الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يدعوهم إليه، فماذا كان جوابهم؟ كان جوابهم جواب المستكبرين الطغاة:
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ أي ما نفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ أي من قولك والظاهر أنهم أرادوا أنهم لا يفهمون صحة ما يقول، لأن كلامه في منتهى الوضوح وكيف وهو كما قال الثوري: كان يقال له خطيب الأنبياء وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً أي لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها، فما أنت إلا واحد، وعشيرتك ليست على دينك وَلَوْلا رَهْطُكَ أي قومك وعشيرتك لَرَجَمْناكَ أي بالحجارة. والمعنى: ولولا عشيرتك لقتلناك شر قتلة، وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك أظهروا الميل إليهم، والإكرام لهم وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أي ليس لك عندنا شأن، فأنت لا تعز علينا، ولا تكرم حتى نكرمك من القتل، ونرفعك عن الرجم، وإنما يعز علينا رهطك؛ لأنهم من أهل ديننا. فأجابهم لتقوم عليهم الحجة
قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ قال لهم هذا لأن تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله، وحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله، لأن الله إذ أرسل رسولا جعل الأدب معه أدبا مع الله، ألا ترى قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء: 13) وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أي: ونسيتم الله وجعلتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به، والمعنى: أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاما لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة، فقد اتخذتم ربكم وراءكم فنبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي قد أحاط بأعمالكم علما فلا يخفى عليه شئ منها وهو مجازيكم عليها
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي على طريقتكم وهو تهديد لهم، أي اعملوا متمكنين من عداوتي مطبقين عليها إِنِّي عامِلٌ على طريقتي سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي بذله وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ في دعواكم وزعمكم وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أي وانتظروا العاقبة إني معكم منتظر
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ أي هامدين لا حراك بهم
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أي كأن لم يعيشوا ويقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ أي ألا هلاكا لهم كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ لأن طريقهم واحد.
فوائد:
1 -
قال ابن كثير: «ذكرنا هاهنا (أي في سورة هود) أن أتتهم صيحة، وفي (الأعراف) رجفة، وفي (الشعراء) عذاب يوم الظلة، وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، ففي الأعراف لما قالوا لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا ناسب أن يذكر هناك الرجفة فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها، وأرادوا إخراج نبيهم منها. وهاهنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قال فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهذا من الأسرار الدقيقة.
2 -
يلاحظ أنه في آخر قصة عاد ومدين جاء قبل (لما) حرف الواو وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً
…
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً
…
بينما جاء قبل (لما) في قصة ثمود ولوط حرف الفاء وقد علل ذلك النسفي: أن مجئ الفاء في قصة ثمود ولوط لأنهما وقعا بعد ذكر الموعد إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ في قصة لوط وذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ في قصة ثمود قال: فجئ بالفاء الذي هو للتسبب كقولك وعدته فلما جاء الميعاد كان كيت، وأما الآخريات فقد وقعتا مبتدأتين، فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما كما تعطف قصة على قصة.
3 -
بمناسبة قوله تعالى وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ
…
نقل ابن كثير عن ابن أبي حاتم هذه القصة عن ابن أبي ليلى الكندي قال: كنت مع مولاي أمسك دابته، وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان إذ أشرف علينا من داره فقال:
لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ يا قوم لا تقتلوني، إنكم إن قتلتموني كنتم هكذا، وشبك بين أصابعه.
4 -
بمناسبة قوله تعالى على لسان شعيب: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ
…
ذكر ابن كثير مجموعة روايات نذكرها مع حذف الأسانيد.
روى الإمام أحمد عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن أخاه مالكا قال: يا معاوية إن محمدا صلى الله عليه وسلم أخذ جيراني، فانطلق إليه فإنه قد كلمك وعرفك، فانطلقت معه فقال:
دع جيراني فقد كانوا أسلموا فأعرض عنه فقام مغضبا فقال: أما والله لئن فعلت إن الناس يزعمون إنك لتأمرنا بالأمر وتخالف إلى غيره، وجعلت أجره وهو يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما تقول؟» فقال: إنك والله لئن فعلت ذلك إن الناس ليزعمون