المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المراحل الأولى للوحي: - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ النَّاشِر

- ‌مقدمةالأساس في السنة وفقهها

- ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌ضخامة المكتبة الحديثية:

- ‌منهج تأليف هذا الكتاب

- ‌أقسام الكتاب

- ‌ثانياً: تعريف بأصول هذا الكتاب ومصنفيها

- ‌1 - الإمام البخاري وصحيحه

- ‌الجامع الصحيح

- ‌الحامل له على تأليف الصحيح:

- ‌منهج البخاري في جمع الصحيح:

- ‌براعة البخاري في النقد:

- ‌شروط البخاري في التصحيح في القمة:

- ‌2 - الإمام مسلم وصحيحه

- ‌صحيح الإمام مسلم

- ‌سماحة الإمام في البحث:

- ‌منهج مسلم في صحيحه:

- ‌خصائص صحيح مسلم:

- ‌3 - الإمام أبو داود وسننه

- ‌4 - الإمام الترمذي وسننه

- ‌5 - الإمام النسائي وسننه

- ‌6 - ابن ماجه وسننه

- ‌7 - الدارمي وسننه

- ‌شيوخه:

- ‌من روى عنه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌مرتبة هذه السنن عند المحدثين:

- ‌8 - الإمام مالك وموطؤه

- ‌9 - الإمام أحمد ومسنده

- ‌10 - 11 - 12 - معاجم الطبراني الثلاثة

- ‌13 - ابن حبان وصحيحه

- ‌14 - ابن خزيمة وصحيحه

- ‌15 - أبو يعلي ومسنده

- ‌16 - أبو بكر البزار ومسنده

- ‌17 - الحاكم ومستدركه

- ‌18 - رزين وابن الأثير وابن الديبع الشيبانيوالأصول الستة

- ‌19 - نور الدين الهيثمي ومجمع الزوائد

- ‌20 - محمد بن محمد بن سليمان المغربيوكتابه جمع الفوائد

- ‌المقدمة

- ‌تصحيح مفاهيم حول السيرة:

- ‌(1)حاجة البشرية إلى الدين

- ‌(2)محمد الرسول الأكمل صلى الله عليه وسلم

- ‌(3)شرط التاريخية

- ‌(4)شرط الكمال المطلق

- ‌(5)شرط الشمولية

- ‌(6)واقعية السيرة المحمدية

- ‌(7)عالمية السيرة المحمدية

- ‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

- ‌الباب الأولمنسيرته صلى الله عليه وسلموهومن البدء حتى النبوة الشريفة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌فَصْلٌ: في فضل النَّسَبِ وفي فضل الجيل

- ‌نسب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اصطفاء نبينا من خير بني آدم ومن خير الأجيال

- ‌تزكية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة

- ‌فائدة:

- ‌[هاجر] جدة رسولنا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌تعليق حول صدق إبراهيم عليه السلام

- ‌قصة إسماعيل الذبيح عليه السلام وبناء البيت

- ‌فائدة في التعريف بالقبائل العربية

- ‌فصل: في بعض البشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌بشارات في الكتب السابقة:

- ‌تعليق:

- ‌في قصة بحيرا شاهد على أنه عليه الصلاة والسلام مبشر به:

- ‌فائدة حول موضوع الكشف للأولياء:

- ‌فصل: في الميلاد

- ‌متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌ولد يتيماً صلى الله عليه وسلم:

- ‌تعليق حول الحكمة من هذا اليتم وذاك الفقر:

- ‌فصل: في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليق:

- ‌ما جاء عن رضاعه وتنشئته في البادية:

- ‌فائدة حول تنشئته صلى الله عليه وسلم في البادية:

- ‌فصل: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتكرار هذه الحادثة

- ‌فوائد حول حادثة شق الصدر:

- ‌فصل: في رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم والحكمة من ذلك

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في عصمته صلى الله عليه وسلم مما يشينه حتى قبل البعثة

- ‌بناء البيت وعصمته من كشف العورة:

- ‌عصمته من فعل الجاهلية:

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌فوائد حول حادث حلف الفضول:

- ‌فصل: في الإجارة عند خديجة ثم زواجه صلى الله عليه وسلم منها

- ‌تعليق حول الروايات السابقة:

- ‌فصل: في رجاحة عقله صلى الله عليه سلم وتلقيبه بالأمين قبل البعثة

- ‌فائدة حول تحكيمه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود:

- ‌بركته ومحبة الناس له وثقتهم به:

- ‌فصل: في مقدمات بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌تطلعات إلى دين جديد صحيح:

- ‌نقل حول ما وصل إليه العرب من سوء الأحوال وحاجتهم إلى الدين الجديد:

- ‌الفترة التي بين عيسى ونبينا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌إرهاصات بنبوته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة الباب

