الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
بمناسبة قوله تعالى عن القرآن: وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ يقول صاحب الظلال: «إن هذا القرآن شفاء لما في الصدور بكل معنى من معاني الشفاء، إنه يدب في القلوب فعلا دبيب الشفاء في الجسم المعلول. يدب فيها بإيقاعه ذي السلطان الخفي العجيب. ويدب فيها بتوجيهاته التي توقظ أجهزة التلقي الفطرية، فتهتز وتتفتح وتتلقى وتستجيب. ويدب فيها بتنظيماته وتشريعاته التي تضمن أقل احتكاك ممكن بين المجموعات البشرية في الحياة اليومية. ويدب فيها بإيحاءاته المطمئنة التي تكسب الطمأنينة في القلوب إلى الله، وإلى العدل في الجزاء، وإلى غلبة الخير، وإلى حسن المصير.
وإنها لعبارة تثير حشدا من المعاني والدلائل، تعجز عنها لغة البشر ويوحي بها هذا التعبير العجيب.
2 -
وبمناسبة قوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا قال صاحب الظلال: فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان. فبذلك وحده فليفرحوا. فهذا هو الذي يستحق الفرح لا المال ولا أعراض هذه الحياة. إن ذلك هو الفرح العلوي الذي يطلق النفس من عقال المطامع الأرضية والأعراض الزائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمة للحياة لا مخدومة؛ ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها لا عبدا خاضعا لها. والإسلام لا يحقر أعراض الحياة الدنيا ليهجرها الناس ويزهدوا فيها. إنما هو يزنها بوزنها ليستمتع بها الناس وهم أحرار الإرادة طلقاء اليد، مطمحهم أعلى من هذه الأعراض، وآفاقهم أسمى من دنيا الأرض.
والإيمان عندهم هو النعمة، وتأدية مقتضيات الإيمان هي الهدف. والدنيا بعد ذلك مملوكة لهم لا سلطان لها عليهم.
هكذا كان الرعيل الأولون ينظرون إلى قيم الحياة. كانوا يعدون الفضل الأول والرحمة الأولى هي ما جاءهم من الله من موعظة وهدى. فأما المال، وأما الثراء، وأما النصر ذاته فهو تابع. لذلك كان النصر يأتيهم، وكان المال ينثال عليهم، وكان الثراء يطلبهم .. إن طريق هذه الأمة واضح. إنه في هذا الذي يسنه لها قرآنها، وفي سيرة الصدر الأول فهموه من رجالها. هذا هو الطريق.
إن الأرزاق المادية، والقيم المادية، ليست هي التي تحدد مكان الناس في هذه الأرض، في الحياة الدنيا فضلا عن مكانهم في الحياة الأخرى. إن الأرزاق المادية،
والتيسيرات المادية، والقيم المادية، يمكن أن تصبح من أسباب شقوة البشرية- لا في الآخرة المؤجلة ولكن في هذه الحياة الواقعة- كما نشهد اليوم في حضارة المادة الكالحة.
إنه لا بد من قيم أخرى تحكم الإنسانية، وهذه القيم الأخرى هي التي يمكن أن تعطي للأرزاق المادية والتيسيرات المادية قيمتها في حياة الناس؛ وهي التي يمكن أن تجعل منها مادة سعادة وراحة لبني الإنسان.
إن المنهج الذي يحكم حياة مجموعة من البشر هو الذي يحدد قيمة الأرزاق المادية في حياتهم. هو الذي يجعلها عنصر سعادة أو عنصر شقاء. كما يجعلها سببا للرقي
الإنساني أو مزلقا للارتكاس.
ومن هنا كان التركيز على قيمة هذا الدين في حياة أهله. والذين يركزون على القيم المادية، وعلى الإنتاج المادي، ويغفلون تلك القيمة الكبرى الأساسية، هم أعداء البشرية الذين لا يريدون لها أن ترتفع على مستوى الحيوان وعلى مطالب الحيوان.
