المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقول من الظلال: - الأساس في التفسير - جـ ٥

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌ قسم المئين

- ‌[المجموعة الأولى من القسم المئين]

- ‌كلمة في قسم المئين:

- ‌سورة يونس

- ‌كلمة في سورة يونس ومحورها:

- ‌القسم الأول من سورة يونس

- ‌مقدمة السورة والمقطع الأول من القسم الأول

- ‌ملاحظة حول طريقتنا في تفسير ما سيأتي من القرآن:

- ‌كلمة بين يدي الآيات:

- ‌المعنى الحرفي لمقدمة السورة وللمقطع الأول من القسم الأول فيها:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌ملاحظة:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثالثة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الرابعة

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌ المجموعة الخامسة

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السادسة

- ‌فائدة:

- ‌ كلمة حول السياق

- ‌المقطع الثاني من القسم الأول

- ‌المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة الثانية

- ‌كلمة في السياق:

- ‌السؤال الأول وجوابه:

- ‌السؤال الثاني وجوابه:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثاني من سورة يونس عليه السلام

- ‌المقطع الأول من القسم الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من القسم الثاني

- ‌كلمة بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في القصة القرآنية:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة حول السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث من القسم الثاني

- ‌كلمة في هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌القسم الثالث: وهو خاتمة السورة

- ‌كلمة في هذا القسم:

- ‌ الفقرة الأولى

- ‌فوائد:

- ‌ الفقرة الثانية:

- ‌كلمة في سورة يونس:

- ‌سورة هود

- ‌ما ورد فيها:

- ‌كلمة في سورة هود ومحورها:

- ‌نقول عن السورة:

- ‌المقدمة والمقطع الأول:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فائدة

- ‌فوائد:

- ‌ولنعد إلى التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني

- ‌المجموعة الأولى

- ‌المجموعة الثانية

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌تفسير المجموعة الأولى

- ‌فائدة:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌تفسير المجموعة الثانية

- ‌تفسير المجموعة الثالثة

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌نقل عن الظلال حول قصة صالح عليه السلام

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الثالث

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ في الإصحاح الثامن عشر

- ‌وفي الإصحاح التاسع عشر:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المقطع الرابع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌نقول:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الخامس

- ‌بين يدي هذا المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المقطع السادس

- ‌بين يدي المقطع:

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة أخيره في سورة هود:

- ‌سورة يوسف

- ‌نقل عن الألوسي في سورة يوسف عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة يوسف ومحورها:

- ‌مقدمة سورة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المشهد الأول

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثاني

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ المشهد الثالث من قصة يوسف عليه السلام

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌ملاحظات:

- ‌ المشهد الرابع

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌نقل عن الظلال:

- ‌المشهد الخامس

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌المشهد السادس

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌مختارات من تعليقات صاحب الظلال على قصة يوسف:

- ‌كلمة في السياق

- ‌خاتمة السورة

- ‌التفسير:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌نقول من الظلال:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في سورة يوسف:

- ‌سورة الرعد

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة الرعد:

- ‌كلمة في سورة الرعد ومحورها في السياق القرآني العام:

- ‌المقدمة:

- ‌[سورة الرعد (13): آية 1]

- ‌التفسير:

- ‌المقطع الأول

- ‌التفسير:

- ‌الموقف الأول:

- ‌الموقف الثاني:

- ‌الموقف الثالث:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المقطع الثاني من سورة الرعد

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌الفوائد:

- ‌المقطع الثالث والأخير من سورة الرعد

- ‌ملاحظة حول المضمون والسياق:

- ‌تفسير المقطع الثالث:

- ‌ملاحظة حول السياق:

- ‌ولنعد إلى السياق:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في محل سورة الرعد:

- ‌سورة إبراهيم

- ‌قال الألوسي في تقديمه لسورة إبراهيم عليه السلام:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم ومحورها:

