الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل عن الألوسي في سورة يوسف عليه السلام:
قال الألوسي: (وسبب نزولها على ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه على أصحابه زمانا فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت، وقيل: هو تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما يفعله به قومه بما فعلت إخوة يوسف عليه السلام به، وقيل: إن اليهود سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحدثهم بأمر يعقوب وولده وشأن يوسف وما انتهى إليه فنزلت، وقيل: إن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فسألوه فنزلت. ويبعد القولين الأخيرين- فيما زعموا- ما أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن حبرا من اليهود دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف فقال: يا محمد من علمكها؟ قال: الله علمنيها، فعجب الحبر لما سمع منه فرجع إلى اليهود فقال لهم: والله إن محمدا ليقرأ القرآن، كما أنزل في التوراة، فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه فجعلوا يستمعون إلى قراءة سورة يوسف فتعجبوا وأسلموا عند ذلك، وفي القلب من صحة الخبر ما فيه، ووجه مناسبتها للتي قبلها اشتمالها على شرح ما قاساه بعض الأنبياء عليهم السلام من الأقارب، وفي الأولى ذكر ما لقوا من الأجانب، وأيضا قد وقع فيما قبل فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وقوله سبحانه وتعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ووقع هنا حال يعقوب مع أولاده، وما صارت إليه عاقبة أمرهم مما هو أقوى شاهد على الرحمة، وقد جاء عن ابن عباس. وجابر بن زيد أن يونس نزلت. ثم هود. ثم يوسف، وعد هذا وجها آخر من وجوه المناسبة).
كلمة في سورة يوسف ومحورها:
تبدأ سورة يوسف بقوله تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ....
وتنتهي سورة يوسف بقوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ* ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
تأمل هذه البداية والنهاية وتذكر: أن سورة يونس جاءت مفصلة للآية الأولى في
البقرة: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
وأن سورة هود مفصلة لقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وسنرى أن سورة الرعد تأتي مفصلة لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ....
فالمفروض على حسب نظريتنا التي مشينا عليها أن يكون محور سورة يوسف ما بين قوله تعالى في البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
…
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها
وأول آية تصادفنا بعد قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً
…
هي: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وإذا تأملنا مقدمة سورة يوسف ونهايتها، أدركنا أن محور السورة هو هذا. فسورة يوسف تبدأ بتقرير أن منزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم هو الله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه هذا القرآن كان من الغافلين، وتختم السورة بنفي أن يكون هذا القرآن مفترى من دون الله، وما بين ذلك تأتي قصة يوسف عليه السلام، بتفصيل وترتيب عجيبين ليكون ذكرها في هذا المقام دليلا على أن هذا القرآن من عند الله، وعلى أنه لا يرقى إليه ريب ولا شك، وأنه لا يكون إلا من عند الله بما حواه من تفصيل لكل شئ وهداية ورحمة.
وإذن فسورة يوسف فيها الدليل على: أن منزل هذا القرآن هو الله، وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبا على الله، وأن ذكر قصة يوسف على مثل هذا البيان والتفصيل والكمال والعظة والصدق والدقة والبلاغة في اللفظ والأسلوب والعرض وبما يصدق ما في الكتب السماوية السابقة، كل ذلك دليل على أن مثل هذا الكمال لا يصدر إلا عن المحيط علما بكل شئ وهو الله جل شأنه.
إن محور سورة يوسف هو قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ إن السورة تؤكد أن هذا القرآن تنزيل من الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وتقيم الدليل على
ذلك بما حوته من إعجاز.
لقد ختمت سورة يوسف بقوله تعالى: وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. فهذا الختام يوحي أن سورة يوسف علامة ونموذج على هذا التصديق، وعلى هذا التفصيل
…
ومن تأمل ما وصلنا من الكتب السابقة، وجد دليل هذا التفصيل والتصديق، ولو أن الكتب السابقة وصلتنا بلا تحريف ولا تبديل، لكنا أقدر على التدليل، ولكن إذا كان إرميا من عهده يتحدث عن أقلام النساخ الكاذبة، فماذا نقول نحن؟!.
ومع كل التحريف والتبديل فإننا نجد مع ذلك كيف أن هذا القرآن تفصيل لكل شئ وتصديق الذي بين يديه. ولنضرب مثالا على التفصيل:
نلاحظ مثلا أن أسفار موسى عليه السلام الخمسة، والتي يسميها بعضهم التوراة، والتي نؤكد أنها ليست التوراة، وإنما التوراة جزء منها مع التحريف والتبديل كما أثبتنا ذلك أثناء الكلام عن سورة الأعراف- هذه الأسفار الخمسة تكاد تكون موجودة في القرآن، وهي جزء من المعاني الموجودة فيه.
