتوح الشام، إذ قال في مادة (عرينة) (رقم: 20)، بعد الخبرين اللذين ساقهما: ضبط في الموضعين بفتح العين والراء، والباء الموحدة، والياء المشددة).

* * *

32 -

وإذن، فإجماع هذه النصوص كلها، مما نشر مطبوعًا عن أصوله الصحيحة أو السقيمة، على أنها (قرى عربية) ثم تظاهُرُ الأدلة على أن (قرى عربيةَ) نسبة إلى (العرب)، ثم وضوح الدلالة على أنها لو كانت (قرى عرينة) فلا وجه للكلام في تنوينها وترك تنوينها كل ذلك قاطع على أن الصواب (قرى عربية) غير مصروف، وأن ما جاء في كتاب السمهودى وهم امرئ مصحّف غير ضابط، وقاطع أيضًا على أن ما جاء في نص الأم المطبوع (رقم: 12) وفي جوامع السير لابن حزم (رقم: 18)، وفي تفسير البغوي بهامش تفسير ابن كثير (رقم: 14)، بلفظ (قرى عيينة)، كل ذلك تصحيف لا خير فيه، وثبت أنها (قرى عربية) لا غير.

* * *

33 -

ولكن يبقى إشكال آخر، هو ما يدل عليه (قرى عربية) فإن كتاب ياقوت، وكتاب البكرى، وكتاب السمهودي، وكتاب ابن خرداذبه، لا تكاد

ص: 1028

تأتي بشيء شافٍ يحدد رسم (قرى عربية) من أعراض المدينة، والأخبار تأتينا أيضًا بشيء لا يكاد يعتمد عليه في تحديد موقع ما يسمى (قرى عربية) فمن أجل ذلك آثرت أن آخذ دلالة الأخبار خبرًا خبرًا، حتَّى أرى ما يُفضى إليه الرأي في تحديد مدلول (قرى عربية).

* * *

24 -

فأول شيء خبر الفيء، فالذي في كتاب الأموال (الخبر: 7)، والبلاذري في فتوح البلدان (رقم: 8) فتفسير (قرى عربية) فيهما أنها (فدك، وكذا وكذا) ومثلهما ما جاء في جوامع السير (رقم: 18).

فهذه الأخبار دالة على أن (قرى عربية)، كانت تطلق على فدك، وقرى أخرى غيرها، وهي التي أفاء الله على رسوله خاصة دون المسلمين.

* * *

35 -

ولكن خبر الفيء نفسه روى بزيادة "واو" تجعل الأمر مختلفًا بعض الاختلاف، وذلك ما رواه ابن أبي حاتم (رقم 9)، وما نقله البكري (رقم: 10) ففيهما أن الفيء: (قرى عربية، وفدك وكذا وكذا) وهذه الزيادة إن لم تكن خطأ في أصل هذه الكتب، فهي دالة على أن (قرى عربية) موضع بعينه غير فدك.

ويعضد ذلك ما جاء في خبر الطبري (رقم 11) في شأن الفيء أيضًا: (فكان من ذلك خيبر، وفدك، وقرى عربية). ويعضده مرة أخرى ما ذكره ابن خرداذبه، عند ذكر أعراض المدينة (رقم: 25) وقدامة أيضًا (رقم: 26)، فقالا:(. . . خيبر وفدك وقرى عربية).

- ويعضده أيضًا ما رواه أبو جعفر بن جرير في تفسير آية الفيء (28: 24 بولاق) قال:

- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري في قوله:{أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سورة الحشر: 6] قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك، وقرى قد سماها لم أحفظها، وهو محاصر قومًا آخرين، (يعني محاصرة خيبر، كما في رقم: 16)، وأرسلوا إليه بالصلح. قال: (أَؤجَفْتُمْ

ص: 1029

عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}، يقول: بغير قتال، قال الزهري: فكانت بنو النضير للنبي خالصة لم يفتحوها عنوة بل على صلح".

وقوله: (وقرًى قد سماها لم أحفظها) من كلام معمر، وجائز أن يكون (قرى عربية) نفسها، وجائز أيضًا أن يكون ما جاء مبهمًا مكنيًّا عنه في حديث الزهري كله (رقم: 7 - 10) في قوله: (فدك وكذا وكذا)

- وكل ذلك دال على أن (فدك) غير (قرى عربية).