- ‌المجموعة الأولى

- ‌التفسير:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الثانية

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌الإصحاح التاسع والعشرون

- ‌الإصحاح الثلاثون

- ‌كلمة في السياق:

- ‌المجموعة الثالثة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الرابعة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة الخامسة

- ‌التفسير:

- ‌نقل:

- ‌فوائد:

- ‌المجموعة السادسة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌كلمة في السياق:

- ‌ المجموعة السابعة

- ‌التفسير:

- ‌الفوائد:

- ‌المجموعة الثامنة

- ‌التفسير:

- ‌فوائد:

- ‌خاتمة السورة

- ‌[سورة إبراهيم (14): آية 52]

- ‌التفسير:

- ‌فائدة:

- ‌كلمة في سورة إبراهيم:

- ‌كلمة في المجموعة الأولى من قسم المئين:

الفصل: ‌نقول من الظلال:

طعاما. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل).

وفي الإصحاح السابع: (وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه. وتكاثرت جدا على الأرض فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء. خمسة عشر ذراعا في الارتفاع تعاظمت المياه. فتغطت الجبال، فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض. من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس.

كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. من الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء. وانمحت من الأرض.

وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط. وتعاظمت على الأرض مائة وخمسين يوما).

وفي الإصحاح الثامن: (وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه. وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء. فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا. وبعد مائة وخمسين يوما نقصت المياه. واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر. وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رءوس الجبال.

وحدث من بعد أربعين يوما أن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها. وأرسل الغراب. فخرج مترددا حتى انشقت المياه عن الأرض. ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها. فرجعت إليه إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك، فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض.

فلبث أيضا سبع أيام أخر وأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه أيضا).

وفي الإصحاح التاسع: (وبارك الله نوحا وبنيه وقال لهم أثمروا واكثروا واملئوا الأرض).

‌نقول من الظلال:

إن قوم نوح- عليه السلام هؤلاء الذين شهدنا مدى جاهليتهم، ومدى إصرارهم على باطلهم، ومدى استنكارهم لدعوة الإسلام الخالص التي حملها نوح- عليه السلام إليهم، وخلاصتها: التوحيد الخالص الذي يفرد الله- سبحانه-

ص: 2563

بالدينونة والعبودية، ولا يجعل لأحد معه صفة الربوبية.

إن قوم نوح هؤلاء .. هم ذرية آدم .. وآدم- كما نعلم من قصته في سورة الأعراف من قبل وفي سورة البقرة كذلك- قد هبط إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها- وهي المهمة التي خلقه الله لها وزوده بالكفايات والاستعدادات اللازمة لها- بعد أن علمه ربه كيف يتوب من الزلة التي زلها، وكيف تلقى من ربه كلمات فتاب عليه بها. وكيف أخذ عليه ربه العهد والميثاق- هو وزوجه وبنوه- أن «يتبع» ما يأتيه من هدى الله، ولا يتبع الشيطان وهو عدو بنيه إلى يوم الدين.

وإذن فقد هبط آدم إلى الأرض مسلما لله متبعا هداه. وما من شك أنه علم بنيه الإسلام جيلا بعد جيل، وأن الإسلام كان هو أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض، حيث لم تكن معها عقيدة أخرى. فإذا نحن رأينا قوم نوح- وهم من ذرية آدم بعد أجيال لا يعلم عددها إلا الله- قد صاروا إلى هذه الجاهلية التي وصفتها القصة في هذه السورة. فلنا أن نجزم أن هذه الجاهلية طارئة على البشرية بوثنيتها وأساطيرها وخرافاتها وأصنامها وتصوراتها وتقاليدها جميعا. وأنها انحرفت عن الإسلام إليها بفعل الشيطان المسلط على بني آدم؛ وبفعل الثغرات الطبيعية في النفس البشرية. تلك الثغرات التي ينفذ منها عدو الله وعدو الناس، كلما تراخوا عن الاستمساك بهدى الله، واتباعه وحده، وعدم اتباع غيره معه في كبيرة ولا صغيرة .. ولقد خلق الله الإنسان ومنحه قدرا من الاختيار- هو مناط الابتلاء- وبهذا القدر يملك أن يستمسك بهدى الله وحده فلا يكون لعدوه من سلطان عليه، كما يملك أن ينحرف- ولو قيد شعرة- عن هدى الله إلى تعاليم غيره، فيجتاله الشيطان حتى يقذف به- بعد أشواط- إلى مثل تلك الجاهلية الكالحة التي انتهت إليها ذراري آدم- النبي المسلم- بعد تلك الأجيال التي لا يعلمها إلا الله.