فسفر التكوين مثلا، والذي يتألف من قصة آدم، ثم قصة نوح، ثم قصة إبراهيم، ثم قصة يعقوب ويوسف، نجده كله تقريبا في القرآن، ما عدا حشوا لا يترتب عليه فائدة، أو كذبا مختلقا كما سنرى. وسفر الخروج مثلا يكاد يكون محتوى في سورة الأعراف وغيرها. وسفر العدد يكاد يكون محتوى في سورة الأعراف، وسورة المائدة، وسفر اللاويين وسفر التثنية تجدهما مبثوثين في القرآن في أمكنة متفرقة.
وإذا تأملت ما في الزبور من معان، وما في الإنجيل من قصص ومعان، وأخبار الرسل، وتاريخ بني إسرائيل، تجده كله يكاد يكون موجودا في القرآن، حتى إن قارئ القرآن، وقارئ كتب العهد القديم والجديد، يكاد لا يستغرب ما يقرأ، فإذا كان هذا بعض ما في هذا القرآن أدركنا رشحة من رشحات كون هذا القرآن وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ.
وأما كون هذا القرآن وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ فإنك تجد أن كثيرا مما تعرض له القرآن موجودة أصوله في الكتب السابقة، ولو أن هذه الكتب قد وصلتنا كما أنزلت لرأينا المطابقة الكاملة، ولكن هذه الكتب حرفت وبدلت. ولنضرب مثالا على التحريف والتبديل الذي يراه القارئ بوضوح في سفر التكوين، الذي ذكر فيه قصة يوسف وإخوته.
تجد مثلا في الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين كلاما عن سارة، وشيخوختها، بينما نجد في الإصحاح العشرين أنها من الجمال بحيث تكون محل طمع الملوك. وفي الإصحاح الحادي والعشرين: كلام عن هاجر وإسماعيل، وأن إبراهيم طرحهما في برية بئر السبع، مع أن البداهة التاريخية تحكم أن العرب المستعربة من نسل إسماعيل، وقريش من نسل إسماعيل، والعرب أعرف الخلق بأنسابها، ولم تزل قصة زمزم والحرم متوارثة عند العرب، فأي تحريف مثل هذا التحريف!.
وفي الإصحاح الثاني والعشرين دعوى أن الذبيح إسحاق مع أن الإصحاح يقول «خذ ابنك وحيدك» فكيف يكون الذبيح إسحاق وهو ليس الابن الوحيد لإبراهيم بنص التوراة نفسها.
ونلاحظ أيضا أن التوراة الحالية تذكر أكثر من تعليل لتسمية بئر السبع ففي كل مرة يذكر سبب يختلف عن الآخر للتسمية، وهذا يدل على التناقض.
وكثير من الإصحاحات تنسب الزنا للأنبياء بالبنات وغيرهن.
وفي الإصحاح الخامس والثلاثين نجد العبارة التقليدية التي تدلل على أن كتابة هذه الأسفار كانت متأخرة جدا وهي عبارة «إلى اليوم» .
كما نلاحظ في هذا الإصحاح أنه يذكر أن رأوبين بن يعقوب زنى بسرية أبيه وفي الإصحاح الثامن والثلاثين أن يهوذا زنى بكنته، وأمثال هذا السخف كثير كل هذا وأمثاله مما أشرنا إلى بعضه أثناء الكلام عن سورة الأعراف يرينا مقدار التحريف الذي حدث في هذه الأسفار، ومن ثم كان القرآن مصدقا بالجملة لما بين يديه مما نراه الآن، ولو كان التحريف لم يطرأ لرأينا التصديق التفصيلي مع التصديق الإجمالي:
وإذا كانت التوراة الحالية قد كتبت في عصور متأخرة جدا- كما تشهد نصوصها- وأعظم ما يشهد لذلك ما نقلناه من قبل، وهو ما ورد في آخر سفر التثنية في الإصحاح الرابع والثلاثين عن موت موسى، ودفن في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم».
فهذا يدل على أن الأسفار ليست التوراة بل فيها بعض التوراة ويدل على أن هذه الأسفار الخمسة كتبت بعد آماد متطاولة جدا.
