المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولنعد إلى السياق: - الأساس في التفسير - جـ ٥

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌ قسم المئين

- ‌[المجموعة الأولى من القسم المئين]

- ‌كلمة في قسم المئين:

- ‌سورة يونس

- ‌كلمة في سورة يونس ومحورها:

- ‌القسم الأول من سورة يونس

- ‌مقدمة السورة والمقطع الأول من القسم الأول

- ‌ملاحظة حول طريقتنا في تفسير ما سيأتي من القرآن:

- ‌كلمة بين يدي الآيات:

- ‌المعنى الحرفي لمقدمة السورة وللمقطع الأول من القسم الأول فيها:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ملاحظة:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الرابعة

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌ المجموعة الخامسة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السادسة

- ‌فائدة:

- ‌ كلمة حول السياق

- ‌المقطع الثاني من القسم الأول

- ‌المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌كلمة في السياق:

- ‌السؤال الأول وجوابه:

- ‌السؤال الثاني وجوابه:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثاني من سورة يونس عليه السلام

- ‌المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌كلمة بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في القصة القرآنية:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة حول السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة في هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثالث: وهو خاتمة السورة

- ‌كلمة في هذا القسم:

- ‌ الفقرة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌ الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في سورة يونس:

- ‌سورة هود

- ‌ما ورد فيها:

- ‌كلمة في سورة هود ومحورها:

- ‌نقول عن السورة:

- ‌المقدمة والمقطع الأول:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌تفسير المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية

- ‌تفسير المجموعة الثالثة

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌نقل عن الظلال حول قصة صالح عليه السلام

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ في الإصحاح الثامن عشر

- ‌وفي الإصحاح التاسع عشر:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الرابع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌نقول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الخامس

- ‌بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المقطع السادس

- ‌بين يدي المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيره في سورة هود:

- ‌سورة يوسف

- ‌نقل عن الألوسي في سورة يوسف عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة يوسف ومحورها:

- ‌مقدمة سورة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المشهد الأول

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثالث من قصة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ملاحظات:

- ‌ المشهد الرابع

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌نقل عن الظلال:

- ‌المشهد الخامس

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌المشهد السادس

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌مختارات من تعليقات صاحب الظلال على قصة يوسف:

- ‌كلمة في السياق

- ‌خاتمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سورة يوسف:

- ‌سورة الرعد

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة الرعد:

- ‌كلمة في سورة الرعد ومحورها في السياق القرآني العام:

- ‌المقدمة:

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌التفسير:

- ‌المقطع الأول

- ‌التفسير:

- ‌الموقف الأول:

- ‌الموقف الثاني:

- ‌الموقف الثالث:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من سورة الرعد

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌المقطع الثالث والأخير من سورة الرعد

- ‌ملاحظة حول المضمون والسياق:

- ‌تفسير المقطع الثالث:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في محل سورة الرعد:

- ‌سورة إبراهيم

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة إبراهيم عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌الإصحاح التاسع والعشرون

- ‌الإصحاح الثلاثون

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الرابعة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الخامسة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة السادسة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السابعة

- ‌التفسير:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الثامنة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌خاتمة السورة

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 52]

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم:

- ‌كلمة في المجموعة الأولى من قسم المئين:

الفصل: ‌ولنعد إلى السياق:

ضل، وهنا يبين سبب هدايته لمن اهتدى، وهناك فصل في صفات من استحق الإضلال حتى لا تلتبس الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ .... وهنا بين صفات من يستحقون الهداية الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ومن ثم ندرك كيف أن سورة الرعد تفصيل لمحورها من سورة البقرة، ولكنه ليس التفصيل المعتاد في طرائق البشر أو الداخل تحت طوقهم، ولكنه تفصيل معجز لا يمكن أن يكون إلا من الله المحيط علما بكل شئ، فإذا ما عرفنا أن سورة البقرة مدنية، وسورة الرعد مكية على القول الراجح: وإذا ما رأينا أن سورة البقرة جعلت في أول القرآن ثم جاءت السور الأخرى مفصلة على هذه الشاكلة المعجزة .... مع كون هذا القرآن نزل مفرقا منجما على رجل أمي في أمة أمية، إن هذا وحده كاف للتدليل على أنه من عند الله، فكيف إذا كان هذا واحدا من مظاهر إعجازه، وكيف إذا كان إعجازه واحدا من معجزاته؟ نسأل الله ألا يضلنا، ونسأله أن يتوفانا على كمال الإيمان وأن يلحقنا بالصالحين.