وهذه الحقيقة .. حقيقة أن أول عقيدة عرفت في الأرض هي الإسلام القائم على توحيد الدينونة والربوبية والقوامة لله وحده .. تقودنا إلى رفض كل ما يخبط فيه من يسمونهم (علماء الأديان المقارنة) وغيرهم من التطوريين الذين يتحدثون عن التوحيد بوصفه طورا متأخرا من أطوار العقيدة، سبقته أطوار شتى من التعدد والتثنية للآلهة.

ومن تأليه القوى الطبيعية وتأليه الأرواح، وتأليه الشموس والكواكب .. إلى آخر ما تخبط فيه هذه «البحوث» التي تقوم ابتداء على منهج موجه بعوامل تاريخية ونفسية

ص: 2564

وسياسية معينة؛ يهدف إلى تحطيم قاعدة الأديان السماوية والوحي الإلهي والرسالات من عند الله وإثبات أن الأديان من صنع البشر، وأنها من ثم تطورت بتطور الفكر البشري على مدار الزمان. وينزلق بعض من يكتبون عن الإسلام مدافعين، فيتابعون تلك النظريات التي يقررها الباحثون في تاريخ الأديان- وفق ذلك المنهج الموجه- من حيث لا يشعرون. وبينما هم يدافعون عن الإسلام متحمسين يحطمون أصل الاعتقاد الإسلامي الذي يقرره القرآن الكريم في وضوح حاسم. حين يقرر أن آدم- عليه السلام هبط إلى الأرض بعقيدة الإسلام. وأن نوحا- عليه السلام واجه ذراري آدم الذين اجتالهم الشيطان عن الإسلام إلى الجاهلية الوثنية بذلك الإسلام نفسه القائم على التوحيد المطلق. وأن الدورة تجددت بعد نوح فخرج الناس من الإسلام إلى الجاهلية، وأن الرسل جميعا أرسلوا بعد ذلك بالإسلام. القائم على التوحيد المطلق وأنه لم يكن قط تطور في العقيدة السماوية في أصل الاعتقاد- إنما كان الترقي والتركيب والتوسع في الشرائع المصاحبة للعقيدة الواحدة. وأن ملاحظة ذلك التطور في العقائد الجاهلية لا يدل على أن الناس صاروا إلى التوحيد بناء على تطور في أصل العقيدة. إنما يدل على أن عقيدة التوحيد على يد كل رسول كانت تترك رواسب في الأجيال التالية- حتى بعد انحراف الأجيال عنها- ترقى عقائدهم الجاهلية ذاتها؛ حتى تصير أقرب إلى أصل التوحيد الرباني. أما عقيدة التوحيد في أصلها فهي أقدم في تاريخ البشرية من العقائد الوثنية جميعا. وقد وجدت هكذا كاملة منذ وجدت، لأنها ليست نابعة من أفكار البشر ومعلوماتها المترقية؛ إنما هي آتية لهم من عند الله سبحانه. فهي حق منذ اللحظة الأولى، وهي كاملة منذ اللحظة الأولى.

