الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنك لتأمر بالأمر وتخالف إلى غيره، قال فقال:«أوقد قالوها- أي قائلوها- ولئن فعلت ما ذاك إلا علي وما عليهم من ذلك من شئ أرسلوا له جيرانه» . وروى أيضا عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناسا من قومي في تهمة فحبسهم فجاء رجل من قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد علام تحبس جيراني؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقول؟» فجعلت أعرض بينهما كلاما مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبدا، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فهمها فقال:«قد قالوها- أو قائلها منهم؟ - والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم، خلوا عن جيرانهم» . ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الإمام أحمد .. عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولون عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم الحديث عنى تعرفه قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم عنه» إسناده صحيح.
وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث: «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك» ومعناه والله أعلم مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه. وروى قتادة .. عن مسروق قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت: تنهى عن الواصلة؟
قال: نعم، قالت: فعله بعض نسائك، فقال: ما حفظت وصية العبد الصالح إذا وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ وروى عثمان بن أبي شيبة
…
عن أبي سليمان الضبي قال: كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي فيكتب في آخرها: وما كنت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
نقول:
قال صاحب الظلال تعليقا على قصة شعيب عليه السلام:
(وهذا دور من أدوار الرسالة الواحدة بالعقيدة الخالدة، ينهض به شعيب في قومه أهل مدين .. ومع الدعوة إلى عقيدة التوحيد قضية أخرى، هي قضية الأمانة والعدالة في التعامل بين الناس، وهي وثيقة الصلة بالعقيدة في الله، والدينونة له وحده، واتباع شرعه وأمره. وإن كان أهل مدين قد تلقوها بدهشة بالغة، ولم يدركوا العلاقة بين المعاملات المالية والصلاة المعبرة عن الدينونة لله).
وقال صاحب الظلال تعليقا على قول قوم شعيب لشعيب:
أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا: فهم لا يدركون- أو لا يريدون أن يدركوا- أن الصلاة هي من مقتضيات العقيدة، ومن صور العبودية والدينونة. وأن العقيدة لا تقوم بغير توحيد الله، ونبذ ما يعبدونه من دونه هم وآباؤهم. كما أنها لا تقوم إلا بتنفيذ شرائع الله في التجارة وفي تداول الأموال وفي كل شأن من شئون الحياة والتعامل. فهي لحمة واحدة لا يفترق فيها الاعتقاد عن الصلاة عن شرائع الحياة وعن أوضاع الحياة.
وقبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور السقيم لارتباط الشعائر بالعقيدة.
وارتباطهما معا بالمعاملات .. قبل أن نمضي طويلا في تسفيه هذا التصور من أهل مدين قبل ألوف السنين، يحسن أن نذكر أن الناس اليوم لا يفترقون في تصورهم ولا في إنكارهم لمثل هذه الدعوة عن قوم شعيب. وأن الجاهلية التي نعيش فيها اليوم ليست أفضل ولا أذكى ولا أكثر إدراكا من الجاهلية الأولي. وأن الشرك الذي كان يزاوله قوم شعيب هو ذاته الشرك الذي تزاوله اليوم البشرية بجملتها- فكلهم يفصل بين العقيدة والشعائر. والشريعة والتعامل. فيجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره، ويجعل الشريعة والتعامل لغير الله، ووفق أمر غيره .. وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله.
وإن كان لا يفوتنا أن اليهود وحدهم اليوم هم الذين يتمسكون بأن تكون أوضاعهم ومعاملاتهم وفق ما يزعمونه عقيدتهم وشريعتهم- وذلك بغض النظر عما في هذه العقيدة من انحراف وما في هذه الشريعة من تحريف- فلقد قامت أزمة في «الكنيست» مجلس تشريعهم في إسرائيل بسبب أن باخرة إسرائيلية تقدم لركابها- من غير اليهود- أطعمة غير شرعية. وأرغمت الشركة والسفينة على تقديم الطعام الشرعي وحده- مهما تعرضت للخسارة- فأين من يدعون أنفسهم «مسلمين» من هذا الاستمساك بالدين.
إن بيننا اليوم ممن يقولون:- إنهم مسلمون- من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق. وبخاصة المعاملات المادية.
وحاصلون على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم، يتساءلون أولا في استنكار: وما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ .. ما للإسلام والعري فى الشواطئ؟ ما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل؟ ما