* * *

36 -

وفي الأخبار التي ذكرتها ما يدل أيضًا على أن (خيبر)، غير (قرى عربية) وذلك خبر ابن عباس في الفيء (رقم: 11)، حين عدّ خيبر مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فقال:(فكان من ذلك خيبر، وفدك، وقرى عربية).

- ثم ما رواه البغوي عن الحسن وقتادة والسديّ (رقم: 14)(بعد تصحيحه)، إذ قال:(تواطأ اثنا عشر حبرًا من يهود خيبر، وقرى عربية).

- ثم جاء في المحبر (رقم: 16). خرج صلى الله عليه وسلم إلى خيبر .. وارتحل منها إلى قرى عربية).

- ثم ما جاء أيضًا في ابن خرداذبه (رقم 25) في قوله: { .. خيبر، وفدك، وقرى عربية).

- ثم ما جاء في الخراج لقدامة (رقم: 26) في قوله ( .. خيبر، فدك، قرى عربية).

* * *

37 -

وتلخيص هذا أن (قرى عربية) في بعض الأخبار هي (فدك) وقرى أخرى غيرها -وفي بعضها الآخر أن (قرى عربية) غير (فدك) وغير (خيبر) وأنها اسم مكان بعينه.

* * *

38 -

وأيا ما كان، فإن تتبع صفة هذا الموضع، لا غنى عنها في طلب الدليل على مكانه من أرض العرب.

ص: 1030

- فمن ذلك أنها أرض بعينها يقال لها (قرى عربية) كما سلف (رقم: 5)، في بيان يحيى بن آدم.

وأنها (قرى الزهري بالحجاز معروفة)، كما قال البكري في حديث (رقم: 10)، وفي خبر قتيبة النحوى وشبيب بن شيبة (رقم: 23).

- وأنها (قرى متصلة) بين المدينة والشام، كما روى الطبري عن ابن عباس والضحاك، كما مضى (13) وزاد ابن كثير أنها:(بينة يعرفها المسافرون يقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى).

- وأنها قرى بالمدينة، كما قال ياقوت (رقم: 3)

- وأنها من أعراض المدينة، كما دل عليه كتاب "المسالك والممالك" (رقم: 25)، وكتاب قدامة (رقم: 26).

- وإنها قرى بنواحي [المدينة](1) في طريق الشام، كما ذكر السمهودي (رقم: 4).

* * *

39 -

وهذه الصفات لا تكاد تحدد شيئًا، ولكنها تدل في مجموعها على أن (قرى عربية) كانت تطلق أحيانا على (فدك) وقرى غيرها، وأن هذه القرى من الحجاز، وأنها من أعراض المدينة، وأنها قرى متصلة بين المدينة والشأم: وإذا صح ما قاله عرَّام في حد الحجاز "معجم ما استعجم: 10" من أعمال المدينة هي فدك، وخيبر، ووادي القرى والمروة، والفرع، والجار" - وما قاله محمد ابن عبد الملك الأسدى "معجم ما استعجم: 10" من أن (الحجاز) اثنتا عشرة دارا هي المدينة، وخيبر، وفدك، وذو المروة، وداربليّ، ودار مزينة، ودار جهينة. ." ثم قارن ذلك بما قاله ابن خرداذبه (رقم: 25)، وما قاله قدامة (رقم: 26) فظاهرُ الرأي أن تكون "قرى عربية" تخص أحيانا قرى بعينها من الحجاز من أعمال المدينة، وأحيانا أخرى تعم ما بين المدينة والشام من القرى المتصلة، كما ذكر الطبري عن ابن عباس.

(1) زيادة يستقيم بها السياق، انظر رقم 4 في كلام السمهودي.