هذا ما يقرره القرآن الكريم، ويقوم عليه التصور الإسلامي. فلا مجال إذن لباحث مسلم- وبخاصة إذا كان يدافع عن الإسلام- أن يعدل عن هذا الذي يقرره القرآن الكريم في وضوح حاسم، إلى شئ مما تخبط فيه نظريات علم الأديان المقارنة. تلك النظريات النابعة من منهج موجه كما أسلفنا.

ومع أننا هنا- في ظلال القرآن- لا نناقش الأخطاء والمزالق في الكتابات التي تكتب عن الإسلام إذ أن مجال هذه المناقشة بحث آخر مستقل. ولكننا نلم بنموذج واحد نعرضه في مواجهة المنهج القرآني والتقريرات القرآنية في هذه القصة.

كتب الأستاذ العقاد في كتابه (الله) في فصل أصل العقيدة:

ص: 2565

(ترقى الإنسان في العقائد. كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته. فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الديانات والعبادات وليست عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى، وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات.

لأن حقيقة الكون الكبرى أشق مطلبا وأطول طريقا من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التى يعالجها العلم تارة والصناعة تارة أخرى.

«وقد جهل الناس شأن الشمس الساطعة، وهي أظهر ما تراه العيون وتحسه الأبدان، ولبثوا إلى زمن قريب يقولون بدورانها حول الأرض، ويفسرون حركاتها وعوارضها كما تفسر الألغاز والأحلام. ولم يخطر لأحد أن ينكر وجود الشمس لأن العقول كانت في ظلام من أمرها فوق ظلام. ولعلها لا تزال.

فالرجوع إلى أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولى لا يدل على بطلان التدين، ولا على أنها تبحث عن محال. وكل ما يدل عليه أن الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة شاملة في عصر واحد، وأن الناس يستعدون لعرفانها عصرا بعد عصر، وطورا بعد طور. وأسلوبا بعد أسلوب، كما يستعدون لعرفان الحقائق الصغرى، بل على نحو أصعب وأعجب من استعدادهم لعرفان هذه الحقائق التي يحيط بها العقل ويتناولها الحس والعيان.

«وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان عن كثير من الضلالات والأساطير التي آمن بها الإنسان الأول، ولا تزال لها بقية شائعة بين القبائل البدائية، أو بين أمم الحضارة العريقة. ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شئ غير ذلك، ولن تكون الديانات الأولى على غير ما كانت عليه من الضلالة والجهالة فهذه هي وحدها النتيجة المعقولة التي لا يترقب العقل نتيجة غيرها. وليس في هذه النتيجة جديد يستغربه العلماء، أو يبنون عليه جديدا في الحكم على جوهر الدين فإن العالم الذي يخطر له أن يبحث في الأديان البدائية ليثبت أن الأولين قد عرفوا الحقيقة الكونية الكاملة منزهة عن شوائب السخف والغباء، إنما يبحث عن محال .. ).

كذلك كتب في فصل: (أطوار العقيدة الإلهية) في الكتاب نفسه:

(يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها

ص: 2566

بالآلهة والأرباب:

وهي: دور التعدد Polytheism ودور التمييز والترجيح Henotheism

ودور الوحدانية Monotheism

ففي دور التعدد كانت القبائل الأولى تتخذ لها أربابا بالعشرات، وقد تتجاوز العشرات إلى المئات. ويوشك في هذا الدور أن يكون لكل أسرة رب تعبده، أو تعويذة تنوب عن الرب في الحضور وتقبل الصلوات والقرابين.

وفي الدور الثاني- وهو دور التمييز والترجيح- تبقى الأرباب على كثرتها، ويأخذ رب منها في البروز والرجحان على سائرها. إما لأنه رب القبيلة الكبرى التي تدين لها القبائل الأخرى بالزعامة وتعتمد عليها في شئون الدفاع والمعاش، وإما لأنه يحقق لعباده جميعا مطلبا أعظم وألزم من سائر المطالب التي تحققها الأرباب المختلفة، كأن يكون رب المطر والإقليم في حاجة إليه، أو رب الزوابع والرياح وهي موضع رجاء أو خشية يعلو على موضع الرجاء والخشية عند الأرباب القائمة على تسيير غيرها من العناصر الطبيعية.

