الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ليمتاروا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ بلا تعريف وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أي لا يعرفونه لأنهم فارقوه وهو صغير حدث، وباعوه للسيارة، وما كانوا
يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه، فلهذا لم يعرفوه وهو فيما هو فيه، وأما هو فعرفهم، وفي الإصحاح الثاني والأربعين من التوراة المحرفة الحالية ذكر إرسال يعقوب أولاده لمصر ليشتروا قمحا وفيه (ولما نظر يوسف إخوته عرفهم فتنكر لهم وتكلم معهم بجفاء وقال لهم من أين جئتم فقالوا من أرض كنعان لنشتري طعاما، وعرف يوسف إخوته وأما هم فلم يعرفوه)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي أوفى لهم كيلهم وحمل لهم أحمالهم قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أي بنيامين أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أي أتمه وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ أي المضيفين، وقد رأوا من حسن إنزاله وضيافته الكثير، وفي هذا ترغيب لهم على الرجوع إليه
ثم رهبهم فقال: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي أي فلا أبيعكم طعاما وَلا تَقْرَبُونِ أي فإن لم تأتوني به فلا تأتوا إلي
قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أي سنخادعه عنه ونحتال حتى ننزعه من يده وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ذلك لا محالة، لا نفرط فيه ولا نتوانى عنه، وعدوه أنهم سيحرصون على مجيئه إليه بكل ممكن، ولا يبقون مجهودا في هذا الشأن
وَقالَ لِفِتْيانِهِ أي لغلمانه الكيالين اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها فِي رِحالِهِمْ أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها أي لعلهم يعرفون حق ردها، وحق التكرم بإعطاء البدلين إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ وفرغوا ظروفهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا، وقد تكون الحكمة في فعله أنه خشي ألا يجدوا بضاعة بها يرجعون، أو ظنا منه أن ما فيهم من الديانة يعيدهم لرد الأمانة، أو أنه لم ير أن من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنا
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ بالطعام وأخبروه بما فعل قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يشيرون إلى ما قاله يوسف لهم فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ فبه نرفع المانع من الكيل، ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عن أن يناله مكروه، وكانت ككلمتهم يوم أخذوا يوسف وقد وعدوه بحفظه
ولهذا قال لهم هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ يعني: أنكم قلتم في يوسف كما تقولون في أخيه، ثم خنتم بضمانكم، فما يؤمنني من مثل ذلك، وكأن لسان حاله يقول هل أنتم صانعون به كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيبونه عني، وتحولون بيني وبينه فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي سيرحم كبري وضعفي، ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يرده علي، ويجمع شملي به، لأنه خير الحافظين وأرحم الراحمين
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي أي ما نظلم في القول
ولا نتجاوز الحق وهذه علامة صدقنا في قولنا. أو ما نطلب وراء ما فعل بنا، أو أي شئ نطلب وراء هذا هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا أي إذا أرسلت أخانا معنا، نأتي بالميرة إلى أهلنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ أي وسق بعير باستصحاب أخينا ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي سهل متيسر في مقابلة أن يأخذوا معهم أخاهم فقط. وهذه الحكمة الرئيسية في وضع بضاعتهم في رحالهم أن يوسف أراد أن تكون لهم حجة في المجئ بأخيهم
قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أي حتى تعطوني ما أتوثق به من عند لله أي أراد أن يحلفوا له بالله، لأن الحلف بالله مما يؤكد به العهود لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي إلا أن تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به، أي لا تمتنعوا من الإتيان به إلا للإحاطة بكم، بأن تغلبوا كلكم فلا تقدرون على تخليصه فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ بأن حلفوا له، أكده عليهم قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي الله على ما نقوله من طلب الموثق وإعطائه وكيل، أي رقيب مطلع
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ الجمهور على أنه خاف عليهم العين لجماعتهم، وجلالة أمرهم، ولم يأمرهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم، كانوا مجهولين، وقيل: إنه أحب ألا يفطن بهم فيكاد لهم، وهذا من كمال التأديب وكمال الاحتياط. وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي إن كان الله أراد بكم سوءا لم ينفعكم، ولم يدفع عنكم ما أشرت عليكم من التفرق، وهو مصيبكم لا محالة. أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه، فإن الله إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ بين لهم أنه لا حاكم إلا الله، ومن ثم أمرهم بالتوكل عليه، والتوكل: تفويض الأمر إلى الله تعالى والاعتماد عليه.
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي متفرقين ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ أي دخولهم من أبواب متفرقة مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي ما يغني عنهم ذلك شيئا قط، وقد حدث لهم ما ساءهم بعد من إضافة السرقة إليهم، وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله. وتضاعف المصيبة على أبيهم إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وهي شفقته عليهم، أو هي دفع إصابة العين لهم وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ أي وإنه لذو علم لتعليمنا إياه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك أي علم الأنبياء
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ أي ضم إليه أخاه بنيامين قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ يوسف فَلا تَبْتَئِسْ أي فلا تحزن بِما كانُوا يَعْمَلُونَ
بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، وجمعنا على خير. ويبدو أنه أمره بكتمان ذلك عنهم، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده، معززا مكرما معظما
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي هيأ أسبابهم، وأوفى الكيل لهم جَعَلَ السِّقايَةَ هي مشربة من فضة. وفي التوراة الحالية (وطاسي طاس الفضة تضع في فم عدل الصغير). فِي رَحْلِ أَخِيهِ أي في متاع بنيامين ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أي نادى مناد أَيَّتُهَا الْعِيرُ العير: هي الإبل التي عليها الأحمال والمراد: يا أصحاب الجمال إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فلما سمعوا التهمة
قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ أي صاعه الذي يكيل به وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ أي وسق بعير من طعام. مكافأة لمن حصله وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي كفيل أن أؤديه لمن جاء به،
فتعجبوا أن يرمى أمثالهم بمثل هذه التهمة، مع ما دل عليه حالهم من أمانتهم، إذ ردوا بضاعتهم التي وجدوها في رحالهم كما تذكر التوراة الحالية، لذلك قالوا قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ أي ما كنا نوصف قط بالسرقة. والمعنى: لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا أنه ليس من سجايانا الإفساد والسرقة
قالُوا فَما جَزاؤُهُ الضمير يعود إما إلى السارق، أو إلى المسروق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ أي في جحودكم وادعائكم البراءة، أي شئ تكون عقوبته إن وجدنا فيكم الآخذ
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ أي السارق يدفع إلى المسروق منه، وفي التوراة الحالية (فقال نعم بحسب كلامكم هكذا يكون الذي يوجد معه يكون لي عبدا وأما أنتم فتكونون أبرياء) كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي هذه شريعتنا أن نجزي السراق بالاسترقاق، وهذا الذي أراد يوسف أن يصل إليه، ولهذا بدأ بأوعيتهم يفتشها قبل وعاء أخيه تورية
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ أي فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة. وفي التوراة الحالية (ففتش مبتدئا من الكبير حتى انتهى إلى الصغير، فوجد الطاس في عدل بنيامين) ثُمَّ اسْتَخْرَجَها أي السقاية مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم. وإلزامهم إلزاما لهم بما يعتقدونه، كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أي مثل ذلك الكيد العظيم كدنا ليوسف، أي علمناه إياه، ثم فسر الله ما كاد ليوسف فقال: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ أي في شريعته، وإنما قيض الله له أن التزم له إخوته بما التزموه، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي ما كان ليأخذه إلا بمشيئة الله وإرادته فيه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ هذا ثناء ضمني على يوسف إذ المعنى: نرفع