ص: 1031

40 -

والذي يرجح هذا، ويزيده عندي يقينا، ما رواه ابن أبي حاتم (50) عن الشافعي (رقم: 21) في تفسير "قرى عربية" وأنها هي قرى اليهود التي بنوها في بلاد العرب، وهي أشراف بلاد العرب -وما قاله الأصمعي في تفسير "قرى عربية" (رقم: 22)، من أنها كل قرية في أرض العرب، نحو خيبر، وفدك، والسوارقية، وما أشبه ذلك- وإن كان نص الأصمعى أعم، لأنه يدخل في تفسير "قرى عربية":(السوارقية) وهي ليست في الطريق بين المدينة والشام، بل في طريق بين مكة والمدينة، ولا أعلم أكانت من قرى اليهود أم لم تكن؟

41 -

وفي خبر الشافعي (رقم: 21) أنها أيضًا (أشراف) جمع (شرف)، وهو ما أشرف من الأرض، أي ما علا حوله، أو دنا منه، وكأن الشافعي أراد بالأشراف (المشارف) و (مشارف الأرض) أعاليها، وهي أخصب الأرض، ولذلك قيل:"مشارف الشام" وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، والريف عندهم: ما قارب الماء، من أرض العرب، فكان فيها خصب وزرع ونخيل. فإذا صح ذلك، وهو صحيح، كان كل ما سكنه يهود من أرض العرب، وأقاموا به وسكنوه، جائزًا أن يكون (قرى عربية) كما قال الشافعي. وقد قال ياقوت في معجمه مادة (الشرف):(والمشارف من قرى العرب، ما دنا من الريف، وهي مثل خيبر، ودومة الجندل، وذو المروة)، فالأشراف والمشارف واحد، فيما أرجح.

- و"دومة الجندل" كما قال السمهودى وغيره: "من القريات، من وادي القرى، وأنها "قرى بين الشام والمدينة" وذكر ابن سعد (1/ 1/ 44) أنها طرف من أفواه الشام، بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة". و"ذو المروة"، أيضًا، من وادي القرى، فهذا يشبه أن يكون داخلا في قول الشافعي "أشراف بلاد العرب" وأن "دومة الجندل" و"وادي القرى"، وغيرهما من القرى التي سكنتها يهود وازدرعتها، هي داخلة في حدّ "قرى عربية".

ص: 1032

42 -

هذا على أنى لم أجد تحديدًا شافيًا لما كان يسمى (وادي القرى)، فالبكرى لم يذكره محددًا، ولم يعقد له بابًا في كتابه "معجم ما استعجم". أما ياقوت، فقد ذكره في (القرى) وفي (وادي القرى) وأحال على ما كتبه في (القرى). وكل ما قاله في صفته هو ما يلي:

(ووادي القرى، واد بين الشام والمدينة، وهو بين تيماء وخيبر، وبه قرى كثيرة، وبها سمى وادي القرى. قال أبو المنذر: سمى (وادي القرى) لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة، وكانت من أعمر البلاد، وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة، إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب، ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد). ثم قال:

(قال أبو عبيد الله السكونى: وادي القرى، والحجر، والجناب، منازل قضاعة، ثم جهينة وعذرة وبليّ، وهي بين الشام والمدينة، يمر بها حاج الشام، وكانت قديمًا منازل ثمود وعاد، وبها أهلكهم الله، وآثارها إلى الآن باقية، ونزلها بعدهم يهود، واستخرجوا كظائمها، وأساحوا عيونها، وغرسوا نخلها، فلما نزلت بهم القبائل، عقدوا بينهم حلفًا، وكان لهم فيها على اليهود طعمة وأكل في كل عام، ومنعوها لهم من العرب، ودفعوا عنها قبائل قضاعة) - وهذا مختصر مما في "معجم ما استعجم": 1: 43).

ويوهم سياق الكلام أن اليهود هم الذين منعوا وادي القرى من العرب، والصواب أن الذين منعوها لليهود هم بنو عذرة، للحلف الَّذي بينهم وبين يهود. وقد ذكر ذلك النابغة الذبياني في شعره، فقد أراد النعمان بن الحارث الغساني أن يغزو بني عذرة بوادي القرى، وكان النابغة لهم محبًّا ومادحًا، فنهاه عن ذلك، وقال في أبياته:

تجَنب بني حُنّ فإن لقاءهم

كريه، وإن لم تلق إلا بصابر

و(بنو حُنّ)، هم بنو عُذْرة، ثم قال:

وهُمْ منعوا وادي القرى من عدوهم

بجمْع مُبِير للعدو المُكاثِرِ

وهُمْ منعوها من قضاعة كلُّها

ومن مُضَرِ الحمراء، عند التغاوُرِ

ص: 1033

43 -

وأما السمهوديّ في "وفاء الوفاء"، فإنه عقد باب (وادي القرى)، وليس فيه تحديد شاف بل قال:

(واد كثير القرى بين المدينة والشام)، ثم نقل عن الحافظ ابن حجر:(هي مدينة قديمة بين المدينة والشأم، وأغرب ابن قُرقول فقال: إنها من أعمال المدينة).

(قال السمهودي): ولا إغراب فيه، بتصريح صاحب "المسالك" به، كما سبق في تبوك، وسبق أن (دومة الجندل) من أعمال المدينة، وأنها بوادي القرى (انظر ما كتبته رقم: 41) ثم قال:

(وسبق في (ذي المروة)، أن بعضهم عدّه من وادي القرى، وأنه إن ثبت فهو غير (وادي القرى) المذكور، وسبق في (بلاكث) و (برمة) ما يؤيده. وعليه أهل المدينة اليوم، لأنهم يسمون ناحية ذي المروة، وناحية ذي خشب (وادي القرى)، ولعلها (قرى عرينة) الصواب:(قرى عربية، كما أسلفنا).

- وهذا نص مهم جدًّا، لأن السمهودي تنبه هنا إلى أن (قرى عربية) توشك أن تكون دالة على هذه القرى جميعها.

* * *

44 -

وصفة (وادي القرى) كما جاء في صفة أبي المنذر (رقم: 4)(سمى وادي القرى) لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة (هو نفس صفة (قرى عربية) التي ذكرها الطبري (رقم: 13)، ويطابق ما لخصته آنفًا (رقم: 38، 39)، وذلك كما قال الطبري: قرى متصلة بين المدينة والشام).

* * *

45 -

وشيء آخر يدل على مثل ذلك، فقد قال ابن حبيب في "المحبّر" (رقم: 16):

(ثم سنة سبع، فيها خرج صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فحاصرهم بضعة عشر يومًا، وارتحل منها إلى (قرى عربية) فلم يلق كيدا).

وإجماع أهل السير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من أمر خيبر، ارتحل

ص: 1034

متوجهًا إلى (وادي القرى) قال ابن إسحاق (سيرة ابن هشام: 3: 353):

(فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القرى، فحاصر أهله ليالى، ثم انصرف راجعًا إلى المدينة).

وكذلك قال البلاذري في "فتوح البلدان": 41، الطبري في تاريخه:(3: 96)، وابن سيد الناس في "عيون الأثر" (2: 143)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (4: 212)، والمقريزى في "إمتاع الأسماع" (1: 331)، وغيرهم.

فصح بذلك أيضًا أنهم كانوا يطلقون (قرى عربية) على (وادي القرى) أيضًا.

* * *

46 -

وبقى نص آخر، يحتاج إلى بعض التفصل، ذلك ما نقله ياقوت في معجمه عن خط العبدرى (رقم: 20) في بعث أبي بكر رضي الله عنه عمرو بن العاص، إلى الشأم مُمِدًّا لأبي عبيدة:

- (وجعل عمرو بن العاص يستنفر من مرّ به من البوادي وقرى عربية) وقد ذكر البلاذرى في فتوح البلدان (114، 115) أن أبا بكر عقد ثلاثة ألوية لفتح الشأم، منها لواء عمرو بن العاص، ثم ذكر عن أبي مخنف: أن عمرو ابن العاص إنما كان مددًا للمسلمين، وأميرًا على من ضم إليه) و (أن يسلك طريق أيلة عامدًا لفلسطين).

وجاء في الطبري (في سنة ثلاث عشرة) أن أبا بكر بعث عمرًا قِبَل فلسطين، فأخذ على طريق (المعرفة) إلى (أيلة).

وطريق (المُعرفة) هو الَّذي كانت تسلكة عير قريش إلى الشام، وفيه سلكت عيرهم حين كانت وقعة بدر، وهذه الطريق، كما استظهرت من صفة ابن خرداذبه في "المسالك والمالك"(150، 191) للطريق من دمشق إلى مكة هي: (من المدينة، إلى ذي خشب، إلى السويداء، إلى المرّ، إلى ذي المروة، إلى الرحيبة، إلى وادي القرى، إلى الحِجر).