وفي الدور الثالث تتوحد الأمة، فتتجمع إلى عبادة واحدة تؤلف بينها مع تعدد الأرباب في كل إقليم من الأقاليم المتفرقة. ويحدث في هذا الدور أن تفرض أمة عبادتها على غيرها كما تفرض عليها سيادة تاجها وصاحب عرشها، ويحدث أيضا أن ترضى من إله الأمة المغلوبة بالخضوع لإلهها، مع بقائه وبقاء عبادته كبقاء التابع للمتبوع، والحاشية للملك المطاع.

ولا تصل الأمة إلى هذه الوحدانية الناقصة إلا بعد أطوار من الحضارة تشيع فيها المعرفة، ويتعذر فيها على العقل قبول الخرافات التي كانت سائغة في عقول الهمج وقبائل الجاهلية، فتصف الله بما هو أقرب إلى الكمال والقداسة من صفات الآلهة المتعددة في أطوارها السابقة، وتقترن العبادة بالتفكير في أسرار الكون وعلاقتها بإرادة الله وحكمته العالية، وكثيرا ما ينفرد الإله الأكبر في هذه الأمم بالربوبية الحقة، وتنزل الأرباب الأخرى إلى مرتبة الملائكة أو الأرباب المطرودين من الحظيرة السماوية

) الخ.

(اهـ. كلام العقاد).

قال سيد: وواضح سواء من رأي الكاتب نفسه أو مما نقله ملخصا من آراء علماء الدين المقارن أن البشر هم الذين ينشئون عقائدهم بأنفسهم، ومن ثم تظهر فيها

ص: 2567

أطوارهم العقلية والعلمية والحضارية والسياسية. وأن التطور من التعدد إلى التثنية إلى التوحيد تطور زمني مطرد على الإجمال ..

وهذا واضح من الجملة الأولى في تقديم المؤلف لكتابه: «موضوع هذا الكتاب نشأة العقيدة الإلهية، منذ أن أتخذ الإنسان ربا، إلى أن عرف الله الأحد، واهتدى إلى نزاهة التوحيد .. » .

والذي لا شك فيه أن الله سبحانه يقرر في كتابه الكريم، تقريرا واضحا جازما، شيئا آخر غير ما يقرره صاحب كتاب:(الله) متأثرا فيه بمنهج علماء الأديان المقارنة .. وأن الذي يقرره الله- سبحانه- أن آدم- وهو أول البشر- عرف حقيقة التوحيد كاملة، وعرف نزاهة التوحيد غير مشوبة بشائبة من التعدد والتثنية، وعرف الدينونة لله وحده باتباع ما يتلقى منه وحده. وأنه عرف بنيه بهذه العقيدة، فكانت هنالك أجيال في أقدم تاريخ البشرية لا تعرف إلا الإسلام دينا، وإلا التوحيد عقيدة ..

وأنه لما طال الأمد على الأجيال المتتابعة من ذرية آدم انحرفت عن التوحيد .. ربما إلى التثنية وربما إلى التعدد .. ودانت لشتى الأرباب الزائفة .. حتى جاءها نوح عليه السلام بالتوحيد من جديد. وأن الذين بقوا على الجاهلية أغرقهم الطوفان جميعا، ولم ينج إلا المسلمون الموحدون الذين يعرفون «نزاهة التوحيد» وينكرون التعدد والتثنية وسائر الأرباب والعبادات الجاهلية. ولنا أن نجزم أن أجيالا من ذراري هؤلاء الناجين عاشت كذلك بالإسلام القائم على التوحيد المطلق. قبل أن يطول عليهم الأمد، ويعودوا إلى الانحراف عن التوحيد من جديد. وأنه هكذا كان شأن كل رسول. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.

