الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ أي خلقها مرفوعة بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، أي ترون السموات مرفوعة بغير عمد فلا حاجة إلى البرهان على ذلك مع الرؤية، وذلك دليل قدرته عز وجل وحكمته ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ استواء يليق بجلاله. قال ابن كثير: من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل. وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لمنافع عباده، ومصالح بلاده، وذكر الشمس والقمر لأنهما أظهر في الدلالة على التسخير الذي فيه المصلحة للخلق كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى وهو انقضاء الدنيا بقيام الساعة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال النسفي: أمر ملكوته وربوبيته يُفَصِّلُ الْآياتِ أي يبينها، وآياته هنا كتابه المنزل لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أي لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه، وهكذا عرفنا أن الله عز وجل جعل تدبيره وتفصيل آياته علامتين تدلان على الرجوع إليه، فمن لم ير في كمال تدبيره في خلقه، وفي كمال تفصيله في آياته، ما يدل على الرجوع إليه، فإنه لم يعرف حكمة التدبير والتفصيل. وهكذا عرفنا أن التدبير والتفصيل علامتان على اليوم الآخر، فلم يكن التدبير عبثا، ولم يكن التفصيل عبثا، بل من أجل أن تعرف أيها الإنسان أنك راجع إليه فمحاسب.
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ قال ابن كثير: أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا راسيات، أي ثابتات في أمكنتهن وَأَنْهاراً أي وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي وجعل فيها من كل الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي ومن كل الثمرات جعل فيها الصغير والكبير، والحلو والحامض، هكذا فسر النسفي في هذا المقام الزوجية، وقال ابن كثير: أي من كل شكل صنفان.
ولم يفسر ما المراد بالصنف. وفي فوائد هذا المقطع كلام عن هذا الموضوع فإنه من المواضيع التي لثقافة العصر تأثير في تبيانها يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا، وقد رأينا في سورة الأعراف كيف دل مثل هذا التعبير على دوران الأرض إِنَّ فِي ذلِكَ أي في الأرض بما هي عليه والجبال ورسوها، والأنهار وجريانها، والثمرات والزوجية فيها، وغشيان الليل النهار لَآياتٍ أي لدلالات وعلامات على أن لها صانعا عليما حكيما قادرا لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ أما الذين لا يتفكرون فإنهم عمي عن رؤية الآيات
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أي أراض يجاور بعضها بعضا، ثم هي مع التجاور مختلفة، فهذه طيبة تنبت ما ينفع الناس، وهذه سبخة مالحة لا تنفع الناس، وهذه تربتها حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه مرملة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاحقة، ما بين كريمة إلى زهيدة، وما بين صلبة إلى رخوة، وذلك دليل على قادر مريد مدبر موقع لأفعاله على وجه دون وجه وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ أي وفي الأرض حدائق وبساتين من أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ الصنوان: جمع صنو وهي الشجرة لها رأسان وأصلها واحد، فالصنوان: هو الأصول المجتمعة في منبت واحد، كالرمان والتين وبعض النخيل ونحو ذلك، وغير الصنوان ما كان على أصل واحد كسائر الأشجار، أي وفي الأرض أنواع الزروع، وأنواع النخيل ذات الساق الواحدة، أو السيقان المتعددة يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ أي في الثمر، فهذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها، وطعومها ورائحها وأوراقها؛ فهذا في غاية الحلاوة، وهذا في غاية الحموضة، وهذا في غاية المرارة، وهذا بين بين، وهذا اجتمع فيه هذا وهذا، وهذا أصفر، وهذا أبيض، وهذا أسود، وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء، ثم يكون هذا الاختلاف الكثير، الذي يكاد لا ينحصر ولا ينضبط إِنَّ فِي ذلِكَ أي في اختلاف الأراضي وجنات الأعناب والزروع والنخيل المتعدد الأصل وغير المتعدد، واختلاف الثمرات مع كون الماء الذي به نماء النبات واحدا لَآياتٍ لدلالات على الخالق المختار المريد العظيم لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أما الذين لا عقول لهم فإنهم لا يرون هذه الآيات رؤية عاقلة، تدلهم على الله، ثم إنه بعد أن أقام النص القرآني الحجة على وجود الله، وعلى قدرته، وعلى اليوم الآخر، فإنه بعد ذلك يعرض علينا بطريقة القرآن المعجزة ثلاثة مواقف للكافرين هي: إنكارهم لليوم الآخر، واستعجالهم العذاب، واقتراحهم الآيات، وهذه المواقف الثلاثة تعرض بعد أن تقدم الرد عليها فيما سبق من الآيات، فالله المدبر للأمر المفصل للآيات، الرافع للسماوات، المسيطر على العرش، المسخر للشمس والقمر، الجاعل الأرض على ما هي عليه، الخالق للجبال بما تؤدي به مهمتها، الخالق الأنهار، الخالق الثمار، الخالق الليل والنهار، الجاعل الأرض أنواعا، المخرج من الماء الواحد أنواع الثمار، هذا الإله لا يعجزه أن يعيد خلق الإنسان وأن يبعثه