المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا، - الأساس في التفسير - جـ ٥

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌ قسم المئين

- ‌[المجموعة الأولى من القسم المئين]

- ‌كلمة في قسم المئين:

- ‌سورة يونس

- ‌كلمة في سورة يونس ومحورها:

- ‌القسم الأول من سورة يونس

- ‌مقدمة السورة والمقطع الأول من القسم الأول

- ‌ملاحظة حول طريقتنا في تفسير ما سيأتي من القرآن:

- ‌كلمة بين يدي الآيات:

- ‌المعنى الحرفي لمقدمة السورة وللمقطع الأول من القسم الأول فيها:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ملاحظة:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الرابعة

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌ المجموعة الخامسة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السادسة

- ‌فائدة:

- ‌ كلمة حول السياق

- ‌المقطع الثاني من القسم الأول

- ‌المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌كلمة في السياق:

- ‌السؤال الأول وجوابه:

- ‌السؤال الثاني وجوابه:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثاني من سورة يونس عليه السلام

- ‌المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌كلمة بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في القصة القرآنية:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة حول السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة في هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثالث: وهو خاتمة السورة

- ‌كلمة في هذا القسم:

- ‌ الفقرة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌ الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في سورة يونس:

- ‌سورة هود

- ‌ما ورد فيها:

- ‌كلمة في سورة هود ومحورها:

- ‌نقول عن السورة:

- ‌المقدمة والمقطع الأول:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌تفسير المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية

- ‌تفسير المجموعة الثالثة

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌نقل عن الظلال حول قصة صالح عليه السلام

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ في الإصحاح الثامن عشر

- ‌وفي الإصحاح التاسع عشر:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الرابع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌نقول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الخامس

- ‌بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المقطع السادس

- ‌بين يدي المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيره في سورة هود:

- ‌سورة يوسف

- ‌نقل عن الألوسي في سورة يوسف عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة يوسف ومحورها:

- ‌مقدمة سورة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المشهد الأول

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثالث من قصة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ملاحظات:

- ‌ المشهد الرابع

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌نقل عن الظلال:

- ‌المشهد الخامس

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌المشهد السادس

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌مختارات من تعليقات صاحب الظلال على قصة يوسف:

- ‌كلمة في السياق

- ‌خاتمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سورة يوسف:

- ‌سورة الرعد

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة الرعد:

- ‌كلمة في سورة الرعد ومحورها في السياق القرآني العام:

- ‌المقدمة:

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌التفسير:

- ‌المقطع الأول

- ‌التفسير:

- ‌الموقف الأول:

- ‌الموقف الثاني:

- ‌الموقف الثالث:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من سورة الرعد

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌المقطع الثالث والأخير من سورة الرعد

- ‌ملاحظة حول المضمون والسياق:

- ‌تفسير المقطع الثالث:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في محل سورة الرعد:

- ‌سورة إبراهيم

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة إبراهيم عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌الإصحاح التاسع والعشرون

- ‌الإصحاح الثلاثون

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الرابعة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الخامسة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة السادسة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السابعة

- ‌التفسير:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الثامنة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌خاتمة السورة

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 52]

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم:

- ‌كلمة في المجموعة الأولى من قسم المئين:

الفصل: كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا،

كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة)

أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ والمعنى: أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه، أي لا يستوون معهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يعني: أن بين الفريقين تباينا بينا، ومعنى قوله تعالى: عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق، وهو دليل العقل وأصل الفطرة وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أي وجاءه شاهد من الله، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المنظمة المختتمة بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، التي جاء بها القرآن المعجز. ويمكن أن يكون المعنى:

