الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعنايته، ويحرسهما بعينه التي لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئا بعد شئ، ومرة بعد مرة، مما يبهر العقول ويدهش الألباب، مما لا يقوم له شئ ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وصمم فرعون وملؤه- قبحهم الله- على التكذيب بذلك كله والجحد والعناد والمكابرة حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الأنعام: 45). أهـ
*** وَلَقَدْ بَوَّأْنا أي أنزلنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ أي منزل كرامة بعد أن عاقبهم بالتيه إذ أورثهم الأرض المقدسة فترة طويلة من الزمن وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي
الحلال من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا وشرعا فَمَا اخْتَلَفُوا فآمن بعض وكفر بعض، وسفه بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي ولم يكن لهم أن يختلفوا وقد بين الله لهم وأزال عنهم اللبس إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي يفصل بينهم يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين والدنيا.
فوائد:
1 -
بمناسبة هذه الآية يذكر ابن كثير بالحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه والموجود في السنن والمسانيد «إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» .
2 -
ذكر ابن كثير قصة الأرض المقدسة، وقصة بني إسرائيل معها بعد الخروج فقال:
(ولكن استمروا مع موسى عليه السلام طالبين إلى بلاد بيت المقدس وهي بلاد الخليل عليه السلام، فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس، وكان فيه قوم من العمالقة، فنكل بنو إسرائيل عن قتالهم، فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون ثم موسى عليهما السلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون، ففتح الله عليهم بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر، ثم عادت إليهم، ثم أخذها ملوك الرومان، فكانت تحت أحكامهم مدة طويلة، وبعث الله
عيسى ابن مريم عليه السلام في تلك المدة، فاستعانت اليهود- قبحهم الله- على معاداة عيسى عليه السلام بملوك الرومان، وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا، فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه الله إليه، وشبه لهم بعض الحواريين- بمشيئة الله وقدره- فأخذوه فصلبوه واعتقدوا أنه هو وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (النساء: 157، 158) ثم بعد المسيح عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة دخل قسطنطين- أحد ملوك الرومان- في دين النصرانية وكان فيلسوفا قبل ذلك، فدخل في دين النصارى، قيل: تقية، وقيل:
حيلة؛ ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة، وبدعا أحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار، والصوامع والهياكل والمعابد والقلايات، وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ووضع وكذب ومخالفة لدين المسيح، ولم يبق على دين المسيح- على الحقيقة- منهم إلا القليل من الرهبان، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامة والقفار، واستحوذت يد النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية، والقمامة، وبيت لحم، وكنائس ببلاد بيت المقدس، ومدن حوران، كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة، وعبدوا الصليب من حينئذ، وصلوا إلى الشرق، وصوروا الكنائس، وأحلوا لحم الخنزير، وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة الحقيرة، التي يسمونها الكبيرة، وصنفوا له القوانين، وبسط هذا يطول، والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة رضي الله عنهم، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولله الحمد والمنة).
أقول: ذكر هذا ابن كثير بمناسبة قوله تعالى وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ فكأنه يريد أن يبين ما آل إليه أمرهم بعد أن أنعم الله عليهم، وبعض كلامه يحتاج إلى تحقيق، فقد وجدت الانحرافات في النصرانية قبل قسطنطين. فمن المعروف أن بولس الذي عاصر حواريي المسيح عليهم السلام هو الذي حرف وانحرف، وإنما كان دور قسطنطين أنه فرض هذا الانحراف، وأكده وقواه، وأضعف جانب أصحاب الحق الذين كانوا إلى زمنه هم الأكثرية بالنسبة لمجموع النصارى.