والذي لا شك فيه أن هذا شئ، والذي يقرره علماء الأديان المقارنة ويتابعهم فيه مؤلف كتاب:(الله) شئ آخر. وبينهما تقابل تام في منهج النظر والنتائج التي ينتهي إليها .. وآراء الباحثين في تاريخ الأديان ليست سوى نظريات يعارض بعضها بعضا، فهي ليست الكلمة النهاية حتى في مباحث البشر الفانين.

وما من شك أنه حين يقرر الله- سبحانه- آمرا نبيه في كتابه الكريم هذا البيان القاطع، ويقرر غيره أمرا آخر مغايرا له تمام المغايرة، فإن قول الله يكون أولى بالاتباع وبخاصة ممن يدافعون عن الإسلام، ويكتبون ما يكتبون بقصد دفع الشبهات عنه وعن أصل الدين جملة .. وأن هذا الدين لا يخدم بنقض قاعدته الاعتقادية في أن الدين جاء

ص: 2568

وحيا من عند الله، ولم يبتدعه البشر من عند أنفسهم، وأنه جاء بالتوحيد منذ أقدم العصور ولم يجئ بغير التوحيد في أية فترة من فترات التاريخ، ولا في أية رسالة. كما أنه لا يخدم بترك تقريراته إلى تقريرات علماء الأديان المقارنة وبخاصة حين يعلم أن هؤلاء إنما يعملون وفق منهج موجه لتدمير القاعدة الأساسية لدين الله كله، وهي أنه وحي من الله وليس من وحي الفكر البشري المترقي المتطور. وليس وقفا على ترقي العقل البشري في العلم المادي والخبرة التجريبية.

ولعل هذه اللمحة المختصرة- التي لا نملك الاستطراد فيها في كتاب الظلال- تكشف لنا عن مدى الخطورة في تلقي مفهوماتنا الإسلامية- في أي جانب من جوانبها- عن مصدر غير إسلامي. كما تكشف لنا عن مدى تغلغل مناهج الفكر الغربية ومقرراتها في أذهان الذين يعيشون على هذه المناهج والمقررات ويستقون منها. حتى وهم يتصدون لرد الافتراءات عن الإسلام من أعدائه إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.

وبعد .. أكان الطوفان عاما في الأرض؟ أم إنه كان في تخوم الأرض التي بعث فيها نوح؟ وأين كانت هذه الأرض؟ وأين تخومها في العالم القديم وفي العالم الحديث؟ أسئلة لا جواب عليها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، إلا الإسرائيليات التي لا تستند إلى دليل صحيح .. وليس لها بعد ذلك قيمة في تحقيق أهداف القصص القرآني في كثير ولا قليل.

ولكن هذا لا يمنع من القول بأن ظاهر النصوص القرآنية يلهم أن قوم نوح كانوا هم مجموع البشرية في ذلك الزمان. وأن الأرض التي يسكنونها كانت هي الأرض المعمورة في ذلك الحين. وأن الطوفان قد عم هذه الرقعة وقضى على جميع الخلائق التي تقطنها- فيما عدا ركب السفينة الناجين.

وهذا حسبنا في إدراك طبيعة ذلك الحادث الكوني الذي جاءنا خبره من المصدر الوحيد الوثيق عن ذلك العهد السحيق، الذي لا يعرف «التاريخ» عنه شيئا. وإلا فيومها أين كان «التاريخ» ؟! إن التاريخ مولود حدث لم يسجل من أحداث البشرية إلا القليل! وكل ما سجله قابل للخطإ والصواب، والصدق والكذب، والتجريح والتعديل! وما ينبغي قط أن يستفتى ذات يوم في شأن جاءنا به الخبر الصادق. ومجرد استفتائه في مثل هذا الشأن قلب للأوضاع، وانتكاسة لا تصيب عقلا قد استقرت فيه

ص: 2569