الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فينقسم القوم إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا .. عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين، ولتمكن للمؤمنين في الأرض، ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته، غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة.
الفوائد:
1 -
من قوله تعالى: وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ فهم المفسرون أن المعرفة الدقيقة للتاريخ متعذرة، وبذلك شككوا بالكثير مما يذكره بعضهم من أنساب متصلة ضاربة في القدم. قال ابن كثير: وقال ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله أنه قال في قوله تعالى: لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ كذب النسابون. وقال عروة بن الزبير ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان.
2 -
قال ابن كثير في قوله تعالى: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ: (وهذا يحتمل شيئين (أحدهما) أي أفي وجوده شك فإن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده، ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال، فإن سبق شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما، فلا بد لها من صانع وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شئ وإلهه ومليكه؛ والمعنى الثاني في قولهم أَفِي اللَّهِ شَكٌّ أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى)
أقول: الملاحظ أنه في العصور المتأخرة أصبح نفي وجود الله- بله الشك به- هو الفلسفة التي تتبناها دول من أكبر دول العالم، وتروج لها وتزخرفها آلاف الكتب وملايين النشرات وتبني عليها مذاهب وتقوم عليها تكتلات، وعلى أهل الإيمان أن يقابلوا ذلك بما يكافئه
3 -
ذكر ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ ذكر بهذه
المناسبة بعض الآيات التي تشبهها في المعنى فقال: كما قال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ....
(الصافات: 171 - 173) وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (الأعراف: 137) اهـ
ومن خلال النظر في هذه الآيات ندرك أن الله عز وجل من سننه أن تكون العاقبة للمتقين، وأنه ربى المسلمين على أن يعرفوا هذه السنة ويعتقدوها، فهي جزء من
معرفة الله، وهي من النور الذي يخرج الله إليه عباده كما يفهم من السياق.
4 -
بمناسبة قوله تعالى وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يذكر ابن كثير أنواع عذاب أهل النار وأن الماء الصديد واحد من هذه الأنواع، وله كلام نفيس بمناسبة هذه الآية وما بعدها ننقله مع حذف الأسانيد. قال:(وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق، فهذا حار في غاية الحرارة، وهذا بارد في غاية البرد والنتن كما قال تعالى: هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ* وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (ص: 57، 58) وقال مجاهد وعكرمة: الصديد من القيح والدم، وقال قتادة:
هو ما يسيل من لحمه وجلده، وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم، وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قلت: يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: «صديد أهل النار» . وفي رواية «عصارة أهل النار» . وقال الإمام أحمد .. عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قال: «يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره» يقول الله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (محمد: 15) ويقول وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الآية (الكهف: 29). وهكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن المبارك به، ورواه ابن أبي حاتم من حديث بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو به، وقوله (يتجرعه) أي يتغصصه ويتكرهه أي يشربه قهرا وقسرا لا يضعه في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد كما قال تعالى: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (الحج: 21). وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أي يردده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته وبرده الذي لا يستطاع وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه، قال عمر بن ميمون بن مهران: من كل عظم وعصب وعرق، وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره، وقال إبراهيم التيمي: من
موضع كل شعرة أي من جسده حتى من أطراف شعره، وقال ابن جرير وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي من أمامه وخلفه، وفي رواية وعن يمينه وشماله، ومن فوقه ومن تحت أرجله، ومن سائر أعضاء جسده، وقال الضحاك عن ابن عباس: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت ولكن لا يموت لأن الله تعالى قال: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها (فاطر: 36) ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال، ولهذا قال تعالى وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وقوله وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ مؤلم شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر، وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ* ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (الصافات: 64 - 68) فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم، وتارة في شرب حميم، وتارة يردون إلى جحيم، عياذا بالله من ذلك، وهكذا قال تعالى هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ* يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (الرحمن: 43، 44) وقال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ* خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ* ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ* إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (الدخان: 43 - 50) وقال وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ* وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ. (الواقعة: 41 - 44) وقال تعالى: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ* هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ* وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (ص: 55 - 58) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تنوع العذاب عليهم وتكراره وأنواعه وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله عز وجل جزاء وفاقا وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. (فصلت: 46) اهـ كلام ابن كثير ولننتقل إلى المجموعة الرابعة:
***