أفمن كان على برهان من ربه- وهو دليل العقل- ويتلوه شاهد يشهد بصحته وهو القرآن من الله وَمِنْ قَبْلِهِ أي ومن قبل القرآن كِتابُ مُوسى وهو التوراة أي ويتلو ذلك البرهان أيضا من قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام إِماماً أي كتابا مؤتما به في الدين وقدوة فيه وَرَحْمَةً ونعمة عظيمة على المنزل عليهم أُولئِكَ أي من كان على بينة من ربهم يُؤْمِنُونَ بِهِ أي بالقرآن فلهم الجنة وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ أي بالقرآن مِنَ الْأَحْزابِ أي من الملل كلها فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ أي مصيره ومورده فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ أي في شك مِنْهُ أي من القرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ مع قيام الحجة ووضوح البرهان، وهكذا عرفنا أن هذا الدين يشهد له العقل، ويشهد له إعجاز القرآن، ويشهد له الوحي السابق، ودين هذا شأنه لا يترك الإيمان به إلا متكبر جائر.

‌فوائد:

1 -

عند قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قال صاحب الظلال:

(ولقد سبق أن تحداهم بسورة واحدة في سورة يونس، فما التحدي بعد ذلك بعشر سور؟

قال المفسرون القدامى: إن التحدي كان على الترتيب: بالقرآن كله، ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة. ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل. بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة، وسورة هود لاحقة والتحدي فيها بعشر سور. وحقيقة إن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يتبع ترتيب السور.

ص: 2541

فقد كانت تنزل الآية فتلحق بسورة سابقة أو لاحقة في النزول. إلا أن هذا يحتاج إلى ما يثبته. وليس في أسباب النزول ما يثبت أن آية يونس كانت بعد آية هود. والترتيب التحكمي في مثل هذا لا يجوز.

ولقد حاول السيد رشيد رضا في تفسير المنار أن يجد لهذا العدد (عشر سور) علة، فأجهد نفسه طويلا- رحمة الله عليه- ليقول: إن المقصود بالتحدي هنا هو القصص القرآني، وأنه بالاستقراء يظهر أن السور التي كان قد نزل بها قصص مطول إلى وقت نزول سورة هود كانت عشرا. فتحداهم بعشر .. لأن تحديهم بسورة واحدة فيه يعجزهم أكثر من تحديهم بعشر نظرا لتفرق القصص وتعدد أساليبه، واحتياج المتحدى إلى عشر سور كالتي ورد فيها ليتمكن من المحاكاة إن كان سيحاكي .. الخ.

ونحسب- والله أعلم- أن المسألة أيسر من كل هذا التعقيد. وأن التحدي كان يلاحظ حالة القائلين وظروف القول، لأن القرآن كان يواجه حالات واقعة محددة مواجهة واقعة محددة. فيقول مرة: ائتوا بمثل هذا القرآن. أو ائتوا بسورة. أو بعشر سور. دون ترتيب زمني. لأن الغرض كان هو التحدي في ذاته بالنسبة لأي شئ من هذا القرآن كله أو بعضه، أو سورة منه على السواء. فالتحدي كان بنوع هذا القرآن لا بمقداره. والعجز كان عن النوع لا عن المقدار. وعندئذ يستوي الكل والبعض والسورة. ولا يلزم ترتيب، إنما هو مقتضى الحالة التي يكون عليها المخاطبون، ونوع ما يقولون عن هذا القرآن في هذه الحالة. فهو الذي يجعل من المناسب أن يقال سورة أو عشر سور أو هذا القرآن. ونحن اليوم لا نملك تحديد الملابسات التي لم يذكرها لنا القرآن).

وقال الألوسي عند قوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ .. : هذا ونقل أنه استدل بهذه الآية على أن إعجاز القرآن بفصاحته لا باشتماله على المغيبات وكثرة العلوم، إذ لو كان كذلك لم يكن لقوله سبحانه: مُفْتَرَياتٍ معنى أما إذا كان وجه الإعجاز الفصاحة صح ذلك لأن فصاحة الكلام تظهر إن صدقا وإن كذبا.

2 -

وعند قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها،

وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ..

قال صاحب الظلال:

ص: 2542

(إن للجهد في هذه الأرض ثمرته. سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة. فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا، ويتمتع بها كما يريد- في أجل محدود- ولكن ليس له في الآخرة إلا النار، لأنه لم يقدم للآخرة شيئا، ولم يحسب لها حسابا. فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا. ولكنه باطل في الآخرة لا يقام له فيها وزن وحابط (من حبطت الناقة إذا انتفخ بطنها من المرض) وهي صورة مناسبة للعمل المنتفخ المتورم في الدنيا وهو مؤد إلى الهلاك.

ونحن نشهد في هذه الأرض أفرادا اليوم وشعوبا وأمما تعمل لهذه الدنيا. وتنال جزاءها فيها. ولدنياها زينة، ولدنياها انتفاخ. فلا يجوز أن نعجب ولا أن نسأل:

لماذا؟ لأن هذه هي سنة الله في هذه الأرض مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ولكن التسليم بهذه السنة ونتائجها لا يجوز أن ينسينا أن هؤلاء كان يمكن أن يعملوا نفس ما عملوه- ونفوسهم تتطلع للآخرة وتراقب الله في الكسب والمتاع- فينالوا زينة الحياة الدنيا لا يبخسون منها شيئا، وينالوا كذلك متاع الحياة الأخرى.

إن العمل للحياة الأخرى لا يقف في سبيل العمل للحياة الدنيا. بل إنه هو هو مع الاتجاه إلى الله فيه. ومراقبة الله في العمل لا تقلل من مقداره ولا تنقص من آثاره. بل تزيد وتبارك الجهد والثمر، وتجعل الكسب طيبا والمتاع به طيبا، ثم تضيف إلى متاع الدنيا متاع الآخرة. إلا أن يكون الغرض من متاع الدنيا هو الشهوات الحرام. وهذه مردية لا في الأخرى فحسب، بل كذلك في الدنيا ولو بعد حين. وهي ظاهرة في حياة الأمم وفي حياة الأفراد. وعبر التاريخ شاهدة على مصير كل أمة اتبعت الشهوات على مدار القرون).

3 -

عند قوله تعالى أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً قال صاحب الظلال:

(ويكون المعنى الكلي للآية: أفهذا النبي الذي تتضافر الأدلة والشواهد على صدقه وصحة إيمانه ويقينه .. حيث يجد في نفسه بينة واضحة مستيقنة من ربه. وحيث يتبعه- أو يتبع يقينه هذا- شاهد من ربه هو هذا القرآن الدال بخصائصه على مصدره الرباني. وحيث يقوم على تصديقه شاهد آخر قبله. هو كتاب موسى الذي جاء إماما

ص: 2543

لقيادة بني إسرائيل، ورحمة من الله تنزلت عليهم. وهو يصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تضمنه من التبشير به، كما يصدقه بما فيه من مطابقة للأصول الاعتقادية التي يقوم عليها دين الله كله. يقول: أفمن كان هذا شأنه يكون موضعا للتكذيب والكفر والعناد كما تفعل الأحزاب التي تناوئه من شتى فئات المشركين؟! إنه لأمر مستنكر إذن في مواجهة هذه الشواهد المتضافرة من شتى الجهات).

وقال الألوسي عند الآية نفسها: (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ تدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره، ويدخل في ذلك الإسلام دخولا أوليا، واقتصر عليه بعضهم بناء على أنه مناسب لما بعد، وأصل- البينة كما قيل-: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، وتطلق على الدليل مطلقا، وهاؤها للمبالغة، أو النقل، وهي وإن قيل: إنها من بان بمعنى تبين واتضح لكنه اعتبر فيها دلالة الغير والبيان له، وأخذها بعضهم من صيغة المبالغة، والتنوين فيها هنا للتعظيم، أي بينة عظيمة الشأن، والمراد بها القرآن وباعتبار ذلك، أو البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله سبحانه (ويتلوه) أي يتبعه (شاهد) عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو- كما قال الحسين بن الفضل- الإعجاز في نظمه، ومعنى كون ذلك تابعا له: أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا يستطيع أحد من الخلق جيلا بعد جيل معارضته ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).

