الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كل أرض مصر وحل في جميع تخوم مصر شئ ثقيل جدا لم يكن قبله جراد هكذا مثله ولا يكون بعده كذلك. وغطى وجه كل الأرض حتى أظلمت الأرض. وأكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرد. حتى لم يبق شئ أخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كل أرض مصر).
ويتردد في هذا المقام تعبير (ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل).
(ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما كما كلم الرب موسى) قد يكون في هذه الروايات الإسرائيلية مظهر من مظاهر إجابة دعوة موسى وهارون في الطمس على الأموال والتشديد على القلوب إن صحت.
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ هذه المجاوزة المعجزة التي مرت معنا في سورة الأعراف وتمر من بعد فَأَتْبَعَهُمْ أي فلحقهم فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً أي ظلما وعدوانا حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فآمن حيث لا ينفعه الإيمان
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ أي هذا الوقت تؤمن وقد عصيت الله قبل هذا وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ بضلالك وإضلالك عن الإيمان
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ أي نخرجك من البحر بِبَدَنِكَ أي جسدك الذي لا روح فيه لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ أي لمن بعدك آيَةً أي عبرة وعظة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون.
فوائد:
1 -
انعقد إجماع الأمة الإسلامية على عدم نجاة فرعون وأن إيمانه لا يقبل، وسبب ذلك أن سنة الله إذا جاء العذاب قوما قبل أن يؤمنوا فإن إيمانهم لا يقبل ساعئتذ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (غافر:
84، 85).
2 -
عند قوله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ قال الألوسي: (والقائل له ذلك قيل: هو الله تعالى، وقيل: هو جبريل عليه السلام،
وقيل: إنه ميكائيل عليه السلام. فقد أخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام: ما أبغضت شيئا من خلق الله تعالى ما أبغضت إبليس يوم أمر بالسجود فأبى أن يسجد، وما أبغضت شيئا أشد بغضا من فرعون فلما كان يوم الغرق خفت أن يعتصم بكلمة الإخلاص فينجو، فأخذت قبضة من حمأة فضربت بها في فيه، فوجدت الله تعالى عليه أشد غضبا مني، فأمر ميكائيل فأتاه فقال أالآن» الخ وما تضمنه هذا الخبر من فعل جبريل عليه السلام جاء في غير ما خبر. ومن ذلك ما أخرجه الطيالسي، وابن حبان. وابن جرير، وابن المنذر. وابن مردويه. والبيهقي في الشعب. والترمذي. والحاكم وصححاه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في في فرعون مخافة أن تدركه الرحمة» .
قال بعض المحققين: إنما فعل جبريل عليه السلام ما فعل غضبا عليه لما صدر منه، وخوفا أنه إذا كرر ذلك ربما قبل منه، على سبيل خرق العادة؛ لسعة بحر الرحمة الذي يستغرق كل شئ، وأما الرضا بالكفر فالحق أنه ليس بكفر مطلقا، بل إذا استحسن، وإنما الكفر رضاه بكفر نفسه، كما في التأويلات لعلم الهدى. انتهى.
والطيبي بعد أن أجاب بما أجاب أردف ذلك بقوله: على أنه ليس للعقل مجال في مثل هذا النقل الصحيح إلا التسليم ونسبة القصور إلى النفس) انتهى كلام الألوسي بشيء من الاختصار.
أقول: إن إساءة فرعون وعتوه قد بلغت مبلغا جسيما استحق به ما فعله به جبريل.
3 -
روى البخاري عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على.
فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموه» .
وهذه إحدى الملاحظات التي تسجل، والتي تشكل بمجموعها قاعدة هي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتبنى كل مناسبة لها علاقة برسول سابق؛ لأننا نحن أولى الناس بكل رسول.
4 -
يلاحظ أن التوراة قد سجلت غرق فرعون في البحر الأحمر، ولم تسجل نجاة
جسده، وكل الفراعنة الذي هم مظنة أن يكونوا فرعون موسى موجودة جثثهم محنطة.
وهذا الذي دعا كثيرا من المؤرخين الغربيين إلى أن يشككوا بصحة رواية التوراة الحالية، فإذا رأينا ما ذكره القرآن هنا من نجاة الجثة عرفنا الجواب الصحيح لهذا الموضوع بما يجمع بين رواية التوراة ومكتشفات العصر، وفي هذا معجزة عظيمة من معجزات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
5 -
يذكر المفسرون المسلمون كلاما عند قصص القرآن مرجعه في الغالب إلى كلام أهل الكتاب ونحن سننقل لك حول ما مر معنا الرواية الإسرائيلية الحالية:
في سفر الخروج الإصحاح الرابع عشر ما يلي: (فلما أخبر ملك مصر أن الشعب قد هرب تغير قلب فرعون وعبيده على الشعب. فقالوا: ماذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا. فشد مركبته وأخذ قومه معه. وأخذ ستمائة مركب منتخبة وسائر مركبات مصر وجنودا مركبية على جميعها. وشدد الرب قلب فرعون ملك مصر حتى سعى وراء بني إسرائيل. وبنو إسرائيل خارجون بيد رفيقه. فسعى المصريون وراءهم وأدركوهم جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه. وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث أمام بعل صفون.
فلما اقترب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم وإذا المصريون راحلون وراءهم ففزعوا جدا وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب. وقالوا لموسى هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر. أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين كف عنا فنخدم المصريين. لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية. فقال موسى للشعب لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضا إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون. فقال الرب لموسى ما لك تصرخ إلي، قل لبني إسرائيل أن يرحلوا. وارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه. فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة. وها أنا أشدد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم. فأتمجد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه. فيعرف المصريون أني أنا الرب حين أتمجد بفرعون ومركباته وفرسانه، فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم.
وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل. وصار السحاب والظلام وأضاء الليل، فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل. ومد موسى يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل.
وجعل البحر يابسة وأنشف الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر. وكان في هزيع الصبح أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقلة. فقال المصريون نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم.
فقال الرب لموسى مد يدك على البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم. فمد موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة والمصريون هاربون إلى لقائه. فدفع الرب المصريين في وسط البحر. فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر. لم يبق منهم ولا واحد. وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم.
فخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين. ورأى إسرائيل المصريين أمواتا على شاطئ البحر. ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين. فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى.)
6 -
ذكر ابن كثير حكمة تكرار قصة موسى عليه السلام في القرآن في سياق الكلام عن هذه القصة في سورة يونس قال: وكثيرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص، فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله سببا أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه، هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان، فجاءه برسالة الله تعالى، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية، والنفس الخبيثة الأبية، وقوى رأسه، وتولى بركنه، وادعى ما ليس له، وتجهرم على الله، وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل، والله تعالى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون، ويحوطهما