الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ أي خبر الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ هل هذا خطاب من موسى عليه السلام لقومه أو خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة؟ ذهب ابن جرير إلى الأول ورجح ابن كثير الثاني؛ بسبب أن قصة عاد وثمود ليست في التوراة. فلو كان هذا من كلام موسى عليه السلام لقومه وقصصه عليهم لكانت هاتان القصتان في التوراة، هذه حجة ابن كثير في كون هذا الخطاب مستأنفا لهذه الأمة، وقد رأينا فيما نقلناه من كلام التوراة الحالية مما له علاقة في مقام الخطاب المذكور في الآيات السابقة ما يرجح ما ذهب إليه ابن كثير، وهذا من الأسباب التي حملتنا على نقل ما نقلناه قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ هذا تفسير للأمم التي أراد الله أن نتذكر أخبارها،
والمعنى أن هذه الأمم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات ومنها المعجزات فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أي أخذوا أناملهم بأسنانهم تعجيبا، أو عضوا عليها تغيظا، أو أنهم بهذه العملية أشاروا إلى الرسل يأمرونهم بالسكوت، أو أنهم ردوا أيديهم في أفواه الرسل كيلا يتكلموا، أو أنهم ردوا أيديهم إلى أفواههم من أجل ألا يجيبوا الرسل جوابا إيجابيا. ورجح ابن كثير قول مجاهد: وهو أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم، وعلى هذا القول يكون المعنى، فرد الأقوام أيادي الرسل أي نعمهم بأفواههم، أورد الأقوام قدراتهم وجعلوها في أفواههم بمعنى أن كل طاقاتهم سخروها للرد اللساني ابتداء وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ من الإيمان والتوحيد والعبادة وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ أي موقع في الريبة
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ الاستفهام للإنكار أي إن وجود الله وإلهيته لا يحتملان الشك لظهور الأدلة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقهما يَدْعُوكُمْ أي إلى الإيمان والعبادة لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي إذا آمنتم وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي
إلى وقت في الدنيا قد سماه وبين مقداره. قالُوا أي كل قوم من الأقوام المكذبة إِنْ أَنْتُمْ أي ما أنتم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أي لا فضل بيننا وبينكم، ولا فضل لكم علينا، فلم تخصون بالنبوة دوننا، وكيف نتبعكم ونحن متساوون معكم في البشرية؟
تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة بينة.
وقد جاءتهم رسلهم بالبينات وإنما أرادوا آية يقترحونها تعنتا
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ أي ما نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي صحيح أنا بشر مثلكم في البشرية وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أي بالرسالة والنبوة كما من علينا وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أي على وفق ما سألتم إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بعد سؤالنا إياه، وإذنه لنا في ذلك. والمعنى: أن الإتيان بالآية التي قد اقترحتموها ليس إلينا ولا باستطاعتنا، وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ في جميع أمورهم. هذا الأمر من الرسل للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم
ثم قال الرسل: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا أي وأي عذر في ألا نتوكل عليه وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين، وما يمنعنا من التوكل عليه وقد هدانا لأقوم الطرق وأوضحها وأبينها وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا أي من الكلام السيئ والأفعال السخيفة. وهذا من الرسل حلف على الصبر على أذى أقوامهم وألا يمسكوا عن دعائهم وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أفاد التكرار التثبيت على مقام التوكل. والمعنى: فليثبت المتوكلون على توكلهم.
وهنا لجأ الأقوام إلى التهديد بإخراج الرسل من أوطانهم ونفيهم: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أي من ديارنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا أي في ديننا أي ليكونن أحد الأمرين: إخراجكم أو عودكم، وحلفوا على ذلك فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا وعد من الله بإهلاك الظالمين واستخلاف المؤمنين إذا تحققوا بصفتين ذلِكَ أي الإهلاك والإسكان لِمَنْ خافَ مَقامِي أي موقفي وهو موقف الحساب، أو خاف قيامي عليه بالعلم وَخافَ وَعِيدِ أي عذابي، أي وعيدي، هذا لمن خاف مقامه بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي، والمعنى أن إهلاك الأعداء واستخلاف الأولياء منوطان بوجود التقوى
وَاسْتَفْتَحُوا أي واستنصر الرسل على أعدائهم، أو واستفتح الكفار على الرسل ظنا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل، أو واستنصر
الجميع الله وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ منهم أي بأن لم يفلح باستفتاحه وهم مكذبو الرسل، والجبار: هو المتجبر في نفسه، والعنيد: هو المعاند للحق، وكيف لا يخيب ويخسر حين يجتهد الأنبياء في الابتهال إلى الله ربهم العزيز المقتدر، ومع خيبة الجبارين المعاندين في الاستفتاح في الدنيا فإن أمامهم عذاب النار
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وراء هنا بمعنى أمام أي من أمام الجبار العنيد جهنم، أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلدا يوم المعاد، ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد، وهو إما وصف لحاله في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه، وهو على شفيرها، وإما وصف لحاله في الآخرة حين يبعث ويوقف وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ إذا ألقي في النار، والصديد هو ما يسيل من جلود أهل النار
يَتَجَرَّعُهُ أي يشربه جرعة جرعة أي يتغصصه ويتكرهه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أي ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة؟ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي إن أسباب الموت تأتيه من كل جهة، أو من كل مكان، وهذا تصوير لما يصيبه من الآلام، أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكا وَما هُوَ بِمَيِّتٍ لأنه لو مات لاستراح ولا راحة لهم بل عذاب وَمِنْ وَرائِهِ أي ومن بين يديه عَذابٌ غَلِيظٌ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله، أو أغلظ، أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ، أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر،
ثم ضرب الله مثلا لأعمال الكفار عامة الذين عبدوا معه غيره، وكذبوا رسله، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ هذه جملة على تقدير سؤال سائل يقول:
كيف مثلهم؟ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية، والمعنى: مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شئ فلم يجدوا شيئا، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة، فلا يقدرون على شئ من أعمالهم التي كسبوها
في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في مثل هذا اليوم، وأعمال الكفرة: المكارم التي كانت لهم، من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسرى، وإطعام الأضياف، وغير ذلك، شبهها الله في حبوطها- لبنائها على غير أساس الإيمان بالله تعالى ورسله- برماد طيرته الريح العاصف لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ أي لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شئ، أي لا يرون له أثرا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شئ ذلِكَ أي سعيهم وعملهم على