الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحجة واضحة غير عمياء مع يقين وبرهان أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أي أدعوا إلى سبيل الله أنا، ويدعو إليه من اتبعني، فهو ومن اتبعه عليه الصلاة والسلام يدعون إلى الله على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي، أو المعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى وَسُبْحانَ اللَّهِ أي وأنزهه وأجله وأعظمه وأقدسه عن أن يكون له شريك أو نظير أو عديل أو ند أو ولد أو والد أو صاحبة أو وزير أو مشير أو أن يكون معه فاعل وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مع الله غيره، فسبيله عليه الصلاة والسلام، وسبيل أتباعه الدعوة إلى الإيمان والتوحيد على بصيرة، مع تنزيههم الله وإخلاصهم في توحيده، فإذا لم يجتمع للداعية إلى الله هذه المعاني لا يكون على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، مع التلبس الكامل بالتنزيه والتحقق بالتوحيد، مع الدعوة البصيرية المبصرة التي لا تلتبس حجتها الواضحة، وما أقل من تجتمع له هذه المعاني في عصرنا، وحتى في العصور التي جاءت بعد عصر السلف، وهكذا أقام الله عز وجل الحجة لرسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم بمضمونها وبحاله عليه الصلاة والسلام حال أتباعه، بعد أن أقام الحجة عليهم- كما رأينا- بمضمون قصة يوسف.
ومن الآية الأخيرة ندرك أن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقوم على الدعوة إلى الإيمان والتوحيد بالبرهان المبصر والحجة الواضحة، مع التلبس بكمال التنزيه
وكمال التوحيد، واجتماع هذه المعاني هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشكلة عصرنا أن كثيرا من الدعاة إلى الله لا يعطون الدعوة إلى الإيمان والتوحيد مداها، كما أن الكثيرين منهم يدعون إلى جوانب ليست الحجة فيها واضحة، فمن من الدعاة قد تحقق بالتنزيه الكامل لله إقرارا واستشعارا، ومن من الدعاة من لا يسير إلا على ما قامت عليه الحجة العقلية أو النقلية، ومن من الدعاة يعطي الدعوة إلى التوحيد والإيمان مكانهما الصحيح الأول.
ومن من الدعاة لا يعارض الصحيح بالضعيف ويتلبس بما دل عليه حديث موضوع، ويناقض عقلا بنقل، أو نقلا بعقل.
نقول من الظلال:
ننقل هنا ثلاثة نقول من الظلال: الأول حول قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. قال صاحب الظلال:
(والآيات الدالة على الله وحدانيته وقدرته كثيرة مبثوثة في تضاعيف الكون. معروضة للأبصار والبصائر. في السموات وفي الأرض يمرون عليها صباح مساء، آناء الليل
وأطراف النهار. وهي ناطقة تكاد تدعو الناس إليها. بارزة تواجه العيون والمشاعر.
موحية تخايل للقلوب والعقول ولكنهم لا يرونها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسون إيقاعها العميق.
وإن لحظة تأمل في مطلع الشمس ومغيبها. لحظة تأمل في الظل الممدود ينقص بلطف أو يزيد. لحظة تأمل في الخضم الزاخر، والعين الفوارة والنبع الروي. لحظة تأمل في النبتة النامية، والبرعم الناعم، والزهرة المتفتحة، والحصيد الهشيم، لحظة تأمل في الطائر السابح في الفضاء، والسمك السابح في الماء، والدود السارب، والنمل الدائب، وسائر الحشود والأمم من الحيوان والحشرات والهوام .. لحظة تأمل في صبح أو مساء في هدأة الليل أو في زحمة النهار .. لحظة واحدة يتسمع فيها القلب البشري إلى إيقاعات هذا الوجود العجيب .. إن لحظة واحدة لكافية لارتعاش هذا القلب بقشعريرة الإدراك الرهيب والتأثر المستجيب. ولكنهم يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لذلك لا يؤمن الأكثرون!
وحتى الذين يؤمنون، كثير منهم يتدسس الشرك- فى صورة من صوره- إلى قلوبهم. فالإيمان الخالص يحتاج إلى يقظة دائمة تنقي القلب أولا بأول كل خالجة شيطانية وكل اعتبار من اعتبارات هذه الأرض في كل حركة وكل تصرف لتكون كلها لله.
خالصة له دون سواه، والإيمان الخالص يحتاج إلى حسم كامل في قضية السلطان على القلب وعلى التصرف والسلوك فلا تبقى في القلب دينونة إلا لله سبحانه ولا تبقى في الحياة عبودية إلا للمولى الواحد الذي لا راد لما يريد)
والنقل الثاني من الظلال حول قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ .. قال صاحب الظلال: (مشركون قيمة من قيم هذه الأرض في تقديرهم للأحداث والأشياء والأشخاص. مشركون سببا من الأسباب مع قدرة الله في النفع أو الضر سواء. مشركون في الدينونة لقوة غير قوة الله من حاكم أو موجه لا يستمد من شرع الله دون سواه. مشركون في رجاء يتعلق بغير الله من عباده على الإطلاق.
مشركون في تضحية يشوبها التطلع إلى تقدير الناس. مشركون في جهاد لتحقيق نفع أو دفع ضر ولكن لغير الله. مشركون في عبادة يلحظ فيها وجه مع وجه الله .. لذلك يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل» وفي الأحاديث نماذج من هذا الشرك الخفي، روى الترمذي- وحسنه- من رواية ابن عمر، «من
حلف بغير الله فقد أشرك» وروى أحمد وأبو داود وغيره عن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم شرك» وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علق تميمة فقد أشرك»
وعن أبي هريرة- بإسناده- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشريكه» وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد بن أبي فضالة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ينادي مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» .
وروى الإمام أحمد- بإسناده- عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟
فهذا هو الشرك الخفي الذي يحتاج إلى اليقظة الدائمة للتحرز منه ليخلص الإيمان.
وهناك الشرك الواضح الظاهر، وهو الدينونة لغير الله في شأن من شئون الحياة الدنيوية في شرع يتحاكم إليه- وهو نص في الشرك لا يجادل عليه
…
والأمر في مثل هذه الشئون يتجاوز منطقة الإثم والذنب بالمخالفة حين يكون طاعة العبيد .. إنه عندئذ لا يكون ذنبا ولكنه شرك، لأنه يدل على الدينونة لغير الله فيما يخالف أمر الله .. وهو من هذه الناحية أمر خطير .. ومن ثم يقول الله .. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ..
والنقل الثالث حول قوله تعالى:
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قال صاحب الظلال: (هذه طريقي فمن شاء فليتابع، ومن لم يشأ فأنا سائر
في طريقي المستقيم وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون ولا يكفي أن يدعو أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي، فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شئ آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص