الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أو لو أويت إلى قوي أستند إليه، وأتمنع به فيحميني منكم لفعلت بكم الأفاعيل، شبه القوي العزيز الذي تمنى نصرته بالركن من الجبل في شدته ومنعته
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ أي إن ركنك لشديد فنحن رسل ربك، وإذا كانوا رسل الله فلن يصل أعداء الله إلى لوط، ولن يقدروا على ضرره ولذلك قالوا لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ثم قالوا فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أي بطائفة منه أو نصفه وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي ولا ينظر أحد منكم إلى ما وراءه، ويحتمل أنه أمر بعدم تخلف أحد، ويحتمل بأنه أمر بعدم الالتفات إلى ما يخلف وراءه من أملاك، والأول أقوى إِلَّا امْرَأَتَكَ أي إلا هي فلا عليك ألا تلتفت إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ أي إن الأمر هكذا شأنها شأنهم إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ كأنه قال: متى موعد هلاكهم؟ فقيل له ذلك، وكأنه أراد أسرع من ذلك فقالوا أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ أي حجارة من طين قوية شديدة مَنْضُودٍ أي متتابع، أو مجموع معد للعذاب
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أي معلمة للعذاب في خزائنه أو في حكمه وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أي وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنه وهكذا انتهى المقطع الثالث:
فوائد:
1 -
في هذه السورة حكى الله عز وجل لنا قول سارة قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ وفي سورة الذاريات حكى الله عز وجل فعلها فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب.
2 -
بمناسبة قول لوط عليه السلام لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ يروي ابن كثير حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد- يعني الله عز وجل فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه» .
3 -
بمناسبة قصة لوط عليه السلام وقومه وما عوقبوا به قال ابن كثير:
(وقد ورد في الحديث المروي في السنن عن ابن عباس مرفوعا: «من وجدتموه
يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يقتل، سواء كان محصنا أو غير محصن؛ عملا بهذا الحديث، وذهب الإمام أبو حنيفة أنه يلقى من شاهق، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط.
4 -
وفي هذا المقطع إن في قصة إبراهيم، أو في قصة لوط، مجموعة من آداب الضيافة لا تخفى على المتأمل منها: الاستقبال الطيب للضيف، ومنها التعجيل بالطعام له، ومنها الحرص عليه والدفاع عنه ..
5 -
يذكر ابن كثير كثيرا من الروايات بمناسبة هذا المقطع، كلها مرجعها أهل الكتاب وكما كررنا أكثر من مرة فإن أسفار موسى الخمسة التي تسمى حاليا التوراة أبعد من أن تكون محل ثقة في مجموع نقولها، بل إن قارئها ليحس بالجهد البشري المتأخر في صياغتها كما ذكرنا ذلك أثناء الكلام عن سورة الأعراف، ومن ثم فإنها لا تصلح للاعتماد، وقد يصلح بعضها للاستئناس في تفصيل لا يخالف نصا، مع ملاحظة أنها- لكونها مكتوبة من الروايات الشفهية بعد مئات السنين- دخل عليها تحريف وتبديل وتقديم وتأخير، وإذا نقلنا عنها فإننا ننقل ضمن حدود، ولولا أن رسولنا عليه الصلاة والسلام أذن لنا أن نحدث عن بني إسرائيل ولا حرج ما نقلنا شيئا لأن «أقلام النساخ الكاذبة» كما قال سفر أرميا قد أدخلت نصوصا تتقزز منها النفس، ومن ذلك ما يذكرونه في هذا المكان من زنى لوط بابنتيه- وحاشاه- فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
إذا تذكرنا هذا كله نقول:
إن ما ذكره القرآن عن إبراهيم ولوط عليهما السلام موجود بشكل مضطرب ومختلط في الإصحاح السابع عشر، والإصحاح الثامن عشر، والإصحاح التاسع عشر، من سفر التكوين، وقد أعطانا القرآن الحق مما نستطيع به أن نعرف خطأ الكثير من الكلام المضطرب هناك، وصواب بعضه، فمن الخطأ فيه أنه يذكر أن الرسل الثلاثة أكلوا، مع أن السياق هناك يشعر بأن إبراهيم كان عارفا أنهم رسل الله، فكيف يأكلون وهم ملائكة؟ ولكنها أقلام النساخ الكاذبة، ومن الصواب فيه ذكر ضحك سارة وتعجبها عند ما بشرت بابن «وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه .. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ».