الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - رحلة إلى بلاد المجد المفقود
تأليف مصطفى فروخ والصور بريشته مطبعة الكشاف ببيروت سنة 1352
الأندلس. . . كلمة واحدة توقظ في دم كل عربي تاريخًا من المجد والجمال والعلم والأدب وتوقد فيه نيرانًا من الألم والغيظ والغضب والحسرة، كلمة واحدة تراها ضاحكة في التاريخ، كلمة واحدة تراها حاملة راية النصر والدماء تسيل على جوانبها وتحت أقدامها، كلمة واحدة تحمل أسباب الحياة إلى العالم فتحمل فيه ألوانًا من العذاب والظلم والفتك والاعتداء، كلمة واحدة مرَّت على التاريخ كما يمرّ الحلم اللذيذ الفرح المحفوف بالجمال والشباب وروائع الخيال ثم توقظ التاريخ من حلمه تلك الجلافة البربرية الضارية التي أتت بها دواوين التحقيق في أبشع الصور وأقبح المطالع وأفظع الوجوه. . . لك الله أيتها الأرض العزيزة التي ضمت درر التاج العربي ونفائس الإرث الإسلامي وروائع الجمال الإنساني، لك الله يا أرض الأمجاد من بنى مروان.
هكذا تدول الدول ويتحطم المجد ويخبو الشعاع لتقوم في كل قلب دولة من الذكرى ويُبنى في كل فؤاد بنيان من الحسرة وتشتعل في كل مهجة نار من الألم، ويرحل الراحلون ليقفوا على بقايا الأطلال ودارسات الرسوم ليبعثوا في القلوب الذكرى ويجددوا في الأفئدة بنيان الحسرة ويورثوا المهج نيران الألم.
أجلت قراءة "الرحلة إلى بلاد المجد المفقود" ظنًّا مني بأنها كالكتب التي تصدر عن الرحلات في ضعفها وفتورها وجمودها وقلة روائها وذهاب مائها، فلما قرأتها عدت على نفسي بالملامة أن لم أكن بادرت إلى قراءتها من أول يوم، فقد اجتمع للأستاذ "فروخ" في هذا الكتاب من دقة الوصف وبراعة البكاء على أطلال المجد العربي وصحة النظر الاجتماعي والإحاطة بكثير من تاريخ البلاد التي رحل إليها -الأندلس- ولطافة الملاحظة، ما عدمته كثير من الرحلات التي قرأناها
(*) المقتطف، المجلد 83، نوفمبر 1933، ص: 487 - 488
وكانت أشبه بجريدة الإحصاء أو سجلّ الوفيات والمواليد. ولولا ما يشوب بعض جملها من ضعف التركيب لكانت من أغلى الدرر في كتب الرحلات التي يراد بها إيقاظ الإحساس النبيل في نفوس أصحاب المجد الغابر وإرهاف الشعور السامي في قلوب طُلّاب المجد ومجدّدي حضارة العرب من أبناء هذه الأمة العربية.
بقى أن نلوم الأستاذ "فروخ" على استهانته بتأريخ ما يذكره من الحوادث بالتاريخ العربي الهجرى ذلك لأننا إذا تابعنا أصحاب الفتنة على ما يفتنوننا به من زخرف القول في الاقتصار على التاريخ الميلادى في تاريخنا لاختلط على شبابنا التاريخ، وما ظنك بألف وثلاثمائة سنة كتبت كل كتب التاريخ العربي فيها بالتاريخ الهجرى، أيسهل أن نقلب التاريخ الهجرى في الكتب العربية إلى تاريخ ميلادى؟ على شبابنا أن يعود سمعه وبصره وذاكرته على التاريخ العربي ولا يضعه بمنزلة أدنى مما تنزل الذكر الجميلة من قلبه، وعلى شبابنا أن يحترم رمزًا للمجد العربي يكاد يكون هو الباقى في حياتنا من الحياة العربية. هذا ولو أن الأستاذ فروخ اتخذ تاريخه التاريخ الميلادى لكان ذلك هيّنًا، ولكنه خلط في الكلمة الواحدة بين التاريخ الميلادى والتاريخ الهجريّ وفي ذلك من وضع العثرات في طريق القارئ ما فيه. أما ما في الكتاب من الخطأ التاريخى الذي تنبه له بعض الكُتَّاب فذلك ما نرجو الأستاذ أن يبرّئ كتابه منه في الطبعات التالية.
ثم لعلَّ الأستاذ "فروخ" سيواصل رحلاته إلى أطلال المجد العربي ويخرج لنا الدرر التي طغى عليها تراب النسيان، وستر جمالها كيد الكائدين وعنتُ المعنتين فالأمم العربية الآن تحتاج إلى من يذكّرها بمجد أسلافها وعزّ آبائها وحضارة أجدادها لتجد في نفسها مضض الحسرة وفي الحسرة الألم وفي الألم الشعور وفي الشعور الحياة والطموح والشوق إلى الفوز والغلبة.