الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة» قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» . رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
وحتى الفرقة الناجية إذا حدث بغي وحسد فيما بين أبنائها حدثت فرقة. قال قتادة: أهل رحمة الله أهل الجماعة، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت ديارهم وأبناؤهم.
8 -
من الأسباب التى فهمناها من السورة، أن عذاب الاستئصال يمكن أن يصيب الكافرين كما يمكن أن يصيب قرى فسدت، ولم يبق فيها مصلحون، ومما فهمناه من السورة أن المختلفين في الكتاب يمهلون:
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ومن هاهنا نفهم سر بقاء فرق أهل الكتاب، كما نفهم سر بقاء الفرقة الإسلامية الضالة وعدم استئصالها. فذلك جزء من السنن الإلهية.
كلمة أخيره في سورة هود:
قلنا إن محور سورة هود من سورة البقرة، هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقد رأينا أن السورة في مقاطعها جميعا فصلت موضوع العبادة وما يدخل فيها وما ينبثق عنها، وما هي عاقبة أهلها وعاقبة المعرضين عنها، وكل ذلك على نسق عجيب تلتقي فيه البدايات بالنهايات وتنسجم الأواسط مع هذه البدايات والنهايات، وكل ذلك يجري على نسق واحد مع الوحدة القرآنية الشاملة، فتفصل سورة هود في محورها من سورة البقرة، وفيما ينسجم مع تفصيل سورة يونس لمحورها من سورة البقرة كذلك.
...........
جاء في سورة هود الدرس الأول، وفيه تقرير معان، ثم جاءت قصص توضح هذه المعاني، ثم جاء درس أخير وفيه تعقيبات وتوجيهات تنسجم مع الدرس الأول ومع قصص السورة.
يقول صاحب الظلال ذاكرا ما في الدرس الأخير من تعقيبات تنسجم مع مسرى السورة وسياقها: «والتعقيب الأول في هذا الدرس تعقيب مباشر على القصص:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ* وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ* وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
والتعقيب الثاني يتخذ مما نزل بالقرى من عذاب موحيا بالخوف من عذاب الآخرة الذي يعرض في مشهد شاخص من مشاهد يوم القيامة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ* وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ* يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.
يليه تعقيب آخر مستمد من عاقبة القرى، ومن مشهد القيامة، لتقرير أن المشركين الذين يواجههم محمد- صلى الله عليه وسلم شأنهم شأن من قبلهم في الحالين. وإذا كان عذاب الاستئصال لا يقع عليهم في الأرض، فذلك لكلمة سبقت من ربك إلى أجل، كما أجل العذاب لقوم موسى مع اختلافهم فيما جاءهم من كتاب. ولكن هؤلاء سيوفون أعمالهم على وجه التأكيد. فاستقم أيها الرسول على طريقتك أنت ومن تاب معك، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا وأشركوا، وأقم الصلاة واصبر، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ* وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
ثم عودة إلى القرون الخالية التي لم يكن فيها إلا قليل من الذين ينهون عن الفساد في الأرض. أما الكثرة فكانت ماضية فيما هي فيه، فاستحقت الهلاك. وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ، وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ* وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.
وكشف عن سنة الله في كون الناس مختلفين في مناهجهم واتجاهاتهم. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة. ولكن إرادته اقتضت إعطاء البشر قدرا من الاختيار: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
وفي النهاية يسجل السياق غرضا من أغراض هذا القصص هو تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمر الرسول أن يلقي للمشركين كلمته الأخيرة، ويكلهم إلى ما ينتظرهم من غيب الله. وأن يعبد الله ويتوكل عليه، ويدع له أخذ الناس بما يعملون: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ، وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ* وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ* وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ. فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
وبهذا ينتهي الكلام عن سورة هود عليه السلام، وهذا أوان الشروع في تفسير سورة يوسف عليه السلام.
***