الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة يونس ومحورها:
يلاحظ أن أول آية في سورة يونس هي قوله تعالى الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ثم يأتي قوله تعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ وفي الآية (38) نجد قوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. ألا ترى أن هذا يقابل قوله تعالى في سورة البقرة الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ثم نجد قوله تعالى في سورة يونس الآية: 57):
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ألا ترى أن هذا يقابل قوله تعالى في خاتمة الآية الأولى من سورة البقرة هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وإذا نظرت إلى ما ختمت به سورة يونس وهي قوله تعالى:
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
فأنت ترى- ابتداء- أن محور سورة يونس هو قوله تعالى في سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فإذا كانت سورة آل عمران قد فصلت مقدمة سورة البقرة كلها، فإن سورة يونس تفصل الآية الأولى من سورة البقرة، ويكون مجئ الر في السور الأولى من هذه المجموعة فيه إشارة إلى نوع جديد من التفصيل، فالسورة إذا تقرر كيف أن هذا القرآن لا ريب فيه، وتناقش المرتابين الذين هم أحد اثنين: إما مستغربون أن ينزل الله وحيا، أو متهمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب. وترد على هؤلاء وهؤلاء، ولكن لا بطريقة البشر في الرد، إنها ترد بأسلوب هو وحده كاف ليدل على أن الريب في غير محله، ثم تقرر السورة كيف أن القرآن هدى، ثم تختم السورة بالتذكير والتلخيص لمضمونها كله.
فالسورة تتألف من مقدمة هي آية واحدة تشعر بموضوع السورة كله، ثم يأتي جسم السورة وهو يتألف من ثلاثة أقسام ينتظمها محور السورة العام.
*** إنه ليس من المصادفة أن تكون سورة يونس على مثل هذا الترابط مع أول آية من سورة البقرة لولا أن ما اتجهنا إليه في الربط بين سور القرآن كان صحيحا:
إن أول سورة البقرة هو: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ تأمل هذه
الآية، وتأمل المسرى العام لسورة يونس من خلال تأمل الآيات التالية:
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ..
وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ لاحظ كلمة لا رَيْبَ فِيهِ
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ....
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لاحظ كلمة وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لاحظ كلمة فِي شَكٍّ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لاحظ كلمة فِي شَكٍ
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ
…
*** لو أنك نظرت هذه الآيات بتأمل لوجدتها: إما أنها تتحدث عن الشك وتزيل أسبابه، أو أنها تتحدث عن هداية القرآن والاهتداء به، وكل ذلك مرتبط بقوله تعالى من سورة البقرة: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
...........
إنه بسورة يونس يبدأ التفصيل الثاني لسورة البقرة بتفصيل أول آية فيها، ولكن- كما رأينا من قبل- أن السورة عادة لا تفصل محورها فقط بل تفصل محورها وامتداداته وارتباطاته من سورة البقرة نفسها، وهذا الذى نراه في سورة يونس.
*** ولقد فطن الألوسي إلى مجموعة روابط تربط بين سورة يونس وسورة براءة التي سبقتها فقال: (ووجه مناسبتها لسورة براءة أن الأولى ختمت بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم
وهذه ابتدئت به، وأيضا أن في الأولى بيانا لما يقوله المنافقون عند نزول سورة من القرآن وفي هذه بيان لما يقوله الكفار في القرآن حيث قال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ الآية وقال جل وعلا وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ وأيضا في الأولى ذم المنافقين بعدم التوبة والتذكر إذا أصابهم البلاء في قوله سبحانه: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ على أحد الأقوال. وفي هذه ذم لمن يصيبه البلاء فيرعوي ثم يعود وذلك في قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ وفي قوله سبحانه: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ إلى أن قال سبحانه: فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وأيضا في الأولى براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين مع الأمر بقتالهم على أتم وجه، وفي هذه براءته صلى الله عليه وسلم من عملهم، ولكن من دون أمر بقتال، بل أمر فيها عليه الصلاة والسلام أن يظهر البراءة فيها على وجه يشعر بالإعراض وتخلية السبيل، كما قيل على ضد ما في الأولى، وهذا نوع من المناسبة أيضا، وذلك في قوله تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) كما فطن صاحب الظلال رحمه الله إلى الصلة بين بداية سورة يونس وخاتمتها فقال:
(والترابط في سياق السورة يوحد بين مطلعها وختامها. فيجئ في المطلع قوله تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ .. ويجئ في الختام: وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ .. فالحديث عن قضية الوحي هو المطلع وهو الختام. كما أنه هو الموضوع المتصل الملتحم بين المطلع والختام)