الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا أي الملائكة إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى تبشره بإسحاق قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ وقد رد عليهم بأبلغ من سلامهم، لأن المنصوب هنا تقديره سلمنا سلاما وهو يفيد المضي، والاسم المرفوع هنا يفيد الثبوت والدوام فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي مشوي بالحجارة المحماة، والعجل: الفتي من البقر.
والمعنى: ذهب سريعا فأتاهم بالضيافة
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ أي أنكرهم وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً أي أضمر منهم خوفا قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا بالعذاب إِلى قَوْمِ لُوطٍ وإنما قالوا لا تخف في الظاهر لأنهم رأوا أثر الخوف والتغير في وجهه. قال النسفي: والظاهر أنه أحس بأنهم ملائكة، ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه أو لتعذيب قومه، واستدل على ذلك بقولهم: إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ قال: وإنما يقال هذا لمن عرفهم ولم يعرف فيما أرسلوا فيه
وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ إما وراء الستر تسمع تحاورهم، وإما على رءوسهم تخدمهم فَضَحِكَتْ سرورا بزوال الخيفة، أو بهلاك أهل الخبائث، أو من غفلة قوم لوط مع قرب العذاب.
فجوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ أي من بعده يَعْقُوبَ بشرت بولد لها يكون له ولد ونسل، خصت بالبشارة لأن النساء أعظم سرورا بالولد، ولأنه لم يكن لها ولد وكان لإبراهيم ولد، وهو إسماعيل، وقد استدل بهذه الآية- كما استدل بغيرها- على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل. قال ابن كثير: وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ أي أن يولد ولد من هرمين، وهو استبعاد من حيث العادة
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي من قدرته وحكمته، أنكرت الملائكة تعجبها لأنها كانت في بيت الآيات، ومهبط المعجزات، والأمور الخارقة للعادات، فلا تعجبي إذن من أمر الله، فإنه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزا عقيما، وبعلك شيخا كبيرا، فإن الله على ما يشاء قدير رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أي هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة، ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة، فليست
بمكان عجيب، وهو تعليل لإنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم إِنَّهُ حَمِيدٌ أي محمود في جميع أفعاله وأقواله مَجِيدٌ أي ممجد في صفاته وذاته
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أي الفزع وهو ما أوجس من الخيفة وَجاءَتْهُ الْبُشْرى بالولد يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ أي لما اطمأن بعد الخوف، وملئ سرورا بسبب البشرى، فزع إلى المجادلة
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هذا ثناء على إبراهيم بهذه الصفات الثلاثة: الحليم: وهو غير العجول على كل من أساء إليه، أو كثير الاحتمال ممن آذاه، الصفوح عمن عصاه، والأواه: وهو كثير التأوه من خوف الله، والمنيب: وهو التائب الراجع إلى الله، وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، بينت الآية أن ذلك هو الذي حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع العذاب، ويمهلوا لعلهم يتوبون،
فجاءه الجواب يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي وإن كانت الرحمة ديدنك فدع الجدال في هذا الأمر إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ أي قضاؤه وحكمه أي إنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك، وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ أي لا يرد بجدال وغير ذلك
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً بعد أن خرجوا من عند إبراهيم متوجهين إلى قوم لوط سِيءَ بِهِمْ أي حزن لأنه حسب أنهم إنس ورأى هيئاتهم وجمالهم، وخاف عليهم خبث قومه، وأن يعجز عن مقاومتهم ودفعهم وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي وضاق بمكانهم صدره، إذ خشي إن ضيفهم ألا يقدر على حمايتهم، وإن لم يضيفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد بلاؤه قال صاحب الظلال:
(لقد كان يعرف قومه. ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين.
إذ يتركون النساء إلى الرجال، مخالفين الفطرة التي تهتدي إلى حكمة خلق الأحياء جميعا أزواجا، كي تمتد الحياة بالنسل ما شاء لها الله، والتي تجد اللذة الحقيقية في تلبية نداء الحكمة الأزلية، لا عن تفكير وتدبير، ولكن عن اهتداء واستقامة.
والبشرية تعرف حالات مرضية فردية شاذة، ولكن ظاهرة قوم لوط عجيبة وهي تشير إلى أن المرض النفسي يعدي كالمرض الجسدي. وأنه يمكن أن يروج مرض نفسي كهذا نتيجة لاختلال المقاييس في بيئة من البيئات، وانتشار المثل السيئ، عن طريق إيحاء البيئة المريضة. على الرغم من مصادمته للفطرة، التي يحكمها الناموس الذي يحكم الحياة. الناموس الذي يقتضي أن تجد لذتها فيما يلبي حاجة الحياة لا فيما يصادمها
ويعدمها. والشذوذ الجنسي يصادم الحياة ويعدمها، لأنه يذهب ببذور الحياة في تربة خبيثة لم تعد لاستقبالها وإحيائها. بدلا من الذهاب بها إلى التربة المستعدة لتلقيها وإنمائها. ومن أجل هذا تنفر الفطرة السليمة نفورا فطريا- لا أخلاقيا فحسب- من عمل قوم لوط. لأن هذه الفطرة محكومة بقانون الله في الحياة الذي يجعل اللذة الطبيعية السليمة فيما يساعد على إنماء الحياة لا فيما يصدمها ويعطلها.
ولقد نجد أحيانا لذة في الموت- في سبيل غاية أسمى من الحياة الدنيا- ولكنها ليست لذة حسية إنما هي معنوية اعتبارية. على أن هذه ليست مصادمة للحياة، إنما هي إنماء لها وارتفاع بها من طريق آخر. وليست في شئ من ذلك العمل الشاذ الذي يعدم الحياة وخلاياها).
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أي يسارعون إسراعا ويهرولون هرولة كأنهم يدفعون دفعا وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال، مرنوا على الفواحش، وقل عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ للمفسرين في هذا المقام قولان: الأول: أن بناته نساء قومه فكأنه لفت نظرهم إلى أزواجهم. الثاني: أنه عرض عليهم بناته ليتزوجوا، والتقدير هؤلاء بناتي فتزوجوهن فأراد أن يقي أضيافه ببناته، وذلك غاية الكرم، وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزا في ذلك الوقت، كما جاز في الابتداء في هذه الأمة، فقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عتبة بن أبي لهب، وأبي العاص، وهما كافران وهذا القول أقوى فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك الفاحشة وفعل المباح وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أي ولا تهينوني ولا تفضحوني، أو لا تخجلوني في حق ضيوفي؛ فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي الرجل، وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي فيه خير يقبل ما آمره
به، ويترك ما أنهاه عنه، أي أليس فيكم رجل واحد يهتدي إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء؟
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ قال ابن كثير: أي إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن، وقال آخرون إنك لتعلم ما لنا في بناتك من حاجة؛ لأن نكاح الإناث أمر خارج عن مذهبنا؛ فمذهبنا إتيان الذكران وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ أي إنما نريد الرجال
قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي لفعلت بكم ولصنعت، أي لو قويت عليكم بنفسي لنكلت بكم أَوْ