وهم لا يطلقونها دعوة بريئة، ولكنهم يهدفون من ورائها إلى القضاء على القيم الإيمانية، وعلى العقيدة التي تعلق قلوب الناس بما هو أرفع من مطالب الحيوان- دون أن تغفل ضروراتهم الأساسية- وتجعل لهم مطالب أساسية أخرى إلى جوار الطعام والمسكن والجنس التي يعيش في حدودها الحيوان.
وهذا الصياح المستمر بتضخيم القيم المادية، والإنتاج المادي، بحيث يطغى الانشغال به على حياة الناس وتفكيرهم وتصوراتهم كلها. وبحيث يتحول الناس إلى آلات تلهث وراء هذه القيمة، وتعدها قيمة الحياة الكبرى؛ وتنسى في عاصفة الصياح المستمر ..
الإنتاج .. الإنتاج .. كل القيم الروحية والأخلاقية وتدوس هذه القيم كلها في سبيل الإنتاج المادي .. هذا الصياح ليس بريئا؛ إنما هو خطة مدبرة لإقامة أصنام تعبد بدل أصنام الجاهلية الأولى، وتكون لها السيادة العليا على القيم جميعا.
وعند ما يصبح الإنتاج المادي صنما يكدح الناس حوله ويطوفون به في قداسة الأصنام؛ فإن كل القيم والاعتبارات الأخرى تداس في سبيله وتنتهك الأخلاق.
الأسرة. الأعراض. الحريات. الضمانات .. كلها .. كلها إذا تعارضت مع توفير الإنتاج يجب أن تداس. فماذا تكون الأرباب والأصنام إن لم تكن هي هذه؟ إنه ليس من الحتم أن يكون الصنم حجرا أو خشبا. فقد يكون قيمة واعتبارا ولافتة ولقبا.
إن القيمة العليا يجب أن تبقى لفضل الله ورحمته المتمثلين في هداه، الذي يشفي الصدور، ويحرر الرقاب، ويعلى من القيم الإنسانية في الإنسان. وفي ظل هذه القيمة العليا يمكن الانتفاع برزق الله الذي أعطاه للناس في الأرض؛ وبالتصنيع الذي يوفر الإنتاج المادي؛ وبالتيسيرات المادية التي تقلل من شدة الكدح؛ وبسائر هذه القيم التي تدق الجاهلية حولها الطبول في الأرض وبدون وجود تلك القيمة العليا وسيادتها تصبح الأرزاق والتيسيرات والإنتاج لعنة يشقى بها الناس، لأنها يومئذ تستخدم في إعلاء القيم الحيوانية والآلية، على حساب القيم الإنسانية العلوية.
3 -
وصف الله عز وجل أولياءه بأنهم الذين اجتمع لهم: الإيمان والتقوى، ولأصحاب هذه المقامات علامات، هي أثر عن تحققهم بمقامات الولاية، وهذه نصوص تدل على هذه السمات:
قال عبد الله بن مسعود وابن عباس، وغير واحد من السلف (أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر) الله، وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما روى البزار
…
عن ابن عباس قال: قال رجل يا رسول الله: من أولياء الله؟ قال: «الذين إذا رأوا ذكر الله» وروى ابن جرير .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من عباد الله عبادا يغبطهم الانبياء والشهداء» قيل من هم يا رسول لعلنا نحبهم؟ قال: «هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس. ولا يحزنون إذا حزن الناس» ثم قرأ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ورواه أيضا أبو داود بإسناد جيد.
وفي حديث الإمام أحمد .. عن أبي مالك والأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتي من أفناء الناس، نوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله، وتصادقوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، يفزع الناس ولا يفزعون، هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» .
