الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درجات في العلم من نشاء، كما رفعنا درجة يوسف عليه السلام وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أي وفوق كل ذي علم أرفع درجة منه في علمه، أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم وهو الله عز وجل. قال الحسن البصري في تفسيرها: ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عز وجل. وقال سعيد بن جبير: كنا عند ابن عباس فحدث بحديث عجيب، فتعجب رجل فقال: الحمد لله، فوق كل ذي علم عليم، فقال ابن عباس: بئس ما قلت، الله العليم فوق كل عالم».
نقل:
بمناسبة قوله تعالى: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ .. قال صاحب الظلال: (إن هذه النص يحدد مدلول كلمة «الدين» - في هذا الموضع- تحديدا دقيقا .. إنه يعني: نظام الملك وشرعه .. فإنه نظام الملك وشرعه ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه في جزاء سرقته. إنما هذا نظام يعقوب وشريعة دينه، وقد ارتضى إخوة يوسف تحكيم نظامهم هم وشريعته، فطبقها يوسف عليهم عند ما وجد صواع الملك في رحل أخيه .. وعبر القرآن الكريم عن النظام والشريعة بأنها «الدين» هذا المدلول القرآني الواضح هو الذي يغيب في جاهلية القرن العشرين عن الناس جميعا. إنهم يقصرون مدلول «الدين» على الاعتقاد والشعائر .. ويعدون كل من يعتقد في وحدانية الله وصدق رسوله ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويؤدي الشعائر المكتوبة .. داخلا في «دين الله» مهما تكن دينونته بالطاعة والخضوع، وإقراره بالحاكمية لغير الله من الأرباب المتفرقة في الأرض .. بينما النص القرآني هنا يحدد مدلول «دين الملك» بأنه نظام الملك وشريعته وكذلك «دين الله» فهو نظامه وشريعته ..
إن مدلول «دين الله» قد هزل وانكمش حتى صار لا يعني في تصور الجماهير الجاهلية إلا الاعتقاد والشعائر .. ولكنه لم يكن كذلك يوم جاء هذا الدين منذ آدم ونوح إلى محمد عليهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وإفراده سبحانه بالألوهية في الأرض مثل إفراده بالألوهية في السماء، وتقرير ربوبيته وحده للناس أي: حاكميته وشرعه وسلطانه وأمره وكان مفرق الطريق دائما بين من هم في دين «الله» ومن هم في «دين الملك» أن الأولين يدينون لنظام الله وشرعه وحده، وأن الآخرين يدينون لنظام الملك وشرعه. أو يشركون فيدينون لله في الاعتقاد والشعائر ويدينون لغير الله في النظام والشرائع!
وخير لنا من أن ندافع عن الناس- وهم في غير دين الله- ونتلمس لهم المعاذير، ونحاول أن نكون أرحم بهم من الله الذي يقرر دينه وحدوده! خير لنا من هذا كله أن نشرع في تعريف الناس حقيقة مدلول «دين الله» ليدخلوا فيه أو يرفضوه ..
هذا خير لنا وللناس أيضا .. خير لنا لأنه يعفينا من تبعة ضلال هؤلاء الجاهلين بهذا وخير للناس لأن مواجهتهم بحقيقة ما هم عليه- وأنهم في دين الملك لا في دين الله- قد تهزهم هزة تخرجهم من الجاهلية إلى الإسلام ومن دين الملك إلى دين الله!
كذلك فعل الرسل- عليهم صلوات الله وسلامه- وكذلك ينبغي أن يفعل الدعاة إلى الله في مواجهة الجاهلية في كل زمان ومكان .. » ولنتابع عرض القصة:
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ أي يوسف فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ أي مقالتهم إنه سرق كأنه لم يسمعها وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً أي أنتم شر منزلة في السرقة، وكأنه أراد سرقته من أبيه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ أي بما تقولون أو تكذبون من اتهامكم بنيامين وأخيه بالسرقة، ولما تعين أخذ بنيامين وتقرر بمقتضى اعترافهم شرعوا يترفقون له، ويعطفونه عليهم
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً في السن فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ أي بدله يكون عندك عوضا عنه على وجه الاسترقاق أو الاسترهان، فإن أباه يتسلى به. وفي التوراة الحالية المحرفة في الإصحاح الرابع والأربعين من سفر التكوين نجد: (ثم تقدم إليه يهوذا وقال استمع يا سيدي ليتكلم عبدك كلمة في أذني سيدي. ولا يحم غضبك على عبدك. لأنك مثل فرعون. سيدي سأل عبيده قائلا هل لكم أب أو أخ فقلنا لسيدي لنا أب شيخ وابن شيخوخة صغير مات أخوه وبقي هو وحده لأمه وأبوه يحبه. فقلت لعبيدك انزلوا به إلي فأجعل نظري عليه. فقلنا لسيدي لا يقدر الغلام أن يترك أباه، وإن ترك أباه يموت.