من هذين النقلين ندرك أن للمفسرين أكثر من اتجاه في الآية، والذي نرجحه أن البينة هي القرآن، والشاهد هو الفطرة والقلب والعقل، وعلى هذا الاتجاه فقد دلت الآية على أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، وأما التفصيلات فإنها تؤخذ من الشريعة والفطرة تصدقها وتؤمن بها، وهناك أكثر من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبيان أن الأصل في الإنسان سلامة الفطرة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟» الحديث. وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى:

إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا». وفي المسند والسنن:

«كل مولود يولد على هذه الملة حتى يعرب عنه لسانه» الحديث. وقد ذكرنا أثناء

ص: 2544

التفسير أن البينة العقل والشاهد القرآن لأنه هو الذي عليه عامة المفسرين. ورجحنا هنا ما ينشرح له الصدر وهو ما ذكره الألوسي أن البينة هي القرآن فأوصلنا هذا إلى قناعة، أن الشاهد الذي يتبع القرآن من المسلم أو من الله هو العقل والفطرة.

4 -

روى أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: كنت لا أسمع بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه، أو قال: تصديقه بالقرآن، فبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار» ، فجعلت أقول: أين مصداقه في كتاب الله؟ قال: وقلما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وجدت له تصديقا في القرآن، حتى وجدت هذه الآية. وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.

ولنعد إلى التفسير:

وَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبته الشريك والولد له أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ أي يحبسون في الموقف وتعرض أعمالهم وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أي ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على الله بأنه اتخذ ولدا وشريكا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أي الكاذبين على ربهم

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي يصرفون الناس عن دينه وَيَبْغُونَها أي يطلبون السبيل عِوَجاً أي معوجا، أو يصفون الطريق بالاعوجاج وهي مستقيمة، أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالارتداد وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ كررت (هم) لتأكيد كفرهم بالآخرة، واختصاصهم به، وفي الآية تعريف للظالمين بأنهم الذين يردون الناس عن اتباع الحق، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل، ويجنبونهم الجنة، ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة، ويجحدون بالآخرة، ويكذبون فيها

أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا أي ما كانوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي بمعجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، بل هم تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره مِنْ أَوْلِياءَ أي أنصار يمنعونهم من عذابه، أي لا أحد يتولاهم فينصرهم منه، ويمنعهم من عقابه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى ذلك اليوم.

وفي الصحيحين «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» يُضاعَفُ لَهُمُ

ص: 2545

الْعَذابُ لأنهم أضلوا الناس عن دين الله ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ للحق من فرط حقدهم وحسدهم وكبرهم وَما كانُوا يُبْصِرُونَ الحق، وهكذا اجتمع لهم الصمم عن الحق، والعمى عنه، فلفرط كراهيتهم للحق أصبحوا كأنهم عاجزون عن السماع والرؤية

أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لأنهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين وَضَلَّ عَنْهُمْ أي وغاب عنهم وذهب ما كانُوا يَفْتَرُونَ من زخرف قول، وباطل في العقائد وغيرها

لا جَرَمَ أي حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أخبر تعالى بهذه الآية عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة، لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المحتوم بسموم وحميم وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.

وبعد أن بين الله عز وجل حال الكافرين ختم المقطع ببيان حال المؤمنين والموازنة بينهم وبين الكافرين إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أي اطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع، فاجتمع لهم الإيمان والعمل الصالح والخشوع وهذه بمجموعها عبادة أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وهكذا بعد أن ذكر الأشقياء، ثنى بذكر السعداء: وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فآمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا، من الإيمان بالطاعات، وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض والسموات. وهم في ذلك خالدون لا يموتون، ولا يهرمون ولا يمرضون، ولا ينامون، ولا يتغوطون، ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون.

ثم ضرب الله تعالى مثلا للكافرين والمؤمنين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ أي الذين وصفهم أولا بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وشبه فريق المؤمنين بالبصير والسميع، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة، لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج؛ فلا يسمع ما ينتفع به، وأما المؤمن ففطن ذكي، لبيب، بصير بالحق، يميز بينه وبين الباطل، فيتبع

ص: 2546