الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسيقاها. لمساتها الوجدانية التي تكمن وتتوزع هنا وهناك
.........
وهذه السورة تطوف بالقلب البشري في مجالات وآفاق وآماد وأعماق، وتعرض عليه الكون كله في شتى مجالاته الأخاذة: في السموات المرفوعة بغير عمد، وفي الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى. وفي الليل يغشاه النهار. وفي الأرض الممدودة وما فيها من رواس ثابتة وأنهار جارية وجنات وزروع ونخيل مختلف
الأشكال والطعوم والألوان، ينبت في قطع من الأرض متجاورات ويسقى بماء واحد- وفي البرق يخيف ويطمع، والرعد يسبح ويحمد، والملائكة تخاف وتخشع، والصواعق يصيب بها من يشاء، والسحاب الثقال والمطر في الوديان. والزبد الذي يذهب جفاء، ليبقى في الأرض ما ينفع الناس.
وهي تلاحق ذلك القلب أينما توجه: تلاحقه بعلم الله النافذ الكاشف الشامل، يلم بالشارد والوارد، والمستخفي والسارب ويتعقب كل حي، ويحصي عليه الخواطر والخوالج. والغيب المكنون الذي لا تدركه الظنون مكشوفا لعلم الله، وما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد.
إنها تقرب لمدارك البشر شيئا من حقيقة القوة الكبرى المحيطة بالكون ظاهره وخافيه جليله ودقيقه، حاضره وغيبه. وهذا القدر الذي يمكن لمدارك البشر تصوره هائل مخيف ترجف له القلوب، وذلك إلى الأمثال المصورة تتمثل في مشاهد حية حافلة بالحركة والانفعال إلى مشاهد القيامة. وصور النعيم والعذاب وخلجات الأنس في هذا وذلك. إلى وقفات على مصارع الغابرين وتأملات في سير الراحلين. وفي سنة الله التي مشت عليهم فإذا هم داثرون).
كلمة في سورة الرعد ومحورها في السياق القرآني العام:
إن محور سورة الرعد من سورة البقرة هو قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ والدليل على ذلك:
1 -
نلاحظ أن مقدمة السورة كانت: المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ فتأمل قوله تعالى: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ من أول سورة الرعد وقوله فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ من آيتي سورة البقرة
2 -
لاحظ قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ثم لاحظ في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ .... وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ .... اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى. هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ .... اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ .... لتجد أن الله يعرفنا عليه جل جلاله في سورة الرعد كما عرفنا على ذاته الكريمة هناك.
3 -
لاحظ في سورة البقرة: أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا
…
ولاحظ في سورة الرعد: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ .. مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ويلاحظ بشكل بارز في سورة الرعد كثرة الأمثال.
4 -
لاحظ في سورة البقرة قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وفي سورة الرعد وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .... وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ
…
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ
…
ولاحظ في سورة البقرة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
وفي سورة الرعد: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ* وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ* وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ*
فأنت تلاحظ نقاط التشابه الكثيرة بين سورة الرعد وبين الآيتين اللتين قلنا إنهما محور سورة الرعد من سورة البقرة، ثم هما يأتيان بعد قليل من قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا والتي قلنا عنها إنها محور سورة يوسف، كما أن سورة الرعد تأتي مباشرة بعد سورة يوسف. وعلى هذا فسورة الرعد تفصيل لقضايا مجملة في الآيتين من سورة البقرة، فهي تعريف على الله، وهي عرض لأقوال للكافرين، وفيها أمثال كثيرة يضربها الله عز وجل، وفيها تدليل على أن هذا القرآن حق، وفيها تفصيل لسمات الذين يستحقون الاهتداء بهذا القرآن، وفيها تفصيل لصفات الفاسقين، وفيها وفيها مما ستراه من خلال التفسير، مما يؤكد لك أن ما اتجهنا إليه في هذا التفسير صحيح، إن في موضوع الوحدة القرآنية، أو في محاور السور بناء على ذلك
ولعلنا لاحظنا أن نوعية التفصيل في القرآن تختلف عن أي نوع من أنواع التفصيل المعروف عند البشر، لقد ظهر الله عز وجل في القرآن كما ظهر في هذا الكون، فهو الظاهر بآياته، سواء كانت آياته في الكون، أو آياته في القرآن. وكما أنك ترى الكون أجزاء وأجزاء، وكل جزء فيه يرجع إلى أصل كبير، ثم تجد الأشياء كلها ترجع إلى نوع عجيب من الوحدة يعرفه العالمون. كنا أشرنا إليه في كتابنا عن الله جل جلاله فكذلك هذا القرآن يظن الجاهل أنه لا رابطة بين آياته فضلا عن سوره، ولكن من فتح الله على قلبه يرى كيف أن هذا القرآن كهذا الكون، تجده على أدق نظام، وعلى أدق ترتيب، وعلى أدق انسجام، وعلى أعظم مظهر من مظاهر الوحدة الكلية التي
تربط بين آياته وسوره، مما لا يعرف حتى العالمون عنه إلا القليل. ونحب قبل أن نبدأ عرض سورة الرعد أن نلفت النظر إلى أن قضية الضلال والهداية وأسبابهما، وهي من المعاني الرئيسية في سورة الرعد فليتنبه لذلك لأن فهم هذه القضية يشكل جزءا عظيما من أجزاء المعرفة الصحيحة. تتألف السورة من مقدمة هي آية واحدة، وثلاثة مقاطع كما سنرى.