فقلت لعبيدك إن لم ينزل أخوكم الصغير معكم لا تعودون تنظرون وجهي. فكان لما صعدنا إلى عبدك أبي أننا أخبرناه بكلام سيدي، ثم قال أبونا ارجعوا اشتروا لنا قليلا من الطعام. فقلنا لا نقدر أن ننزل وإنما إذا كان أخونا الصغير معنا ننزل. لأننا لا نقدر أن ننظر وجه الرجل وأخونا الصغير ليس معنا. فقال لنا عبدك أبي أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي اثنين. فخرج الواحد من عندي وقلت إنما هو قد افترس افتراسا. ولم أنظره إلى الآن. فإن أخذتم هذا أيضا من أمام وجهي وأصابته أذية تنزلون شيبتي بشر إلى الهاوية. فالآن متى جئت إلى عبدك أبي والغلام ليس معنا ونفسه مرتبطة بنفسه يكون
متى رأى أن الغلام مفقود أنه يموت. فينزل عبيدك شيبة عبدك أبينا بحزن إلى الهاوية.
لأن عبدك ضمن الغلام لأبي قائلا إن لم أجئ به إليك أصر مذنبا إلى كل الأيام. فالآن ليمكث عبدك عوضا عن الغلام عبدا لسيدي، ويصعد الغلام مع إخوته. لأني كيف أصعد إلى أبي والغلام ليس معي لئلا انظر الشر الذي يصيب أبي)
ولنا على هذا النقل ملاحظة سريعة هي أن النص قيد البدل بأنه يهوذا، بينما النص القرآني ترك ليوسف الخيار في أن يأخذ من يشاء، وهذا من تحريف النساخ كما سنرى في آخر القصة.
وبعد أن اقترحوا أن يأخذ أحدهم مكانه أثنوا عليه إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي إلينا فأتمم إحسانك، أو بشكل مطلق أي من عادتك الإحسان فاجر على عادتك ولا تغيرها
قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ أي نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إذ هو منطق العدل، ولم يكن ذلك إلا كما قلتم واعترفتم وألزمتم به أنفسكم إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ أي إن أخذنا بريئا بمن وقع بمثل ما رأيتم، أي إن أخذنا بدله ظلما، لأنه وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصاع في رحله، واستعباده فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلما في مذهبكم فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم؟!
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ أي فلما يئسوا من يوسف وإجابته إياهم، أو فلما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين خَلَصُوا أي انفردوا عن الناس نَجِيًّا أي يتناجون فيما بينهم يديرون أمرهم على أي صفة يذهبون، وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم قالَ كَبِيرُهُمْ هل المراد هنا كبيرهم في السن فيكون رأوبين؟ أو المراد به كبيرهم في الشأن، والعقل والوفاء فيكون يهوذا؟ وهو رواية التوراة الحالية أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أي لتردنه إليه، وقد تعذر هذا وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ
أي مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه. والمعنى: ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم، أو ومن قبل هذا تفريطكم كائن في يوسف، وبسبب هذا فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أي فلن أفارق أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أي في الرجوع إليه راضيا عني أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي إما بالخروج منها أو بالموت، أو بتخليص بنيامين، أو بالإيحاء إلى يعقوب ببراءتنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنه لا يحكم إلا بالعدل،
ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع حتى يكون عذرا لهم عنده،
ويتنصلوا إليه ويبرءوا مما وقع، فقال: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أي وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا من سرقته
وتيقنا، إذ الصواع استخرج من وعائه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أي وما علمنا أنه سيسرق، حين أعطيناك المواثيق، وما كنا في الغيب عالمين أنه سرق له شيئا عند ما سألنا جزاء السارق،
فقلنا ما قلنا وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها أي مصر. أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أي والقافلة التي رافقناها عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أخبرناك به من أنه سرق وأخذوه بسرقته
قالَ أي بعد أن رجعوا إليه، وقالوا له ما قال لهم أخوهم بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً هذا مثل قوله لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب، اتهمهم بسبب سابقتهم وبدلالة حالهم. كأنه قال: من أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي لا شكوى معه، ثم ترجى من الله تعالى: أن يرد عليه أولاده الثلاثة: يوسف، وبنيامين، ومن بقي في مصر فقال عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ ولم يقل بهما لأنهم أصبحوا ثلاثة جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي في الحزن والأسى الْحَكِيمُ في أفعاله وقضائه وقدره الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ أي وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وَقالَ يا أَسَفى أي يا أسفي، والأسف: أشد الحزن والحسرة عَلى يُوسُفَ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين الأول، دل هذا على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضا عنده وطريا وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ أي مملوء من الغيظ على أولاده، ولا يظهر ما يسوؤهم وعلى هذا فمعنى كظيم: ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق. وفسرها بعضهم بأنه كئيب حزين.