ص: 1035

و (ذو خشب) يعد من وادي القرى، و (السويداء) بعد ذي خشب على ليلتين من المدينة على طريق الشام، و (مُرّ) واد في بطن إضم، وهو كما قال ابن سعد 1/ 96/1:(بين ذي خشب وذى المروة)، وهو من منازل جهينة، وجهينة كما سلف (رقم: 39، ثم رقم: 42) بوادي القرى، ثم (الرُّحيبة) وكأنها (الرحبة)، إلا أن يكون تصغيرًا، من بلاد عذرة، قرب وادي القرى.

وأيضًا، فقد روى ابن عساكر في تاريخه (1: 446 - طبعة المجمع العلمي بدمشق: (أن أبا بكر قال لعمرو بن العاص في فتح الشام: إني قد استعملتك على من مررت به من بليّ، وعذرة، وسائر قضاعة، ومن سقط هنالك من العرب، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل الله .. ).

وقد سلف في (رقم: 39، ورقم: 42) أن منازل بليّ، وعذرة وقضاعة، هي (وادي القرى)، بين المدينة والشام، وإذن فالذين استنفرهم من البوادي و (قرى عربية) فيما ذكره العبدرى، هم أنفسهم من استعمل عليهم عمرو بن العاص من بليّ وعذرة وقضاعة، واستنفرهم في طريقه إلى فلسطين، كما قال ابن عساكر، وهم أنفسهم أصحاب (وادي القرى).

- فهذا إذن، دليل آخر على أنهم يريدون بقولهم:(قرى عربية)، وادي القرى، وسائر القرى الممتدة المتصلة بالشام.

* * *

47 -

وأما صدر الكلام الَّذي وجده ياقوت بخط العبدرى (رقم: 20) فقد أوجدنيه الأستاذ عبد الله الوهيبى، في أخبار الردة في "فتوح البلدان" 101، وتاريخ ابن الأثير 142، وهو بإسناده في فتوح البلدان.

- حدثني عبد الله بن صالح العِجْلي، عن يحيى بن آدم، عن عوانة بن الحكم، عن جرير بن يزيد، عن الشعبى قال: قال عبد الله بن مسعود: "لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقامًا كدنا نهلك فيه، لولا أن من الله علينا بأبي بكر. اجتمع رأينا جميعًا على أن لا نقاتل على بنت مخاضٍ وابن لبون، وأن نأكل قرى عربية، ونعبد الله حتَّى يأتينا اليقين".

ص: 1036

ومعني هذا الخبر أن العرب لما ارتدت، وتنازع الصحابة أمرهم بينهم، كادوا يجمعون على المقام في المدينة وما حولها، وهي قرى عربية، يأكلون مما تنبت أرضها، ويعبدون الله حتَّى يأتي أمر الله، وهذا واضح الدلالة على أن المراد بقوله:"قرى عربية"، أعراض المدينة وهي خيبر، وفدك، ووادي القرى، كما سلف من قول ابن خرداذبه، وابن رسته (رقم: 25).

* * *

48 -

هذا، وبعد الانتهاء مما سلف، تفضل الأخ الأستاذ عبد الله الوهيبى، فأوقفني على عدة نصوص فاتتنى وأنا أسردها هنا:

- في الاستيعاب لابن عبد البر، في ترجمة "عمرو بن سعيد بن العاص"! "واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد، على قرى عربية، منها تبوك وخيبر وفدك. . . .".

ومثله في ترجمته أيضًا في أنساب الأشراف للبلاذرى (4: 128)، وانظر ما سلف (رقم: 17 - 19).

- ثم جاء في الاستيعاب أيضًا في ترجمة "خالد بن سعيد بن العاص": "وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء وخيبر وقرى عربية، وكان الحكم يعلّم الحكمة" انظر ما سلف (رقم: 17 - 19).

49 -

وقال أبو حيان في "البحر المحيط" في تفسير سورة الحشر (8: 245).

- "وقال ابن عطية: أهل القرى المذكورون في هذه الآية، هم أهل الصفراء، وينبع، ووادي القرى، وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عربية".

قلت: وهذا يشبه أن يكون تفسيرًا واضحا مطابقًا لقول الأصمعى والشافعي وبيانهما فيما سلف (رقم: 21، 22).