- ‌الباب الثانيمنالبعثة حتى الاستقرار في المدينة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌فصل: في بدء الوحي وفترته واستئنافه

- ‌السر في الخلوة:

- ‌حياته قبل النبوة:

- ‌المراحل الأولى للوحي:

- ‌فصل: في ظاهرة الوحي

- ‌أقسام الوحي:

- ‌حفظ أمر السماء بعد النبوة:

- ‌القرآنمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة

- ‌متى وكيف نزل القرآن:

- ‌فصل: في الدعوة السرية

- ‌بداية الدعوة في سريتها وفرديتها:

- ‌فصل: في الدعوة الجهرية

- ‌أصناف خصوم الدعوة الجهرية:

- ‌فصل ووصل

- ‌فصل: في هجرتي الحبشة

- ‌دروس من الهجرة إلى الحبشة:

- ‌فصل: في إسلام عمر وحمزة

- ‌دروس من إسلام عمر وحمزة:

- ‌فصل: في حصار الشِّعْب

- ‌درس من الحصار:

- ‌جزاء المقاطعة:

- ‌فصل: في انشقاق القمر

- ‌فصل: الإيذاء مستمر والدعوة مستمرة

- ‌فصل: عام الحزن والشدّة

- ‌فصل: في رحلة الطائف

- ‌فصل: في تبليغ الجن

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌فصل: في تكسير بعض الأصنام

- ‌فصل: في الإسراء والمعراج

- ‌زمن الإسراء والمعراج:

- ‌الإيمان بالإسراء والمعراج:

- ‌الإسراء بالروح وبالجسد:

- ‌فصل: في بداية دخول الإسلام المدينة المنورةوفي بيعتي العقبة

- ‌فصل: في الهجرة إلى المدينة المنورة

- ‌مقدمة:

- ‌الهجرة من دار الحرب إلى دار السلام:

- ‌فوائد من فتح الباري:

- ‌تعليق:

- ‌فوائد من كتاب الهجرة للدكتور محمد أبو فارس:

- ‌تأملات في العهد المكي وتصويبات

- ‌الباب الثالثمِنالاستقرار في المدينة حتى الوفاة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌أحادث السنة الأولى في سطور

- ‌فصل: المدينة عند الهجرة

- ‌ اليهود

- ‌الأوس والخزرج:

- ‌الوضع الطبيعي:

- ‌الحالة الدينية والمكانة الاجتماعية:

- ‌الحالة الاقتصادية والحضارية:

- ‌فصل: التأريخ بالهجرة

- ‌ للبداءة بالمحرم سببان:

- ‌فصل: في حسن الاستقبال وقوة الإقبال

- ‌فصل: المسجد أولاً

- ‌فصل: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌أهداف المؤاخاة:

- ‌فصل: في الترتيبات الدستورية

- ‌دروس من الصحيفة:

- ‌فصل: في البيعة

- ‌فصل: في الإذن بالقتال وبدء الحركة القتالية

- ‌فصل: في أمور متفرقةحدثت في السنة الأولى

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام:

- ‌2 - خروج وباء المدينة منها:

- ‌3 - دخوله عليه الصلاة والسلام بعائشة:

- ‌4 - تشريع الأذان وإكمال الصلاة:

- ‌5 - حراسة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الأولى

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌1 - في تحالفات هذا العام:

- ‌2 - في الحركة العسكرية:

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن جحش

- ‌دروس من هذه السرية:

- ‌الحكمة في السرايا:

- ‌فصل: في تحويل القبلة

- ‌دروس في تحويل القبلة:

- ‌عدد غزواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فصل: في غزوة بدر

- ‌تمهيد:

- ‌1 - مقدمات الغزوة

- ‌2 - صور ومشاهد

- ‌عوامل النصر

- ‌3 - الأنفال

- ‌فوائد:

- ‌4 - فضل أهل بدر

- ‌5 - الأسارى

- ‌6 - آيات بدرية

- ‌7 - من فقه غزوة بدر

- ‌8 - في أعقاب بدر

- ‌من نعم الله على المسلمين في غزوة بدر:

- ‌فصل: في إجراء يهود بني قينُقاعٍ

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الثانية للهجرة

الفصل: ‌المراحل الأولى للوحي:

وصفته بأصول مكارم الأخلاق، لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب، وإما بالبدن أو بالمال، وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل، وذلك كله مجموع فيما وصفناه به.

أقول: لعل أبلغ وصف توصف به حياته عليه الصلاة والسلام قبل النبوة ما وصفته به خديجة - وهي أعرف الخلق به - لقد اجتمع له عليه الصلاة والسلام أطهر قلبٍ وأكرمُ سلوكٍ، فكانت كرامة الله.

