الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيأسرك لفظه وإلقاؤه، وهو الدكتور طه حسين أستاذ الأدب العربي عند أول دخولى الجامعة، ولكن فتنة هذا الأستاذ الكبير، لم تمنعنى يومئذ (سنة 1926) -وأنا طالب صغير- أن أقول لزملائى وأساتذتى وللناس: إن هذا "سطو" غير لائق على مقالة المستشرق الأعجمي، وإن الجامعة مكان للبحث والمناقشة، لا مكان للسطو على أعمال الناس، واشتد الأمر عليَّ وعلى من يحيط بى "حتى تدخل في ذلك، وفي مناقشتي بعض الأساتذة الأجانب كالأستاذ نلّينو، والأستاذ جويدى من المستشرقين، وكنت أصارحهما بالسطو، وكانا يعرفان ذلك، ولكنهما يُداوِران، وطال الصراع غير المتكافئ بيني وبين الدكتور طه زمانا، إلى أن جاء اليوم الذي عزمت فيه على أن أفارق مصر كلها، لا الجامعة وحدها، غير مبال بإتمام دراستى الجامعية، طالبا للعزلة، حتى أستبين لنفسي وجه الحق في قضية الشعر الجاهلي بعد أن صارت عندي قضية متشعبة كل التشعب "مقدمة المتنبى ص 23، 24".
ليس شكا أزهريا
وقد قصصت القصة كلها واضحة في مقالاتى في مجلة الثقافة المصرية حين تفضل الدكتور عبد العزيز الدسوقى فكتب عن كتابى "المتنبى" في طبعته الثانية سنة 1977، وقلت فيها ما قلت، من اتهامى للدكتور طه بالسطو على عمل من الأعمال، واستنكرت أن يكون ذلك في "جامعة""وأن الجامعة""إذا قبلت هذا السطو" وسكتت عنه، فإنها تفقد هيبتها، وطالبت أساتذتى الذين أرادوا أن يحولوا بيني وبين ترك الجامعة، في قصة طويلة أن ينصحوا الدكتور طه أن يصرح بنسبة هذا الذي قاله إلى صاحبه مرجليوث، فإذا فعل عدت إلى الجامعة ونقضت عزمى على السفر، هذه واحدة.
وبهذه الواحدة يتبين أن الذي قاله المقالح، من أن الدكتور طه شك شكا أزهريا! ! كلام لا أصل له، فهو ليس شكا أزهريا ولا ديكارتيا، ولا أرسطوريا (! ! ) بل الذي في كتاب (في الشعر الجاهلي) إنما هو "سطو" لا غير، وكان الله يحب المحسنين، ومن الدليل على ذلك أيضا أن الدكتور طه نفسه، لم يؤلف
بعد ذلك كتابا واحدا يحمل ذرة من هذا "الشك" الذي زعم أنه منهج، ويزعمه له أمثال الدكتور المقالح، وهذه بالطبع غريبة من الغرائب.
أما "الثانية" فإني نشرت كتابى عن "المتنبى" أول مرة، في المقتطف (يناير سنة 1936)، وبعد سنة أو أكثر (سنة 1937) فاجأنى الدكتور طه بكتابه "مع المتنبى" فرأبت وأنا أقرؤه، أنه لم يفارق عادته التي اعتادها، وأنه وضعنى تحت إبطه وهو يملى كتابه، فيسألنى عن منهجى في كل قضية تخص المتنبى، فإذا فرغت سار على الدرب فرحا ومتفكها ومعاكسا ومستخرجا لغيظى، إلى آخر ما قصصت من القصة، قصة السطو على كتابى، وأيضا لم يؤلف بعد ذلك كتابا عن شاعر من الشعراء، غير كتابه "مع المتنبى" يحمل ذرة واحدة من هذا المنهج" الذي يزعم للناس أنه هو منهجه في دراسة الشعراء. وهذه بالطبع أيضا غريبة من أغرب الغرائب! !
ولكن يومئذ (سنة 1937)، لم أصبر عليه صبرى عليه في قضية سطوه على مرجليوث، بل نشرتُ مقالات متتابعة في جريدة البلاغ، مرة في الأسبوع من 3 فبراير سنة 1937 إلى مايو سنة 1937 واتهمته بالدليل والبرهان على أن عادته في "السطو" لم تزل قائمة في نفسه لا يستطيع أن يفارقها، وزدت الأمر وضوحا في مقدمة كتابى التي كتبتها سنة 1977، قلت ذلك في حياته، كما ترى مع وجود تهمة "السطو" بلفظها وبلا كناية، وسكت الدكتور طه حسين لأنه لم يستطع أن ينفي عن نفسه التهمة، ولا استطاع ذلك يومئذ "تلامذته المنتشرون على طول الساحة العربية إزاء هذا الهجوم الذي يُكال لأستاذهم العميد" كما يقول المقالح (مقالات البلاغ، منشورة في الجزء الثاني من كتابى المتنبى).
وقلت في جميع ذلك إن الدكتور طه وسائر الأساتذة الكبار الذين تعودوا "السطو" هم الذين نشروا هذه السُنة، فصارت سُنة سيئة متبعة إلى يومنا هذا -بلا حياء- في جميع حياتنا الثقافية والأدبية والفنية وشرح هذه القضية يطول، وهي قضية أخرى غير القضية التي يذكرها المقالح، فلم أتعرض لها بتفصيل، لأنه
لم يذكرها في دفاعه عن "الدكتور طه" كما لم أتعرض لما حُشِيَتْ به مقالته من الأخطاء التي لا تخصنى.
والآن، أدع لقارئ مجلة العربي حرية الحكم والتعبير، فهو حر في اختيار اللفظ الذي يناسبه، في وصف ما كتبه الأستاذ الفاضل حامل الدكتوراه وأشباهه. أما أنا فأكتفي بأن أقول إنه كلام خطأ كله، وإنه كلام مضلل، وأسأل الله العافية من البلاء، وأستعفي قارئ مجلة العربي، ليعفو عما جلبته عليه بالإكثار والإملال، ولكن عذرى أنى لا أحب العبث بعقول القراء، فأكثرت وأمللت لكي أوضح وأصحح، لا لكي أتباهى وأتبجح.