50 -

وفي كتاب "البدء والتاريخ" لابن طاهر المقدسي (5: 25) في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه، قال:

ص: 1037

- (وله صلى الله عليه وسلم من الضياع: قرى عربية، وفدك، والنضير، وكثير من خيبر).

* * *

51 -

وفي كتاب الخراج لأبي يوسف: 70:

- (وأما الخوارج، فإنهم أخطأوا الحجة، وجعلوا (قرى عربية) بمنزلة (قرى عجمية)، ولم يأخذوا بما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر وعلى).

ويعني بذلك أنّ أرض الحجاز والمدينة ومكة واليمن وأرض العرب كلها، أرض عُشر، وإن فتحت عنوة، أما (قرى عجمية)، وهي قرى العجم، فإن ما افتتح منها فهو أرض خراج. قال أبو يوسف:(وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح فتوحًا من الأرض العربية، فوضع عليها العشر، ولم يجعل على شيء منها خراجًا).

- وهذه الفتوح هي التي ذكرها الشافعي رحمه الله فيما سلف (رقم: 12) وأبان عنها فيما نقله آنفا (رقم: 21). فقول أبي يوسف أن الخوارج جعلوا (قرى عربية) بمنزلة (قرى عجمية)، إنما يعني هذا، ويعني أيضًا ما أشار إليه الشافعي في بيانه، وما قاله الأصمعي آنفا (رقم: 22) من أن (قرى عربية) كل قرية في أرض العرب) فكذلك (قرى عجمية) هي كل قرية في أرض العجم.

* * *

52 -

وفي "شرح ابن الأنبارى" للقصائد السبع (106 - 107) في شرح قول امرئ القيس:

وتيماء لمْ يترك بها جِذْع نخلةٍ

ولا أجما إلَّا مشيدًا بجندلٍ

قال: (وتيماء، من أمهات القرى، قرى عربية).

- وهذا واضح الدلالة على أن (تيماء)، من قرى عربية، فهو لذلك دال

ص: 1038

على أن قرى عربية اسم جامع لقرى العرب التي كانت شمال المدينة، والتي سكنها يهود.

* * *

53 -

وبقى خبر عن أبي هريرة رواه ابن عساكر "مختصر تاريخ ابن عساكر" 1: 350)، والسيوطى في دلائل النبوة (1: 25):

- (عن أبي هريرة: بلغنى أن بني اسرائيل، لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بخت نصر عليهم، وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدًا منعوتًا في كتابهم، وأنه يظهر في بعض (القرى العربية)، في تربة ذات نخل، فلما خرجوا من أرض الشأم، جعلوا يقترون (1) كل قرية من تلك القرى العربية بين الشأم واليمن، يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدًا فيتبعونه، حتَّى نزل من بني هرون ممن حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنَّه جاء، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم، وكفروا به وهم يعرفون).

- وصفة هذه القرى العربية، شبيهة بصفة (قرى ظاهرة) (سبأ: 18) فيما ذكرته آنفًا من خبر سعيد بن جبير (رقم: 5)، وما جاء في تفسير الطبري (رقم: 13)، وأنها هي (قرى عربية).

54 -

وعندي أن هذا كله يوشك أن يدل على أن (قرى عربية) كانت تشمل القرى العربية ما بين الشأم إلى المدينة، كما فسرها الطبري في تفسير قوله تعالى:(قرى ظاهرة)(سبأ: 18)، وأن (قرى عربية) و (وادي القرى) كانا يستعملان أحيانا، ولاسيما في القديم من الرواية، للدلالة على معنى واحدٍ، وأن هذه الدلالة عند عمومها تشمل خيبر، وفدك، ووادي القرى، وبرمة التي بين خيبر ووادي القرى، (وفاء الوفا)، وذا المروة وذا خشب، والهمج، وهو ماء بين خيبر وفدك (ابن سعد 2/ 1/ 65، "وفاء الوفا" في (فدك) وهمج - وظبية، والصفراء، ويثرب، وتيماء، ودومة الجندل، ومدين، وينبع، وبلاكث،

(1) اقترى البلاد: إذا تتبعها وخرج من أرض إلى أرض وسار فيها ينظر أحوالها.

ص: 1039

وسائر ما كان من القرى في شمال المدينة، وما نزلت به هو من أرض العرب فسكنته وغرسته وبنت فيه بيوتها وآطامها وأسواقها.