أقول: في موضوع الولاية وقعت أخطاء كثيرة وانحرافات خطيرة، وغلا بذلك أقوام كثيرون حتى كفروا، واعتمد كثيرون من الناس قواعد في موضوع الولاية لا أصل لها، وللآلوسي تحقيق في هذا المقام ننقله لما فيه من فوائد:
قال الألوسي: (وبالجملة متى رأينا الشخص مؤمنا متقيا حكمنا عليه بالولاية نظرا لظاهر الحال، ووجب علينا معاملته بما هو أهله من التوقير والاحترام، غير غالين فيه
بتفضيله على رسول أو نبي أو نحو ذلك مما عليه العوام اليوم في معاملة من يعتقدونه وليا التي هي أشبه شئ بمعاملة المشركين من يعتقدونه إلها نسأل الله تعالى العفو والعافية، ولا يشترط فيه صدور كرامة على يده، كما يشترط في الرسول صدور معجزة، ويكفيه الاستقامة كرامة، كما يدل عليه ما اشتهر عن أبي يزيد رحمه الله: بل الولي الكامل لا التفات له إليها، ولا يود صدورها على يده، إلا إذا تضمنت مصلحة للمسلمين خاصة أو عامه. وفي الجواهر والدرر للشعراني سمعت شيخنا يقول: إذا زل الولي ولم يرجع لوقته عوقب بالحجاب، وهو أن يحبب إليه إظهار خرق العوائد المسماة في لسان العامة كرامات، فيظهر بها ويقول: لو كنت مؤاخذا بهذه الزلة لقبض عني التصرف، وغاب عنه أن ذلك استدراج، بل ولو سلم من الزلة، فالواجب خوفه من المكر والاستدراج، وقال بعضهم: الكرامة حيض الرجال، ومن اغتر بالكرامات بالكرى مات. وأضر الكرامات للولي ما أوجب الشهرة فإن الشهرة آفة، وقد نقل عن الخواص:
أنها تنقص مرتبة الكمال، وأيد ذلك بالأثر المشهور «خص بالبلاء من عرفه الناس» نعم ذكر في أسرار القرآن أن الولاية لا تتم إلا بأربعة مقامات: الأول: مقام المحبة، والثاني: مقام الشوق، والثالث: مقام العشق، والرابع: مقام المعرفة، ولا تكون المحبة إلا بكشف الجمال، ولا يكون الشوق إلا باستنشاق نسيم الوصال، ولا يكون العشق إلا بدنو الأنوار، ولا تكون المعرفة إلا بالصحبة، ولحصول ذلك آثار وعلامات مذكورة فيه، فليراجعه من أرادها؛ والكلام في هذا المقام كثير، وكتب القوم ملأى منه، وما ذكرناه كفاية لغرضنا. وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولي اتباعه الشريعة الغراء، وسلوك المحجة البيضاء. فمن خرج عنها قيد شبر بعد عن الولاية بمراحل. فلا ينبغي
أن يطلق عليه اسم الولي ولو أتى بألف ألف خارق، فالولي الشرعي اليوم أعز من الكبريت الأحمر. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما الخيام فإنها كخيامهم
…
وأرى نساء الحي غير نسائها
4 -
مما يساعد على فهم قوله تعالى لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ هذه النقول:
روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ قال: «الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» .
روى ابن جرير عن أبي الدرداء في قوله تعالى لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ قال: سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية فقال: لقد سألت عن شئ ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له، وهي جزء من أربعة وأربعين- أو سبعين- جزءا من النبوة» .
وروى الإمام أحمد
…
عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال: «الرؤيا الصاحة يبشرها المؤمن جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة، فمن رأى ذلك فليخبرها، ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا، وليكبر، ولا يخبر بها أحدا» .
وروى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الرؤيا الصالحة التي يبشرها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» .
وروى ابن جرير عن أبي هريرة أنه قال: «الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي من المبشرات»
وروى ابن جرير عن أم كريز الكعبية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ذهبت النبوات وبقيت المبشرات» .
وهناك اتجاه لتفسير معنى البشرى يبينه ما جاء في حديث البراء رضي الله عنه: أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب، فقالوا: أخرجي أيتها الروح الطيبة، إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء. وهناك اتجاه ثالث لمعنى البشرى ورد في حديث أبي ذر التالي:
وروى الإمام أحمد
…
عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه، ويثنون عليه به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تلك عاجل بشرى المؤمن» ورواه مسلم.
5 -
بمناسبة قوله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً يقول صاحب الظلال: (والمنهج القرآني يستخدم المشاهد الكونية كثيرا في معرض الحديث عن قضية العبودية. ذلك أن هذا الكون بوجوده وبمشاهده شاهد ناطق للفطرة