الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً أي: وأرسلنا شعيبا إلى ساكني مدين أو إلى بني مدين قال ابن كثير: وهم قبيلة من العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام قريبا من معان بلادا تعرف بهم يقال لها مدين، فأرسل الله لهم شعيبا وكان من أشرفهم نسبا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أمرهم بعبادة الله وحده، كما أمر كل
رسول وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أي لا تنقصوا المكيل بالمكيال، ولا تنقصوا الموزون بالميزان بل أدوهما كاملين أخذا وعطاء إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ أي في معيشتكم ورزقكم فأنتم بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف، أو المعنى: إني أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون من شرك وخيانة وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ أي مهلك والمراد به إما عذاب الاستئصال في الدنيا، أو عذاب الآخرة
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ أى أتموهما بالعدل، نهاهم أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي حسن في العقول لزيادة الترغيب فيه، وجئ به مقيدا بالقسط ليعني: ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ أي لا تنقصوا في حقهم شيئا، أشياءهم المعنوية وأشياءهم المادية نقصا حسيا أو معنويا وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العيث: أشد الفساد نحو السرقة والغارة وقطع السبيل، بدأ بالدعوة إلى عبادة الله، ثم بالدعوة إلى عدم نقص المكيال والميزان وإيفائهما، ثم بالدعوة إلى إعطاء الناس القيمة الحقيقية لأشيائهم، ثم بالدعوة إلى ترك الفساد أصلا في الأرض.
ثم ذكرهم فقال: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم خير لكم في الدنيا والآخرة، بشرط أن تؤمنوا، والحقيقة أن بقية الله خير للكفرة أيضا، لأنهم يسلمون منها من تبعة البخس والتطفيف وما يترتب عليهما من شرور اجتماعية، إلا أن فائدتها أظهر في حق أهل الإيمان للسلامة من الشرور مع حصول الثواب مع النجاة من العقاب، بينما لا تظهر الثمرات كاملة مع عدم الإيمان، ومن ثم نقول: إن النظام الاقتصادي الإسلامي لا يقوم وتظهر ثمراته كاملة إلا في مجتمع مؤمن، وقد أفادنا النص تعظيم الإيمان والتنبيه على جلالة شأنه وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي برقيب، أي افعلوا ذلك لله عز وجل، لا تفعلوه ليراكم الناس؛ إذ الله هو الحفيظ؛ فاحفظوا نعمه بترك البخس، واحفظوا أوامره ليحفظكم ويحفظ أموالكم، فماذا كان جوابهم؟ لقد كان جوابهم مختلفا عما عهدناه في الأجوبة التي مرت معنا في القصص السابقة، فالسورة تعرض لنا أكثر من نموذج
قالُوا على سبيل التهكم يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا قال الحسن: إي والله إن صلاته لتأمر أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم، وهكذا أنكروا عليه أن يأمرهم وينهاهم، وهكذا اعتبروا أنهم أحرار في عبادة من
شاءوا، وأنهم أحرار في النظام الاقتصادي الذي ارتضوه ولو كان ظالما وهي لغة الكفر في كل زمان ومكان، ثم قالوا على سبيل الاستهزاء إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ أي أأنت العاقل الراشد؟! وهو منطق كثير ممن يردون دعوة الله مستهزءين بفهم وفقه وعقل الدعاة، فكأنهم يقولون بكلمتهم المستهزئة: إنك لأنت السفيه الضال، وكدأب كل رسول في إقامة الحجة
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي على بصيرة فيما أدعو إليه وَرَزَقَنِي مِنْهُ أي من عنده رِزْقاً حَسَناً قيل: أراد النبوة، وقيل: أراد الرزق الحلال الذي لا بخس فيه
ولا تطفيف، ويحتمل الأمرين، والتقدير:
أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربي، وكنت نبيا على الحقيقة، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ أى لم أكن لأنهاكم عن أمر وأرتكبه، ولم أكن لأسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ أي ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر قدر استطاعتي للإصلاح ما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ أي وما كوني موفقا لإصابة الحق فيما آتي وأذر إلا بمعونة الله وتأييده عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي اعتمدت في جميع أموري وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي أرجع في كل أموري في السراء والضراء وكل حال
وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ أي فيصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء الأقوام من العذاب وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ في الزمان، فهم أقرب الهالكين منكم، أو في المكان، فمنازلهم قريبة منكم، أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوئ، هددهم بالغرق أو الريح أو الرجفة؛ بسبب خلافه، نسأل الله بمنه وكرمه ألا يمنعنا بغض أو شقاق أو خلاف عن أن نقبل الحق الخالص كائنا ما كان، وقد دل خطابه عليه السلام لهم على أن زمنه متأخر عن زمن قوم لوط، وعلى هذا فالترتيب في سورة هود بين القصص ترتيب زمني: نوح ثم هود ثم صالح ثم إبراهيم ولوط ثم شعيب
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ في سالف ذنوبكم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فيما تستقبلونه في الأعمال السيئة إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ومن رحمته غفرانه لأهل الجفاء من المؤمنين وَدُودٌ ومن مودته أنه يحب أهل الوفاء من الصالحين، ومن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا، وهكذا أقام عليهم الحجة إن من خلال النظر في شأنه، أو النظر في أمر الغابرين، أو النظر في طبيعة