الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطوال، أو محاور مجموعات الأقسام الأخرى من سورة البقرة ولو تباعدت في سورة البقرة، فإنها إذا وضعت بجانب بعضها فإنها تشكل كلا متكاملا.
لاحظ أن سورة يونس من هذه المجموعة فصلت في أول آية من سورة البقرة، وأن سورة هود فصلت في الآية (21) منها، ولكنك لو وضعت الآيتين بجانب بعضهما فإنك تجد الصلة قائمة:
الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
إن الصلة واضحة بين الآيتين، فبعد تقرير أن القرآن هدى للمتقين، يأتي نداء للناس جميعا أن يعبدوا الله وحده ليكونوا من المتقين، فإذا ما عرفنا أن سورة البقرة مدنية، وسورة هود- على القول الراجح- مكية كلها، أدركنا كم هي الأدلة كثيرة على أن هذا القرآن من عند الله.
نقول عن السورة:
قال الألوسي عن سورة هود:
(مكية على المشهور واستثنى منها بعضهم ثلاث آيات فَلَعَلَّكَ تارِكٌ أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ قال: إنها نزلت في المدينة).
وقال صاحب الظلال عن السورة: (هذه السورة مكية بجملتها خلافا لما ورد في المصحف الأميري من أن الآيات (12، 17، 114) فيها مدنية. ذلك أن مراجعة هذه الآيات في سياق السورة تلهم أنها تجئ في موضعها من السياق، بحيث لا يكاد يتصور خلو السياق منها بادئ ذي بدء. فضلا على أن موضوعاتها التي تقررها هي من صميم الموضوعات المكية المتعلقة بالعقيدة، وموقف مشركي قريش منها، وآثار هذا الموقف في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقلة المسلمة معه، والعلاج القرآني الرباني لهذه الآثار.
وعن وجه مناسبة سورة هود لسورة يونس يقول الألوسي:
(ووجه اتصالها بسورة يونس عليه السلام: أنه ذكر في سورة يونس قصة نوح عليه السلام مختصرة جدا مجملة، فشرحت في هذه السورة، وبسطت فيها ما لم تبسط في غيرها من السور، ولا سورة الأعراف على طولها، ولا سورة إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً
التي أفردت لقصته، فكانت هذه السورة شرحا لما أجمل في تلك السورة، وبسطا له، ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمطلع تلك، فإن قوله تعالى هنا: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظير قوله سبحانه هناك: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ بل بين مطلع هذه وختام تلك شدة ارتباط أيضا، حيث ختمت بنفي الشرك واتباع الوحي، وافتتحت هذه ببيان الوحي والتحذير من الشرك، وورد في فضلها ما ورد، فقد أخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله. والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم عن كعب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرءوا هود يوم الجمعة» ).
ومن تقديم صاحب الظلال لسورة هود ننقل هذه الفقرات:
(لقد نزلت السورة بجملتها بعد يونس. ونزلت يونس بعد الإسراء. وهذا يحدد معالم الفترة التي نزلت فيها؛ وهي من أحرج الفترات وأشقها كما قلنا في تاريخ الدعوة بمكة. فقد سبقها موت أبي طالب وخديجة، وجرأة المشركين على ما لم يكونوا ليجرءوا عليه في حياة أبي طالب).
(وبلغت الحرب المعلنة عليه وعلى دعوته أقسى وأقصى مداها؛ وتجمدت حركة الدعوة حتى ما يكاد يدخل في الإسلام أحد من مكة وما حولها .. وذلك قبيل أن يفتح الله على رسوله وعلى القلة المسلمة ببيعة العقبة الأولى ثم الثانية). أقول: ولذلك كان في السورة تسرية عنه عليه الصلاة والسلام.
(ويحتوي السياق ذلك القصص الطويل الذي يصدق ذلك الترغيب، والترهيب في حركة العقيدة على مدار التاريخ، من مصارع المكذبين ونجاة المؤمنين).
(ويحتوي بعض صور النفس البشرية في مواجهة الأحداث الجارية بالنعماء والبأساء، فيرفع للمكذبين المستعجلين بالعذاب، المتحدين للنذر في استهتار
…
يرفع لهم صور أنفسهم وهم في مواجهة ما يستعجلون به حين يحل بهم. وفي الحسرات التي تصيب أنفسهم على تقلب الأحداث بهم، وفوت النعمة وإفلاتها من أيديهم، وفي البطر والغرور والانخداع بكشف الضر وفيض النعمة من جديد).
(ويحتوي شيئا من مشاهد القيامة، وصور المكذبين فيها، ومواجهتهم لربهم الذي كذبوا بوحيه وتولوا عن رسله وما يجدونه يومئذ من خزي لا ينصرهم منه أرباب ولا شفعاء).
(ومن المؤثرات التي ترتجف لها القلوب ما يصوره السياق من حضور الله سبحانه واطلاعه على ما يخفي البشر من ذوات الصدور، بينما هم غارون لا يستشعرون حضوره سبحانه ولا علمه المحيط، ولا يحسون قهره للخلائق وإحاطته بها جميعا، وهم- الذين يكذبون- في قبضته كسائر الخلائق، من حيث لا يشعرون).
(ومن المؤثرات الموحية في سياق السورة كذلك، استعراض موكب الإيمان. بقيادة الرسل الكرام، على مدار الزمان. وكل منهم يواجه الجاهلية الضالة بكلمة الحق الواحدة الحاسمة الجازمة، في صراحة وفي صرامة، وفي ثقة وطمأنينة ويقين).
ولنبدأ عرض السورة.