الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - ابن عبد ربه وعقده
تأليف: جبرائيل سليمان جبور
أحد مدرسي الأدب العربي بجامعة بيروت الأميريكية المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1933
كان شيخنا سيد بن على المرصفي رحمه الله يستجيد كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه ويعده في أجل كتب الأدب العربي، ولا أدري كيف مضى بي الزمن ولم أسأله عن هذا الكتاب سؤال الطالب الذي يريد أن يوقفه شيخه على عيون الكتب، ويدله على أسرارها، إلّا أني سمعته مرة -وقد ذكر هذا الكتاب- يشكو من كثرة الخطأ والتحريف والخلط الذي وقع فيه من النساخ. ورحلت عن مصر إلى الحجاز في أول سنة 1347 وعقدت النية على قراءَة هذا الكتاب لتصحيحه وضبطهِ ولم أوفَّق إلَّا لقراءته للمرة الثانية دون أن أصححه أو أضبطه ولكننى كنت أجد المشقة في قراءته لكثرة الخطأ الواقع في نصوصه، وأظن أن كل من قرأ هذا الكتاب وجد منه مثل الذي وجدت.
فلما ظهر هذا الكتاب "ابن عبد ربه وعقده" عدت إلى قراءة ما تيسر منهُ لأكون على بينة مما يكتب المؤلف فوجدت فيهِ كثيرًا من الخطأ مما فاتنى في القراءة السابقة فتمنيت كما تمنى الأستاذ في كتابه هذا أن تقوم جماعة من الأدباء بجمع أصول هذا الكتاب ومقابلة بعضها ببعض لتصحيح العقد الذي يوضع بين أيدى الأدباء بعد طبعه طبعًا متقنًا جيّد التصحيح.
وابن عبد ربه لم يعرف إلَّا بعقده هذا حتى أصبح هذا الكتاب مما لا يستغنى عنهُ أديب عربيٌّ لإيجازه وحسن ترتيبه وجمال اختياره، ومع هذا فإنك لا تجد لابن عبد ربه ترجمة في كتاب من الكتب التي بين أيدينا قد استوفت حياة هذا الرجل حتى ابتدر الأستاذ "جبور" وأخذ يجمع تراجم ابن عبد ربه من كتب التراجم ما طبع منها وما لم يطبع، وطفق يتسقط أخباره في سطور من الكتب
(*) المقتطف، المجلد 83، نوفمبر 1933، ص: 485 - 487
حتى اجتمعت لديه مادة عظيمة، ثم أرسل فيها رسلًا من ذكائه حتى ضمَّ أشتاتها وألّف بينها على أسلوب جيد في ترجمة أمثال ابن عبد ربه فقسّم كتابه إلى خمسة أقسام:
الأول: في المصادر التي أخذ منها، والثاني: في ترجمه حياته، والثالث: وهو أكبرها: في الكلام عن العقد، والرابع: في نثره، والخامس: في شعره. ويدور هذا الكتاب على التعريف بالعقْدِ أكثر مما يدور على ترجمة ابن عبد ربه فقد نقل فيه طائفة من العقد في أكثر أبوابه مما يعرف القاريء به ويصوره له. وقد بثّ في خلالها آراءً جيدةً، وأخرى مما يعترى كلّ مؤلف من التطوح أو الخطإ، وكان العهد بيني وبين رئيس التحرير أنْ استوفي هذا الكتاب نقدًا وتمحيصًا إلَّا أنى رأيت بعد ذلك أن أنقض هذا العهد لما فيهِ عن المشقة وما يستنفد من الجهد وما يتطاول بالكتابة. هذا ولأنّ الكتاب في مجموعه جيد متقن، ولعل مؤلفهُ سوف يستدرك فيهِ بعدُ ما فاته الآن فقد قال في مقدمته أنهُ لم يستقص "البحث في درس ابن عبد ربه كما يريد أو كما يجب أن يكون" وقال "وكل ما في درسي هذا أنهُ محاولة، أن لم أكن قد وفقت في كل نتائجها، فإني أرجو أن أكون قد وفقت في الطريق أو المنهج الذي سلكته فيها". وليس ما وقع فيهِ الأستاذ مما يشق على مثله أن يتداركه إذا تبين لهُ وجه الصواب وأهم ما يلزمنا أن ننبه إليه هو حشده الشواهد التي لا خطر لها فيما يستشهد لهُ مثال ذلك أنهُ حين تكلم عن تشيع ابن عبد ربه لآل البيت رضوان الله عليهم قال ص 61
ولم تكن هذه النزعة (يعني التشيع) عند ابن عبد ربه من القوة أو الشدة بحيث تظهر لأول وهلة في عقده، إذ قد تقرأ الفصول الطوال من العقد دون أن تشعر بها -إلى أن قال- غير أنا إذا قرأنا العقد وأنعمنا النظر في هذه المواقف التي يذكر فيها عليًّا وأولاده وآله نرى أثر هذه النزعة عنده -وندر أن يذكر عليًّا دون أن يلحق الاسم "يرضى الله عنهُ". وهذا استدلال ضعيف، فما من مسلم يذكر عليًّا أو غير عليٍّ من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلّا قال "رضي الله عنه" إلا طائفة قليلة ممن خرجوا على إجماع الأمة الإسلامية في تقديم الصحابة وخاصة النفر الأربعة
من ولاة الحق وهم الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم. وبما أن ابن عبد ربه ليس من هذه الطائفة فلا وجه للاستدلال على تشيعه بهذه الحجة الواهية. ونرجو أن يرجع الأستاذ إلى حُجَجه التي أوردها في هذا الباب فإن أكثرها مما لا يصحُّ أن يتخذه مثله حجة على تشيع ابن عبد ربه. والحق في الفصل الذي عقده لتشيع ابن عبد ربه وسماه في آخره "التشيع الحسن" أن ابن عبد ربه كان كسائر المسلمين الذين يحبون رسولهم صلى الله عليه وسلم ومن تبع سبيل الحق من أهل بيته ويوقرون الخلفاء الأربعة الراشدين ويبجلونهم ويحبونهم ويترضون عنهم.
بقي بعد هذا أن نسأل الأستاذ ألا يحمل في نفسه علينا إذا قلنا -مع تقديرنا لكتابه هذا- إنه تعجل فلم يعن باختيار الألفاظ والتركيب الفصيح العبارة، ولا نحب أن نوقفه على شيءٍ منها فما نظن أن صواب الرأي فيها بعيد عنه "ومن زينة الحسناء لباسها".