55 -

وقد بقى خبران لم أتعرض لهما، أولهما: خبر الطبري، وشبيهه الَّذي جاء في تفسير البغوي (رقم: 14) في شأن النفر الاثنى عشر من أحبار يهود، الذين جاءوا من خيبر وقرى عربية، وقد تواطأوا على الدخول في دين الله أوّل النهار، ثم يكفرون آخره، وهذا الخبر لم أجده مفسَّرًا مبسوطًا في مكان آخر، وقد ذكر أصحاب السير اجتماع نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان من أمرهم.

وقد ذكر ابن اسحق أن (سورة آل عمران) التي ذكر الله سبحانه فيها مقالة أحبار يهود: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} [سورة آل عمران: 72]، إنما نزلت خاصة في الذين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه، وعدَّ منهم (أبا ياسر بن أخطب)، وأخاه (حيى بن أخطب)، وهما من بني النضير (ابن هشام 2: 160 - 2: 194، 197)، وعبد الله بن صيف، من بني قينقاع، وعدى بن زيد، والحارث بن عوف، من بني قريظة (ابن هشام 2: 161، 162 وتفسير الطبري 6: 504، رقم: 7223)، وهؤلاء الثلاثة من الذين تواطأوا على أن يؤمنوا أول النهار ويكفروا آخره.

فأما (حيي بن أخطب) وأخوه، فهما من بني النضير، و (صفية أم المؤمنين)، هي بنت (حيي بن أخطب) سيد قريظة والنضير (صحيح مسلم -كتاب النِّكَاح- باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها). وإذ كان ذلك كذلك، فأرجِّح أن أموال (حيى بن أخطب) ومنازله كان بعضها في فدك، وقرى عربية (وهي التي نزلت فيها آية الفيء، كما أسلفنا، فهذه الآية نزلت في بني النضير، بلا شك، و (سورة الحشر) التي منها هذه الآية، كان ابن عباس يقول هي (سورة بني النضير).

ولما أجلى بنو النضير إلى خيبر، كانت لحيي أيضًا أموال بها، لأن (صفية

ص: 1040

أم المؤمنين) كانت يوم خيبر عند (كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق) فصارت من سبايا خيبر، وكانت يومئذ في حصن بني أبي الحقيق، وهو القموص). و (كنانة) هذا، كان أيضًا من بني النضير (ابن هشام 2: 160).

فأنا أرجح أن اليهود، من بني قريظة، وبني قينقاع، وبني النضير، وسائر طوائفهم كانوا مفرقين شتى متداخلين في القرى التي كانت شمال المدينة، في خيبر، وفدك، ووادي القرى، وقرى عربية وغيرها، فأظن لذلك أنّ المذكورين في خبر ابن هشام، هم أنفسهم المذكورون في خبر المتواطئين من يهود خيبر وقرى عربية، كما جاء في خبر الطبري (انظر ما سيأتي رقم: 56).

وقد رأيت ما يصحّح هذا القول في شأن قريظة والنضير، وأنهم كانوا خارج المدينة في كتاب ابن القيم "أحكام أهل الذمة" ص: 839 قال: (وأما قريظة والنضير، فكانوا خارجًا من المدينة، وعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهر من أن يخفي على عالم).

* * *

56 -

وأما الخبر الثاني، فهو خبر دجاجة، عن عثمان رضي الله عنه (رقم: 15) وقول عثمان: (لا يسكن قرى عربية دينان)، وهذا الخبر لم أجده في أخبار عثمان رضي الله عنه، والذي عندنا في أمر إجلاء اليهود، هو إجلاء عُمر يهود خيبر، وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)، فأجلاهم عمر إلى (تيماء). فإذا صح أن عثمان قال:(لا يسكن قرى عربية دينان) فإنه لا يعني خيبر بلا شك، ولا يعني أيضًا (فدك)، ولا منازل بني النضير القريبة من شمال المدينة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى بني النضير سنة أربع، فسار بعضهم إلى (خيبر) فكان منهم (سلّام بن أبي الحقيق)، و (كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق) و (حيي بن أخطب) (ابن هشام 3: 201).

