الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السورة التي هي فيها. وفي كل مرة نرى شيئا ما جديدا ولنمض في سياق السورة لنرى قصة هود عليه السلام مع قومه وهي تؤدي نفس ما أدته القصة السابقة مع زيادات.
تفسير المجموعة الثانية
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا والآية معطوفة على قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ .. قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي اعرفوه ووحدوه وأطيعوه ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ فهو وحده الإله وهو وحده المستحق للعبادة إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ أي كاذبون بتسمية غيره إلها وإعطاء غيره حقوق الألوهية
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أي على الله وكل رسول قد واجه قومه بهذا القول، لأن شأنهم النصيحة، والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع، وما دام شئ من المطامع يتوهم فيها لم تنجع ولم تنفع أَفَلا تَعْقِلُونَ إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من الله وهو ثواب الآخرة، ولا شئ أنفى للتهمة من ذلك
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ عما سلف من كفركم وذنوبكم بالإيمان به والإخبات له ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ عما يستقبل ويحتمل يُرْسِلِ السَّماءَ أي المطر عَلَيْكُمْ مِدْراراً أي كثيرة الدرور وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ إن قوة مال، أو قوة جسد، أو قوة عامة للمجموع وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ أي لا تعرضوا عني وعما أدعوكم إليه مصرين على إجرامكم وآثامكم. وهكذا دعا هود قومه إلى العبادة والاستغفار، وهي دعوة القرآن التي سجلتها بداية سورة هود، وهذا يؤكد وحدة السورة، ووحدة الدعوة الإسلامية في كل العصور، ويؤكد صلة سورة هود بمحورها،
قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وهذه دعوى منهم وكذب؛ فما من رسول إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر. ولكنه الكذب والجحود وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ أي وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك، أي لن نتركهم بمجرد قولك اتركوهم وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ أي وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه؛ إقناطا له من الإجابة
إِنْ نَقُولُ أي ما نقول إِلَّا اعْتَراكَ أي أصابك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أي بجنون وخبل. والتقدير:
ما نقول قولا إلا هذه المقالة، أي قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء أى: ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك، بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ أي من إشراككم آلهة من
دونه والمعنى: إني أشهد الله أني برئ من جميع الأنداد والأصنام، واشهدوا أنتم أيضا أني برئ من ذلك فَكِيدُونِي جَمِيعاً أي أنتم وآلهتكم ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ أي لا تمهلون فإني لا أبالي بكم وبكيدكم، ولا أخاف مضرتكم، وإن تعاونتم علي، وكيف تضرني آلهتكم وما هي إلا جماد لا يضر ولا ينفع؟! وكيف تنتقم مني إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبلني وتذهب بعقلي؟! وكيف أخاف منكم والله ربي؟! وفي هذا التحدي معجزة
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي هي تحت قهره وسلطانه فهو مالكها، ذكر توكله على الله، وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم، ووصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، ومن كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية:
وهي مقدم الرأس تمثيل لذلك إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي إن ربي على الحق لا يعد عنه أو إن ربي يدل على صراط مستقيم
فَإِنْ تَوَلَّوْا أي إن تتولوا أي تعرضوا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ أي فإن تتولوا عما جئتكم به من عبادة الله وحده والتوبة إليه، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها، فقوله فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم يفيد في طيه أنه قد ثبتت الحجة عليكم وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ أي ويهلككم الله، ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم وَلا تَضُرُّونَهُ بتوليكم شَيْئاً من ضرر بل يعود وبال ذلك عليكم إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي رقيب مهيمن، فما تخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم، فهو شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم، ويجزيهم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ومن كان رقيبا على الأشياء كلها، حافظا لها، كانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار، ولا يضر مثلكم مثله
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا وهو الريح العقيم فأهلكهم الله عن آخرهم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا أي بفضل منا لا بعملهم، أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ تكرار نجينا للتأكيد، أو إن المراد بالعذاب الغليظ عذاب الآخرة، ولا عذاب أغلظ منه
وَتِلْكَ عادٌ في هذا التعبير إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ أي كفروا بها وَعَصَوْا رُسُلَهُ جعلهم عاصين لجميع الرسل لأن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الرسل وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل، تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيامَةِ لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هذا التعبير يفيد تهويل أمرهم، ويبعث على الاعتبار بهم، والحذر من مثل حالهم، والدعاء (ببعدا) بعد هلاكهم- وهو دعاء بالهلاك- للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له. وقوله لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ ذكر النسفي أن فيه فائدة هي أن عادا عادان: عاد الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى إرم. وهكذا تنتهي القصة الثانية في هذا المقطع، وهي قصة هود لتؤدي دورها في سياق السورة بالتمثيل لعاقبة الذين يتركون دعوة الرسول إياهم لعبادة الله، وتعرض لنا نوعا من الشبه التي استقبلت بها الدعوة إلى عبادة الله، والرد عليها، وبطلانها.
قال صاحب الظلال تعقيبا على قصة هود فى السورة: (ونقف وقفات قصيرة أمام ما تلهمه قصة هود مع قومه في سياق هذه السورة .. نقف أمام الدعوة الواحدة الخالدة على لسان كل رسول وفي كل رسالة .. دعوة توحيد العبادة والعبودية لله، المتمثلة فيما يحكيه القرآن الكريم عن كل رسول: قالَ: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ولقد كنا دائما نفسر «العبادة» لله وحده بأنه «الدينونة الشاملة» لله وحده.
فى كل شأن من شئون الدنيا والآخرة. ذلك أن هذا هو المدلول الذي تعطيه اللفظة في أصلها اللغوي.
…
ونقف أمام الحقيقة التي كشف عنها هود لقومه وهو يقول لهم: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ .. وهي ذات الحقيقة التي ذكرت في مقدمة السورة بصدد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه بمضمون الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وذلك في قوله تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
إنها حقيقة العلاقة بين القيم الإيمانية والقيم الواقعية فى الحياة البشرية، وحقيقة اتصال طبيعة الكون ونواميسه الكلية بالحق الذي يحتويه هذا الدين .. وهي حقيقة في حاجة إلى جلاء وتثبيت، وبخاصة في نفوس الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، والذين لم تصقل أرواحهم وتشف حتى ترى هذه العلاقة أو على الأقل تستشعرها.