‌ولنعد إلى السياق:

لقد وصف الله عز وجل من يستحق هدايته بأنه من أناب أي رجع إلى الله واستعان به وتضرع إليه، ثم وصف هؤلاء فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كالتسبيح والتهليل والاستغفار أو بالقرآن، فقلوبهم تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيرا أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أي بسبب ذكره تطمئن قلوب المؤمنين،

ثم بشر أهل الإيمان فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ أي أصابوا خيرا وطيبا وَحُسْنُ مَآبٍ أي وحسن مرجع.

وهكذا بين الله عز وجل من يستحق هدايته وبشرهم، وفي ذلك رد على الكافرين الذين يقترحون الآيات، وإقامة حجة عليهم أن ضلالهم ليس بسبب عدم كفاية الآيات؛ بل لمرض فيهم وقصور عندهم عن الخير، ذلك هو أول رد عليهم، وفيما يأتي من المقطع ردود أخرى كما سنرى:

كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أي مثل ذلك الإرسال أرسلناك، إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات، وقد فسر كيف أرسله بقوله فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم، وأنت خاتم الأنبياء لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي لتقرأ عليهم الكتاب العظيم فتبلغهم رسالة الله وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ

ص: 2755

أي بعثناك وحال هذه الأمة أنهم يكفرون بالرحمن الذي هو البليغ الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شئ، فهم يكفرون بالرحمن ولا يقرون به، ويأنفون من وصف الله به كما أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوابسم الله الرحمن الرحيم، وقالوا ما ندري ما الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي هذا الذي تكفرون به أنا مؤمن به، معترف له مقر بالربوبية والألوهية هو ربي لا إله إلا هو عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي في جميع أموري وَإِلَيْهِ مَتابِ أي وإليه أرجع وأنيب فإنه لا يستحق ذلك أحد سواه

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أي عن مقارها أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ حتى تتصدع وتتزايل قطعا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن؛ لكونه غاية في التذكير، ونهاية في الإنذار والتخويف، قال ابن كثير في تفسيرها: (أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك، لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورة من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون جاحدون له.» اه

ويحتمل أن يكون المعنى: ولو أن قرآنا وقع به تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى، وتنبيئهم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه، وإنما حذف الجواب ليذهب الفكر أكثر من مذهب، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث كما بعث غيره من الرسل، وتلا هذا القرآن، وكان القرآن بهذه المثابة، فأي آية يطلب الكافرون ليؤمنوا.؟!

قال صاحب الظلال (ولقد صنع هذا القرآن في النفوس التي تلقته وتكيفت به أكثر من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وإحياء الموتى، لقد صنع في هذه النفوس خوارق أضخم وأبعد آثارا في أقدار الحياة بل أبعد أثرا في شكل الأرض ذاته فكم غير الإسلام والمسلمون من وجه الأرض- إلى جانب ما غيروا من وجه التاريخ؟

إن طبيعة هذا القرآن ذاتها. طبيعته في دعوته وفي تعبيره. طبيعته في موضوعه وفي أدائه، طبيعته في حقيقته وفي تأثيره .. إن طبيعة هذا القرآن لتحتوي على قوة خارقة نافذة يحسها كل من له ذوق وبصر وإدراك للكلام، واستعداد لإدراك ما يوجه إليه ويوحي به، والذين تلقوه وتكيفوا به سيروا ما هو أضخم من الجبال، وهو تاريخ الأمم والأجيال، وقطعوا ما هو أصلب من الأرض، وهو جمود الأفكار وجمود التقاليد.

ص: 2756

وأحيوا ما هو أحمد من الموتى، وهو الشعوب التي قتل روحها الطغيان والأوهام، والتحول الذي تم في نفوس العرب وحياتهم فنقلهم تلك النقلة الضخمة دون أسباب ظاهرة إلا فعل هذا الكتاب ومنهجه في النفوس والحياة أضخم بكثير من تحول الجبال عن رسوخها. وتحول الأرض عن جمودها وتحول الموتى عن الموات) اهـ.

بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أي مرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومن يضلل الله فلا هادي له، ومن يهد الله فلا مضل له، وإذ كان الأمر كذلك فلا يستغرب المؤمنون عدم إيمان الكافرين، ومن ثم قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أي من إيمان جميع الخلق، ويعلموا أو يتبينوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ولكنه جل جلاله له يهدي إلا من يستحق الهداية، وسبقت له من الله العناية. وقد استعمل اليأس في الآية بمعنى العلم لتضمنه معناه؛ لأن اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون، كما استعمل النسيان في معنى الترك لتضمنه ذلك، وإذن فطلب هؤلاء الآية ليهتدوا ليس في محله، إذ الآية موجودة، والطريق إلى الإيمان معروف، وما عليهم إلا أن يسلكوا وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أي داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت، من صنوف البلايا والمصائب، في نفوسهم وأولادهم وأموالهم أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ أي أو تحل القارعة قريبا منهم فيفزعون ويتطاير عليهم شررها، ويتعدى إليهم شرورها، والمعنى:

لا تزال القوارع تصيب الكافرين بسبب تكذيبهم، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا، وهذا وحده آية مستمرة لمن كان له قلب، فكيف يطلبون الآيات، ثم بين الله عز وجل استمرار إنزاله القوارع بالكافرين ومن حولهم فقال حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ أي يوم القيامة إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ أي لا خلف في موعده.

وبهذا تم الرد الثاني على اقتراح الكافرين آية، وكما توجه الخطاب في الرد الأول والثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ .. كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فإن الرد الثالث يبدأ بتوجيه الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك. وفي الرد الثالث تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له.

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أي فلك فيهم أسوة وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه واقتراحهم عليه الآيات فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي أنظرتهم وأجلتهم ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ قال النسفي: (وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 2757

استهزاء به، وتسلية) فقد فهم النسفي إذن أن هذا رد على اقتراحهم المذكور في بداية هذا المقطع، فطلب الآية فيه التنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بصدقه، ومن ثم لفت الله نظرهم إلى هذا، ولفت نظرهم إلى ما أنزله الله من عقوبات بأمثالهم ليريهم خطأ هذا الذي هم عليه، وأنه إن كانت سنته الإملاء، فسنته بعد الإملاء الأخذ، وفي ذلك تهديد ووعيد ورد،

ثم تأتي الآية اللاحقة وفيها ذكر قيوميته تعالى، وذكر استحقاقهم العقوبة بشركهم، وذكر سنته فيمن يريد إضلاله، وفي ذلك آيات لمريد الإيمان:

أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ أي حفيظ عليم رقيب عَلى كُلِّ نَفْسٍ صالحة أو طالحة بِما كَسَبَتْ من خير أو شر لا تخفى عليه خافية، والتقدير: أفمن هو كذلك هل هو كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ولا تملك نفعا لأنفسها ولا لعابديها ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وقد حذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو ما يأتي وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أي أصناما وأندادا وأوثانا قُلْ سَمُّوهُمْ أي أعلمونا بهم، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا، فإنهم لا حقيقة لهم، ولذلك قال:

أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أي بل أئنبّئونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض، وهو العالم بما في السموات والأرض فإذا لم يعلمهم، علم أنهم ليسوا بشيء، والمراد نفي أن يكون له شركاء، والمعنى: أتخبرونه في حالة تسميتهم آلهة بما لا وجود له؛ لأنه لو كان لها وجود في الأرض لعلمها، لأنه لا تخفى عليه خافية أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، فأي سخف هذا السخف؟ أن يعطى لشئ اسم ليس له حقيقة، ويعامل على أساس أن اسمه حقيقة بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ أي كيدهم للإسلام، أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ أي عن سبيل الله، فالله لا يوفقهم لسلوك سبيله جزاء لهم على ما هم عليه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أي من أحد يقدر على هدايته، وفي هاتين الآيتين رد ضمني على اقتراحهم الآيات بإقامة الحجة عليهم