ومن ثم نجد التخاليط، والتحريف، والتبديل، والنقص، والإسفاف، ونعلم فضل الله على هذه الأمة إذ جعل قرآنها محفوظا بحفظه، ونعلم أن القيمة التاريخية للروايات السابقة لا تساوي شيئا، ومن ثم نرى أن النقل عن هذه الكتب يعطيها اعتبارا لا تستحقه لخيانة أهلها فيها، وتقصيرهم في حفظها، ولولا أن رسولنا عليه الصلاة والسلام سمح لنا أن نحدث عن بني إسرائيل ما نقلنا، وبمناسبة الكلام عن قصة يوسف عليه السلام نقول: إن قصة يوسف في سفر التكوين تمتد من الإصحاح السابع والثلاثين، إلى نهاية الإصحاح الخمسين، تستوعب حوالي (24) صفحة مكتوبة بحروف صغيرة، وكثافة سطور، ولكن شتان بين الموجود في القرآن والموجود هناك، إن في الأسلوب، أو العرض، أو البلاغة، أو الإحاطة والشمول، أو في ذكر التفاصيل التي تحتاجها العبرة، ونفي الحشو الذي لا يترتب عليه شئ، هذا مع الاختصار، وفوق كل هذا فهذه رواية الله لهذه القصة لم تشب ولم تخالط، وتلك رواية الخونة والكاذبين والمحرفين، وكثيرا ما نقل المفسرون المسلمون عن التوراة في تفسير سورة يوسف على ما فيها، ونحن سنسير على سننهم فننقل في الحدود التي فصلت معنى ذكره القرآن، ولا نلتفت إلى ما سوى ذلك، وحتى هذا الذي ننقله نحب أن نذكر في
شأنه أننا لا نذكره إلا لمجرد الاستئناس، ومن تذوق طعم الحق في هذا القرآن عرف نوع طعم ما سواه، وإذ جرنا الكلام إلى هذه النقطة ننقل ما ذكره ابن كثير عند قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ في هذه السورة لمناسبته هذا المقام مع حذف الأسانيد وترك المكرر قال:
(ومما يناسب ذكره عند هذه الآية الكريمة، المشتملة على مدح القرآن، وأنه كاف عن كل ما سواه من الكتب، ما رواه الإمام أحمد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فغضب، وقال «أمتهوكون (1) فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» وروى أيضا
…
عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها
(1) التهوك: هو التحير.
عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن ثابت: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، قال: فسرى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» . وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي
…
عن خالد بن عرفطة قال: كنت جالسا عند عمر إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس (1)، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم.
قال: وأنت النازل بالسوس؟ قال: نعم، فضربه بقناة معه، قال: فقال الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس، فجلس فقرأ عليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
…
إلى قوله تعالى .. لَمِنَ الْغافِلِينَ فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا فقال له الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال، قال: مرني بأمرك أتبعه، قال: انطلق فامحه، بالحميم (2) والصوف الأبيض، ثم لا تقرؤه ولا تقرئه أحدا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة، ثم قال: اجلس، فجلس بين يديه، فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما هذا في يديك يا عمر؟» قال: قلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم، السلاح السلاح، فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه.
واختصر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية؛ فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون» فقال عمر: فقمت، فقلت: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبك رسولا، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقد روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي
…
عن سليم بن عامر أن جبير بن نفير حدثهم أن رجلين كانا بحمص في خلافة عمر رضي الله عنه، فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص، وكانا قد اكتتبا من اليهود صلاصفة (3)، فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين. يقولان: إن
(1) السوس: بلدة بخوزستان دانيال.
(2)
الحميم: هو الماء الساخن.
(3)
أي: صحفا.
رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة، وإن نهانا عنها رفضناها، فلما قدما عليه قالا:
إنا بأرض أهل الكتاب، وإنا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منه أو نترك؟ فقال: لعلكما كتبتما منه شيئا، فقالا: لا، قال: سأحدثكما: انطلقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيت خيبر، فوجدت يهوديا يقول قولا أعجبني، فقلت: هل أنت مكتبي مما تقول؟ قال: نعم. فأتيت بأديم، فأخذ يملي علي حتى كتبت في الأكرع (1)، فلما رجعت قلت: يا نبي الله، وأخبرته، قال:«ائتني به» فانطلقت أرغب عن المشي رجاء أن أكون جئت رسول الله ببعض ما يحب، فلما أتيت به قال:
«اجلس اقرأ علي» فقرأت ساعة، ثم نظرت إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يتلون، فتحيرت من الفرق، فما استطعت أن أجيز منه حرفا، فلما رأى الذي بي رفعه ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه وهو يقول:«لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكوا وتهوكوا» حتى محا آخره حرفا حرفا. قال عمر رضي الله عنه: فلو علمت أنكما كتبتما منه شيئا جعلتكما نكالا لهذه الأمة، قالوا: والله ما نكتب منه شيئا أبدا، فخرجا بصفنتهما، فحفرا لها فلم يألوا أن يعمقا، ودفناها، فكان آخر العهد منها. وهكذا روى الثوري
…
عن عبد الله بن ثابت الأنصاري عن عمر بن الخطاب بنحوه. وروى أبو داود في المراسيل
…
عن عمر نحوه. والله أعلم.)
نقلنا هذه النقول بين يدي سورة يوسف عليه السلام، ليعلم أن ما سننقله أثناء تفسيرها ليس من أجل أن نستهدي فيه، بل إما لنرده مقيمين الحجة على أهله، أو لنستأنس حيث استأنس العلماء في قضية يحتملها النص القرآني، أو لنقارن.
............
تتألف سورة يوسف عليه السلام من مقدمة، وقصة وخاتمة، والقصة نفسها تتألف من مشاهد فلنبدأ عرض المقدمة.
(1) الأكرع: جمع كراع وهو ما دق من عظم الساق.