وإذا لم يكن يعني هذه القرى القريبة من شمال المدينة، فأرجح أن قول عثمان:(لا يسكن قرى عربية دينان)، إنما يراد به بعض الأماكن البعيدة عن شمال المدينة إلى حد الشام من القرى الظاهرة المتصلة التي ذكر الطبري أنها

ص: 1041

(قرى عربية)(رقم: 13)، نحو (تيماء) ودومة الجندل، ومدين، وما قارب ذلك (1).

* * *

57 -

فمن هذا كله، من الَّذي علقته في هذه الكلمات، وعما أغفلته من الاستنباط والمراجعة، يتبين لي أن أدق تفسير لقولهم (قرى عربية) هو أقدم تفسير، وهو قول الشافعي في ذلك:(هي قرى اليهود بنوها في بلاد العرب، والعرب حولهم، وهي أشراف بلاد العرب، (أي مشارفها)، وهي فدك وخيبر)، وقول الأصمعى، وهو أوضح: قرى عربية، كل قرية في أرض العرب، نحو خيبر، وفدك، والسوارقية، ما أشبه ذلك) (رقم، 21، 22) وذلك ما فسّرته آنفًا (رقم: 54).

وظني أن اليهود لما نزلوا أرض العرب، وانساحوا ما بين المدينة والشأم، كانوا يسمون بلاد جزيرة العرب يومئذ "عربية" أي أرض العرب، ثم قالوا للقرى التي سكنوها في مهبطهم من الشأم إلى يثرب "قرى عربية" اسمًا جامعًا، أي قرى أرض العرب، وقولهم (عربية) وهم يعنون بلاد جزيرة العرب، أشبه بأن يكون من كلامهم ونهج لسانهم، وإذ كانوا غرباء على لسان العرب، فقد سموها على سليقة لسانهم بلفظ عربي مستجلب. ثم لما طال عليهم الأمد، وسموا كل قرية باسم أنشأوه أو ورثوه ممن كان معهم من العرب نحو (تيماء) و (دومة الجندل) و (خيبر) و (فدك)، ظل قولهم (قرى عربية) اسما جامعًا لهذه الأرض كلها من شمال المدينة إلى الشأم: ولكن العرب لما جاوروهم وعقدوا بينهم حلفًا، بدأوا يضيقون بهذه التسمية التي تشبه أن لا تكون عربية خالصة

(1) وذكر خليفة بن خياط في تاريخه (المطبوع في بغداد ج 1 ص 62 وفي دمشق ص 72 والمخطوط سنة 479 ص 238 - في سياق ذكر عماله عليه الصلاة والسلام: وعمرو بن سعيد بن العاص على قرى عربية، خيبر، ووادي القرى، وتيماء، وتبوك، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو عليها. اهـ. والنسخة الخطية موثقة ومصححة، وقرأها علماء أعلام. أقول: هذا الهامش علقه الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله.

ص: 1042

(قرى عربية) وإن احتملها لسان العرب، فقالوا لهذه القرى (وادي القرى)، إذ كانت أكثر هذه القرى تقع في الوادي الطويل الممتد المتفرع ما بين الشأم إلى المدينة.

فلما أخذت كل قرية تتسع وتكبر، ويزداد عدد أهلها، وتكون لها شهرة بثمر أو سوق أو تجارة، انفردت كل واحدة منها باسمها وطار صيتها، وجعل لفظ (وادي القرى) أو (قرى عربية) يضيق أحيانًا فيطلق على مكان بعينه، يجمع عدة قرى متقاربة، وربما جاء وقت بعد ذلك، لا أستطيع أن أحدده، وإن كنت أرجح أنَّه كان بعد الإسلام بدهر، فخص (وادي القرى) و (قرى عربية) بناحية بعينها أو ناحيتين من هذه القرى الممتدة المتصلة ما بين الشأم إلى يثرب. ومن أجل ذلك كما رأيت، اضطرب قول المؤلفين في تحديد ما كان يسمى (وادي القرى) أو (قرى عربية) وصارا بذلك اسمين مبهمين يدلان دلالة مبهمة غير محددة تحديدًا شافيًا.

هذا غاية ما أحببت أن أقيده، وعسى أن أكون قد بلغت بعض التوفيق في جمع هذه الأخبار وتصحيح دلالاتها، والبيان عن معنى (قرى عربية) وتمحيصه، والحمد لله وحده.

ص: 1043