الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يليق بعد هذا أن يدلى هذا الحامل للدكتوراه، بمعلومات عن حي من الأحياء، تَحْمِل هذا القدر من العبث وقلة الاحتفال بالقراء. هل يمكن أن يكون هذا الحامل للدكتوراه قد قرأ شيئا وفهمه؟ بلا ريب، لا، فالذي في كتابى الذي يوهم القارئ أنه قرأه، وفي غيره من كتبى، قصصت ما أصابنى من "المدارس" التي سيطر عليها الاستعمار وشيطان "دنلوب" فكيف يأتي هذا الأتى، فيجعلني زميلا لأستاذى الدكتور طه في "الأزهر".
وأنا أختم هذا التصحيح، بكلام ليس من كلامي، بل من كلام هذا الأستاذ، قدمه بين يدي الفقرة التي نقلها عند أول المقالة (العربي ص: 55) يقول: "كما أنه ليس من حق أحد بل لا يليق بأحد -أن يختلق على مخالفيه الرأي من الأقوال والأفعال، ما لم يقولوا، ولم يفعلوا كما يحدث وحدث في الكتابات التي تناولت آثار طه حسين وجهوده الفكرية والثقافية، فقد وصل الزيف والتضليل في بعض تلك الكتابات إلى درجة لا تسئ إلى طه حسين وحده فحسب، وإنما تسئ كذلك إلى الفكر العربي والضمير"، هكذا قال ثم عقب بذكرى وذكر التهمة الثقيلة التي بينت لقارئ مجلة العربي حقيقتها فيما سلف، وأنى لم أختلق شيئا على الدكتور طه، ولا نسبت إليه ما نسبه إليَّ هذا الحامل للقلم وللدكتوراه.
تهمة أكبر
ومع ذلك، فأنا لا أنفي عن نفسي أني اتهمت الدكتور طه حسين لا بتلك التهمة السخيفة بل بتهمة أشنع وأبشع من التهمة التي اختلقها هذا الكاتب، فإن مقدمة كتابى "المتنبى"(من ص 3، إلى ص 164) مبنية على شيئين: على قصة الكتاب كيف كتبته، وعلى ظواهر فساد حياتنا الأدبية، وأكبر ظاهرة تعرضت لذكرها، هي قصة "السطو" على أفكار الناس وأقوالهم، وقلت إنها سُنّة سَنَّها الأساتذة الكبار، وإن هذا "السطو" أتى على أيديهم في صورتين.
الأولى: سُنَّة "تلخيص" أفكار عالم آخر "أعنى العالم الأدبى" ويقضى
الأستاذ منهم عمره كله في هذا "التلخيص"، دون أن يشعر أنه محفوف بالأخطار، ودون أن يستنكف أن ينسبة إلى نفسه نسبة تجعله عند الناس (أي عند العرب) كاتبا ومؤلفا وصاحب فكر، وهذا ضرب من التدليس كريه (مقدمة المتنبى ص: 163)، وهذه خصلة شنيعة.
والأخرى: سُنَّة "السطو" المجرد، حين يعمد الساطى إلى ما سطا عليه فيأخذه ويمزقه، ثم يغرقه ويفرقه في ثرثرة طاغية، ليخفي معالم ما سطا عليه، وليصبح عند الناس صاحب فكر ومذهب يعرفه به، ونسب إليه كل فضله (مقدمة المتنبى ص: 163) وهذه خصلة أشنع من الأولى.
ثم قلت: "أتلفَّت اليوم (سنة 1977) إلى ما أشفقت منه قديما من فعل الأساتذة الكبار، لقد ذهبوا بعد أن تركوا، من حيث أرادوا أو لم يريدوا، حياة أدبية ثقافية قد فسدت فسادا وبيلا على مدى نصف قرن، وتجددت الأساليب وتنوعت، وصارت "السطو" على أعمال الناس أمرا مألوفا غير مستنكر، يمشي في الناس طليقا عليه طيلسان "البحث العلمي" و"عالمية الثقافة"، "والثقافة الإنسانية"، وإن لم يكن محصوله إلا ترديدا "لقضايا غريبة، صاغها غرباء صياغة مطابقة لمناهجهم ومنابتهم ونظراتهم في كل قضية، واختلط الحابل بالنابل، قُل ذلك في الأدب والفلسفة والتاريخ والفن أو ما شئت، فإنه صادق صدقا لا يتخلف، فالأديب "عندنا" مصور بغير قلمه والفيلسوف "عندنا" مفكر بعقل سواه، والمؤرخ "عندنا"، ناقد للأحداث بنظر غريب عن تاريخه، والفنان "عندنا" نابض قلبه بنبض أجنبى عن تراث فنه (مقدمة المتنبى ص 164).
وهذه الخلاصة التي ختمت بها مقدمتى ومنذ أولها -نتيجة لأشياء ذكرتها، وأطلت في ذكرها وأسبابها ونتائجها، وعلى رأسها قصتى أنا مع الدكتور طه حسين في الجامعة، حين سمعت بأذنى من فم الدكتور طه كلاما كنت قد قرأته بالإنجليزية في إحدى المجلات، كتبه مستشرق غريب الشكل والعقل والأطوار يقال له "مرجليوث" فإذا الذي أسمعه، هو نفس ما قرأته قبل أن أسمع ما سمعت، ولكى سمعته بلفظ عربي مُسْتجاد، وبإلقاء أستاذ بارع تصغى إليه