الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ قال ابن كثير: (أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها، من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم، حتى أنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتنانا من الله وإحسانا من غير تنقيص للأعلى عن درجته .. ) قال النسفي: (ووصفهم بالصلاح ليعلم أن الأنساب لا تنفع بنفسها. والمراد (أي بقوله: من آبائهم) أبوا كل واحد منهم، فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم) وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بالهدايا وبشارات الرضا مِنْ كُلِّ بابٍ
قائلين سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ أي هذا الثواب بسبب صبركم عن الشهوات وعلى أمر الله. دل ذلك على أن الصبر هو الخلق الجامع فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ أي الجنة. قال ابن كثير في تفسير الآية: (أي وتدخل عليهم الملائكة من هاهنا ومن هاهنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام) وبهذا تم وصف أهل الحق وخصائصهم ومواصفاتهم: الذين يتذكرون، والذين يهتدون ويقبلون هدى الله، والذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة،
وتأتي الآية الأخيرة في المقطع لتحدد صفات الأشقياء العمي الذين لا يعرفون الحق ولا يهتدون إليه؛ بسبب من أعمالهم التي هي على النقيض من أعمال أولئك وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ أي من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من رحم وإيمان وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالكفر والظلم، وتطبيق شرائع الجاهلية والصد عن سبيل الله أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وهي الإبعاد من الرحمة وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ أي سوء عاقبة الدنيا إن أريد بالدار الدنيا، ويحتمل أن يراد جهنم وبسوئها عذابها.
فائدة:
بمناسبة قوله تعالى أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ قال صاحب الظلال: (إن هنالك علاقة وثيقة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض وبين ذلك العمى عن الحق الذي جاء من عند الله لهداية البشر إلى الحق والصلاح والخير، فالذين لا يستجيبون لعهد الله على الفطرة، ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عنده ويعلمون أنه وحده الحق .. هم الذين يفسدون في الأرض؛ كما أن الذين يعلمون أنه الحق ويستجيبون له هم الذين يصلحون في الأرض وتزكو بهم الحياة: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما
يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ* وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ إن حياة الناس لا تصلح إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد- صلى الله عليه وسلم هو الحق. ومن ثم يوفون بعهد الله على الفطرة وبعهد الله على آدم وذريته، أن يعبدوه وحده فيدينوا له وحده، ولا يتلقوا عن غيره، ولا يتبعوا إلا أمره ونهيه. ومن ثم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه وما يغضبه، ويخافون سوء الحساب، فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل خالجة وكل حركة، ويصبرون على الاستقامة على عهد الله ذاك بكل تكاليف الاستقامة، ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله سرا وعلانية، ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان.
إن حياة الناس في الأرض لا تصلح إلا بمثل هذه القيادة المبصرة التي تسير على هدى الله وحده والتي تصوغ الحياة كلها وفق منهجه وهديه .. إنها لا تصلح بالقيادات الضالة العمياء التي لا تعلم ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وحده والتي تتبع- من ثم- مناهج أخرى غير المنهج الذي ارتضاه للصالحين من عباده .. إنها لا
تصلح بالإقطاع والرأسمالية كما أنها لا تصلح بالشيوعية والاشتراكية العلمية أنها كلها من مناهج العمي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد- صلى الله عليه وسلم هو وحده الحق الذي لا يجوز العدول عنه ولا التعديل فيه .. إنها لا تصلح بالثيوقراطية كما أنها لا تصلح بالديكتاتورية أو الديموقراطية فكلها سواء في كونها من مناهج العمي الذين يقيمون من أنفسهم أربابا من دون الله، تصنع هي مناهج الحكم ومناهج الحياة وتشرع للناس ما لم يأذن به الله، وتعبدهم لما تشرع فتجعل دينونتهم لغير الله .. وآية هذا الذي نقوله استمدادا من النص القرآني- هو هذا الفساد الطامي الذي يعم وجه الأرض اليوم في جاهلية القرن العشرين وهو هذه الشقوة النكدة التي تعانيها البشرية في مشارق الأرض ومغاربها .. سواء في ذلك أوضاع الإقطاع والرأسمالية، وأوضاع الشيوعية والاشتراكية العلمية .. وسواء في ذلك الأشكال الديكتاتورية في الحكم أو الديموقراطية إنها كلها سواء فيما تلقاه البشرية من خلالها من فساد وتحلل، ومن شقاء ومن قلق، لأنها كلها سواء من صنع العمي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه هو الحق وحده ولا تلتزم- من ثم- بعهد الله وشرعه، ولا تستقيم في حياتها على منهجه وهديه.