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا أي لا تفتأ أي لا تزال تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفارق تذكر يوسف حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أي ضعيف القوة مشفيا على الهلاك أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ حقيقة أي إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك العجز أو الهلاك. قالوا له هذا رقة له، وشفقة عليه، ورأفة به، وهم في الظاهر سبب ما هو فيه، دل ذلك على مبلغ حزنه. قال النسفي: ويجوز للنبي أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على ألا يملك نفسه عند الحزن، ولذلك حمد صبره
قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي البث: أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ أي إنما أشكو إلى ربي داعيا له، وملتجئا إليه فخلوني وشكايتي وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي وأعلم من رحمته أنه يأتيني
بالفرج من حيث لا أحتسب، ولعلها إشارة إلى تيقنه أنه سيلقى يوسف، ويحدث ما رأى يوسف في رؤياه، أو لعله أشار إلى معرفته من قبل الوحي أن يوسف لم يمت،
ثم ندب بنيه إلى الذهاب في الأرض مستعلمين أخبار يوسف وأخيه يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ أي فتعرفوا منهما، وتطلبوا خبرهما، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر، ثم نهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله، وألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فقال وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه إِنَّهُ أي إن الأمر والشأن لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته، وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته، فييأس من رحمته
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ تقدير الكلام فذهبوا فدخلوا مصر، ودخلوا على يوسف قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أي الهزال من الشدة والجوع، أو أنهم شكوا الضر من الجدب والقحط وقلة الطعام وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أي مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ أي أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا أي وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة، أو زدنا على حقنا، أوهب لنا أخانا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ خاطبوه بلغة الإيمان. وعندئذ كشف لهم نفسه
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ لا تعلمون قبحه، أو إذ أنتم في حد السفه والطيش. أو إذ أنتم عاصون. قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. قال ابن كثير: والظاهر- والله أعلم- أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك. والله أعلم لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟ والاستفهام هنا يدل على الاستعظام. أي إنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من زمن وهم لا يعرفونه، وهو مع هذا يعرفهم، ويكتم نفسه قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالألفة بعد الفرقة.
ذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة، ولم يبدأ بالملامة والعتاب إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله بترك معصيته، وفعل طاعته وَيَصْبِرْ على قضاء الله وقدره، وعن المعاصي وعلى الطاعة فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ والسياق يدل على أن المحسن من
اجتمع له التقوى والصبر. وقد قالوا في تفسيرها: من يتق مولاه، ويصبر على بلواه، لا يضيع أجره في دنياه وعقباه
قالُوا معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق، والسعة والملك، والتصرف والنبوة أيضا على قول من لم يجعلهم أنبياء. وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا أي اختارك وفضلك علينا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ أي وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم، لم نتق ولم نصبر، ولسان الحال يقول: لا جرم أن الله أعزك بالملك، وأذلنا بالتمسكن بين يديك
قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أي لا تأنيب عليكم، ولا عتب، ولا تعيير، وقوله اليوم يفيد أنني لا أثر بكم اليوم، وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بغيره من الأيام،
ثم زادهم الدعاء بالمغفرة فقال يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي إذا رحمتكم وأنا الفقير القتور، فما ظنكم بالغني الغفور
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً أي يصير بصيرا، أو يأت إلي وهو بصير وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ أي بجميع آل يعقوب. لينعموا بآثار ملكي كما اغتموا بأخبار هلكى
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ أي خرجت من مصر قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ أي لولا أن تنسبوني إلى الخرف والكبر، إذ التفنيد النسبة إلى الفند: وهو الخرف وإنكار العقل، والمعنى: لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني
قالُوا أي أسباطه تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ أي لفي خطئك القديم من حب يوسف، أو لفي نفس ذهابك القديم عن الصواب في إفراط محبتك ليوسف، وعلى كل فقد قالوا كلمة غليظة ما ينبغي أن تقال لأب، فكيف إذا كان رسولا
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أي حامل القميص أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب فَارْتَدَّ بَصِيراً أي فرجع مبصرا قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ إشارة إلى أقواله السابقة إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ أو لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أو إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ،
فعند ذلك قالوا لأبيهم مترفقين: قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ أي سل الله مغفرة ما ارتكبنا في حقك وحق ابنك، إنا تبنا واعترفنا بخطايانا
قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي أخر الاستغفار إما لوقت، أو ليتعرف حالهم في صدق التوبة، أو إلى أن يسأل يوسف هل عفا عنهم إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي من تاب إليه تاب عليه
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أي ضم إليه أَبَوَيْهِ أي يعقوب وزوجته، أي خالته، والخالة أم وَقالَ لهم بعد ذلك ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