الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمواج القناطير المقنطرة. وعن هذا قال عليه السلام: «الزكاة قنطرة الإسلام» وكذا المال يساعد دون الأمجاد، كما أن الماء يجتمع في الوهاد دون النجاد، وكذلك المال لا يجتمع إلا بكف البخيل، كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل، ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف)
*** ولننتقل إلى
المجموعة الخامسة
في هذا المقطع ولنقدم لهذه المجموعة بكلمة:
إن هذه الحياة الدنيا يختلط خيرها بشرها، وشقاؤها بسعادتها، وألمها بلذتها، والله الذي خلق الخلق، وجعل هذه الدنيا على ما هي عليه، شاء أن يجعل دارا يتمحض فيها الخير واللذة والسعادة، بلا شر ولا شقاوة. وهذا يقتضي ثمنا. وتلك الدار تحتاج إلى أهلها، والله عز وجل يدعو إلى هذه الدار بواسطة الرسل، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يستغرب أن يرسل الله رسولا نذيرا وبشيرا، وهكذا تبدأ المجموعة الخامسة بقوله تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ إنه بعد أن ضرب الله مثلا للحياة الدنيا، وبعد أن ذكرنا بأن هذه الدنيا شأنها ما رأينا، فإنه بعد ذلك يذكرنا بجنته، ويذكرنا بالطريق إليها
وباختصار نقول: إن المجموعة الخامسة ترتبط بسياق المقطع. وترتبط بالسياق المباشر، فارتباطها بالسياق المباشر من حيث إنها حديث عن الآخرة يأتي بعد حديث عن الدنيا، وارتباطها بالمقطع من حيث إن المقطع يرد على المنكرين للوحي، فالله يحدثنا عن ذاته جل جلاله أنه يدعو إلى دار السلام، وهذا يقتضي أن يرسل رسلا، وأن ينزل وحيا، فكيف ينكر المنكرون الوحي وبعثة الرسل؟
المجموعة الخامسة
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ دار السلام: هي الجنة، أضافها الله إلى اسمه تعظيما لها، وقد يراد بالسلام السلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه، وقد يكون سميت دار السلام لفشو السلام فيها وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي ويوفق من يشاء إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي إلى الإسلام أو إلى طريق الجنة. والمعنى: والله يدعو العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون، فدعوة الله عامة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدلالة،
وأما الهداية فهي خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية. فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يرسل الله رسولا وينزل وحيا، وكيف يتعجب الكافرون من إرسال الرسول، وإنزال الوحي
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي آمنوا بالله ورسله، وعبدوا الله كما أمر الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وَزِيادَةٌ قال ابن كثير: هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته .. ثم عدد من فسر الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم حتى ليكاد يكون إجماعا. قال النسفي بعد أن ذكر القول السابق:
وقيل: الزيادة المحبة في قلوب العباد. وقيل: الزيادة مغفرة من الله ورضوان وَلا يَرْهَقُ أي ولا يغشى وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ أي سواد وَلا ذِلَّةٌ أي ولا كآبة، والمعني: لا يرهقهم ما يرهق أهل النار من غبرة فيها سواد، ولا أثر هوان، لا في عرصات القيامة ولا بعدها، أو تقول: المعني: أنه لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ثم بين حال الكافرين فقال:
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ أي الشرك والكفر وما يستتبع ذلك، أي وللذين كسبوا السيئات جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها أي جزاء سيئة، سيئة مثلها أي مقدر بمثلها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي وتعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ أي من عقابه مِنْ عاصِمٍ أي مانع أي لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه كَأَنَّما أُغْشِيَتْ أي ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً جمع قطعة مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً هذا إخبار عن سواد وجوههم في الدار الآخرة والمعنى: كأنما جعل على وجوههم أغطية من سواد الليل أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يبعث الله رسلا وينزل وحيا
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أي الكفار وغيرهم أي أهل الأرض كلهم من جن وإنس، وبر وفاجر ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ أي الزموا أنتم وهم مكانا معينا امتازوا فيه عن مقام المؤمنين، وهذا يكون إذ جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء فَزَيَّلْنا أي ميزنا بَيْنَهُمْ وبين المؤمنين، أي ففرقنا بينهم، وقطعنا كل صلة كانت بينهم في الدنيا وَقالَ لهم شُرَكاؤُهُمْ أي من عبدوه من دون الله من أولي العقل، أو الأصنام ينطقها الله عز وجل ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وهكذا أنكروا عبادتهم وتبرءوا منهم، فما كانوا
يعبدون إلا الشياطين بطاعتهم إياهم
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إننا ما دعوناكم إلى عبادتنا، ولا أمرناكم بها، ولا رضينا بذلك منكم إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ أي إننا كنا عن عبادتكم غافلين، فما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم أصلا. وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا، ولم يأمرهم بذلك، ولا رضي به، ولا أراده، بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه، وقد تركوا عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شئ، العليم بكل شئ، وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمرا بعبادته وحده لا شريك له، ناهيا عن عبادة ما سواه. فأي الأمرين أعجب أمرهم، أو أن ينزل الله وحيا ويرسل رسولا؟!
هُنالِكَ أي في ذلك المكان أو في ذلك الزمان تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ أي تختبر وتذوق ما أَسْلَفَتْ أي ما قدمت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود، هنالك في موقف الحساب يوم القيامة الاختبار الحقيقي لقيمة كل عمل وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ إلى ربهم الصادق في ربوبيته لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة، والمعنى: ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل وَضَلَّ عَنْهُمْ أي وغاب عنهم، أو وذهب عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي وضاع عنهم ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه، أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة، فليترك هؤلاء الافتراء، وليعودوا إلى مولاهم الحق، وليعبدوا من يستحق العبادة قبل أن يأتي ذلك اليوم، وذلك بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بوحي الله بدلا من الإنكار والتعجب والاتهام، وهكذا انتهت هذه المجموعة، وفيها دعوة لترك التعجب من أن ينزل الله وحيا من خلال الإنذار والتبشير.
فبعد أن ذكر الله تعالى في المجموعة الرابعة الدنيا وسرعة زوالها، رغب في هذه المجموعة في الجنة ودعا إليها، وسماها دار السلام؛ لأنها خالية من الآفات والنقائص والنكبات، ثم أخبر أنها لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح، وبين ما أعده للكافرين بعد ذلك، وفي هذا السياق- المبشر المنذر- رد ضمني على المتصورين أن الله يدع هذا الخلق وشأنهم، فلا سؤال ولا حساب ولا عقاب، ولا رسل ولا وحي، ولا ميزان ولا عدل. ألا ما أحمق الإنسان الذي يفر من اتباع الوحي إلى الهوى.