ببطلان ما هم فيه، من تسويتهم الله بخلقه، وسيرهم في غير طريقه، وصدهم عن سبيله، فاستمرارهم على ما هم عليه من الباطل، ورفضهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه الدليل على سفههم، وقد علمنا من خلال العرض سببا من أسباب استحقاق الإنسان الضلال، وهو اتخاذه لله شريكا،

وبعد إقامة الحجة يأتي الإنذار: لَهُمْ أي الكافرين عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بالقتل والأسر بأيدي المؤمنين، أو بأنواع المحن والبلايا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أي المدخر لهم أَشَقُّ أي

ص: 2758

أشد من عذاب الدنيا بكثير، لدوامه وشدته، فإن عذاب الدنيا له انقضاء وذاك دائم أبدا، ونار جهنم بالنسبة إلى نار الدنيا سبعون ضعفا، وفيها من صنوف العذاب الكثير: وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي من حافظ من عذابه،

ثم تأتي بشارة لأهل التقوى وإنذار لأهل الكفر بآية واحدة مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي صفتها ونعتها أُكُلُها دائِمٌ أي ثمرها دائم الوجود لا ينقطع وَظِلُّها أي دائم لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس ففواكهها ومطاعمها ومشاربها وروحها كل ذلك لا انقطاع ولا فناء تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الجنة الموصوفة عقبى المتقين أي منتهى أمرهم وَعُقْبَى أي ومنتهى أمر الْكافِرِينَ النَّارُ نعوذ بالله من ذلك.

ثم يستكمل الرد الثالث على اقتراح الآيات بآيتين فيهما رد ضمني على الاقتراح، وفيهما رد على نوع آخر من الكافرين وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وهم قائمون بمقتضاه يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به كفرح النجاشي وقسيسيه بالقرآن يوم قرأه عليهم جعفر وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي ومن أحزابهم- وهم كفرتهم الذين يتحزبون ضد هذا الدين- من ينكر بعضه ويقر بعضه، كما يفعل المبشرون والمستشرقون في عصرنا، لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم، ولكنهم يجعلونه مستمدا من كتبهم، وينكرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع، ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء جميعا قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ ومن كان مضمون الوحي الذي أنزل إليه ذلك، فذلك دليل على أنه حق، والإنكار له إنكار لعبادة الله وتوحيده إِلَيْهِ أَدْعُوا أي إلى الله أدعو وَإِلَيْهِ أي وإلى الله لا إلى غيره مَآبِ أي مرجعي، وإذ كان هذا دأبي وعملي ودعوتي، فكيف ترد هذه الدعوة وتكفر، وهي دعوة كل رسول

ومن ثم قال: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا أي حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، والمعنى- كما قال ابن كثير:- (وكما أرسلنا قبلك المرسلين، وأنزلنا عليهم الكتب من السماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا شرفناك به، وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي) وقال النسفي في معناها: (ومثل ذلك الإنزال أنزلناه، مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده، والدعوة إليه وإلى دينه، والإنذار بدار الجزاء) فإذا كان مضمون هذا الوحي كمضمون كل وحي سابق، فكيف ينكر هذا الدين، وكيف يكفر بهذا الرسول!، وهكذا قامت الحجة على مقترحي الآيات في هاتين الآيتين مرتين، مرة بموقف قسم من أهل

ص: 2759

الكتاب من هذه الرسالة، ومرة بمضمونها بعد أن بدأ الرد الثالث بتسفيه ما هم عليه، وعلى هذا فإن الرد الثالث كان ردا بالمضمون، المضمون الباطل الذي هم عليه، والمضمون الحق الذي هو هذه الدعوة، فمن أين يحق لهم بعد هذا أن يطلبوا آية، وفي ثنايا الرد على مقترحي الآيات رد على أحزاب أهل الكتاب الكافرين بوحدة رسالات الله، ووحدة مضمونها الظاهرين في هذه الدعوة، ثم ختم الله الرد الثالث بتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق الموحى إليه، وأن عليه ألا يبالي باقتراحاتهم وإنكارهم ومجادلاتهم فقال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ أي آراءهم بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الثابت من الله المؤيد بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ أي من ناصر ينصرك وَلا واقٍ يقيك منه، وهذا من باب التهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين، وألا يزلزل المؤمن عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة، وإلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الثبات بمكان، وفيه وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة، بعد ما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والحجة المحمدية، وبهذا انتهى الرد الثالث في سياق هذا المقطع على مقترحي الآيات ليأتي الرد الرابع:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لاحظ قوله تعالى أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ ولاحظ ما ذكرناه من أن هذه المجموعات كلها رد على قول الكافرين في الآية الثانية من هذا المقطع: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ تجد ارتباطا بين المجموعة الجديدة، وسياق المقطع وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ فلست بدعا من الرسل، بل أنت واحد منهم، يجري عليك ما يجري عليهم وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً أي نساء وأولادا لأنهم بشر وهم قدوة، وفي ذلك رد على التصورات الخاطئة في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ليس في وسعه إتيان الآيات على ما يقترحه قومه؛ وإنما ذلك إلى الله لِكُلِّ أَجَلٍ أي لكل وقت، أو لكل زمن، أو لكل مدة كِتابٌ ينزله الله عز وجل ليحكم هذه المدة، ويفرض على أهل هذا الزمن اتباعه، فالتوراة والزبور والإنجيل لزمن، وهذا القرآن لباقي الزمان

ومن ثم قال الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ أي يمحو الله ما يشاء منها فينسخه، ويثبت ما شاء منها فيقبضه، حتى نسخت كلها بالقرآن الحكيم الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أي وعند الله أُمُّ الْكِتابِ أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه فهو الذي

ص: 2760

يحكم الأزمنة كلها

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ أي في كل الأحوال سواء أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم، أو توفيناك قبل ذلك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أي فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب وَعَلَيْنَا الْحِسابُ أي وعلينا حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم لا عليك؛ فلا يهمنك إعراضهم، ولا تستعجل بعذابهم، وهكذا واسى

الله رسوله صلى الله عليه وسلم وذكره بما يجب عليه، وأقام الحجة على الكافرين المقترحين للآيات، بأن ذلك إلى الله، وأنه يكفيهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم له خصائص الرسل، وتظهر فيه سنة الله في إنزاله الكتب لكل زمان، ويكون محمد عليه الصلاة والسلام قد أنزل عليه الكتاب الحاكم لبقية الزمان، وهو رد على مقترحي الآيات، ورد على الكافرين من أهل الكتاب،

ثم تأتي آية تقيم عليهم الحجة، وترد عليهم من خلال لفت نظرهم إلى آية واقعة، وهي التوسع الدائم لدار الإسلام على حساب دار الكفر، فذلك تأييد من الله فيه معنى الآية، وهو الذي تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ أي أرض الكفر نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بما نفتح على المسلمين من بلادهم، فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات النصرة والغلبة، وعلامات التوفيق، فما أكثر الآيات إذن وهم يطلبون آية، فما يطلبونه موجود، وطلب المزيد دون رؤية الموجود لا يفيد وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أي لا راد لحكمه إذ المعقب هو الذي يكر على الشئ فيبطله، وقد حكم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ودينه بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس، فلا أحد يستطيع أن يحول دون هذا، ولقد كان هذا كله مما هو مذكور في التاريخ من غلبة المسلمين على قلة العدد والعدد، واندحار الكفر على كثرة العدد والعدد، وحيث أقام المسلمون دينهم كان لهم هذا وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا، بتسليط المؤمنين عليهم بالقهر والغلبة، وفي هذا السياق- سياق التبشير بانتشار الإسلام- يذكرنا الله عز وجل بالمكر الهائل الذي يقابل به أعداء الله هذا الدين، فيبشر المؤمنين ويقوي ثقتهم به جل جلاله

وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر: إرادة المكروه في خفية فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً وإذ كان الأمر كذلك فمكرهم لا قيمة له، ثم فسر كيف أن المكر له جميعا بقوله: يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ لأن من علم ما تكسب كل نفس هو وحده الذي له المكر كله وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ أي لمن العاقبة المحمودة، أي لمن تكون الدائرة والعاقبة، لهم أو لأتباع الرسل؟ إنها لأتباع الرسل في الدنيا

ص: 2761