* * *

‌المراحل الأولى للوحي:

قال في الفتح:

(فائدة): وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق، وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان. وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين وهي ما بين نزول اقرأ ويا أيها المدثر عدم مجيء جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط. ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد، ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه. فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة. أخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصراً عن داود بلفظ: "بعث لأربعين، ووكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل. فعلى هذا فيحسن - بهذا المرسل إن ثبت - الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، فقد قيل ثلاث عشرة، وقيل عشر، ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة، والله أعلم. وقد حكى ابن التين هذه القصة، لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل، وأنكر

ص: 196

الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال: لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل، انتهى. ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم، والله أعلم. وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة، فإنه قال: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر. فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال ثلاث عشرة أضافهما. وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياماً.

أقول: على القول: إن فترة الوحي كانت ثلاث سنين فيكون نزول سورة المدثر والمزمل بعد بدء الوحي بثلاث سنين، وبسبب هذا القول ذهب من ذهب أن النبوة كانت على رأس الأربعين، وأن الرسالة كانت بعد ثلاث سنين، والراجح عندي أن الأمر بالدعوة لم يكن متأخراً كثيراً عن بدء الوحي، ولكن منذ بدء الوحي حتى انتهاء الفترة السرية كان ثلاث سنين، وعلى كل الأحوال فإن سورة {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نزلت بعد فترة الوحي، وعلى هذا تحمل الرواية التي تذكر أن أول ما نزل سورة المدثر فهي أولية نسبية ذلك أنها أول ما نزل بعد فترة الوحي.

49 -

* روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: سعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث عن فترة الوحي قال: "فقلت زملوني فدثروني فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} " قال هي الأوثان.

يؤكد هذا الحديث أن سورة المدثر نزلت بعد فترة الحي فليس هي أول سورة نزلت بإطلاق، بل هي أول ما نزل بعد فترة الوحي.

50 -

* روى البخاري عن جُندُب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: اشتكى رسولُ

49 - المستدرك (2/ 251) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه اللفظة.

زملوني: أي لفوني بثيابي، والمزمل هو الملتف بثيابه، وكذلك دثروني. الأوثان: الأصنام، والوثن هو الصنم.

50 -

البخاري (8/ 710) 65 - كتاب التفسير - 93 - سورة الضحى - 1 - باب: ما ودعك ربك وما قلى. ومسلم (3/ 1422) 32 - كتاب الجهاد والسير - 39 - باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين. =

ص: 197

الله صلى الله عليه وسلم، فلميقُم ليلتين أو ثلاثاً، فجاءته امرأةٌ، فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً، فأنزل الله عز وجل:{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (1).

وفي رواية قال: أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال المشركون: قد ودع محمدٌ، فأنزل الله عز وجل:{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} .

51 -

* روى الترمذي عن جُندب البجلي قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في غارٍ، فدميتْ إصبعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

هل أنتِ إلا إصبع دميتِ

وفي سبيل الله ما لقيتِ؟

قال: فأبطأ عليه جبريل عليه السلام، فقال المشركون: قد ودع محمدٌ، فأنزل الله تبارك وتعالى:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} .

ذكرت هذه الرواية ههنا لأنه اختلط على بعض العلماء فترة الوحي هذه بفترة الوحي التي كانت بعد فجأة الوحي وليس ذلك صحيحاً. قال صاحب الفتح:

والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الحي. فإن تلك دامت أياماً وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثاً. وههنا إشكال: أن بعض الروايات تذكر: أن خديجة قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلا قد قلاك، وقد قال صاحب الفتح في هذا:

وقع في رواية أخرى عن الحاكم (فقالت خديجة) وأخرجه الطبري أيضاً من طريق عبد الله بن شداد (فقالت خديجة ولا أرى ربك) ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه

= اشتكى: أي: مرض. والمرأة: هي أم جميل - بفتح الجيم - امرأة أبي لهب وأخت أبي سفيان، وقرب: بالضم لازم، يقال: قرب الشيء، أي: دنا، وبالكسر: متعد، يقال: قربته، أي: دنوت منه. شيطانك: أي أنها كانت تقول عن الوحي شيطان، قاتلها الله وتبت يداها ويدا زوجها. والليل إذا سجى: أي ثبت بظلامه وسكن بأهله. قلا: قلاه: إذا هجره، والاسم: القلي. ودع: أي فورق، ويقال ودع المسافر الناس أي فارقهم محيياً لهم.

(1)

الضحى: 1 - 3.

51 -

الترمذي (5/ 422) 48 - كتاب تفسير القرآن - 82 باب: ومن سورة الضحى، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 198

(فقالت خديجة لما ترى من جزعه)، وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات، فالذي يظهر أن كلاً من أم جميل وخديجة قالت ذلك، لكن أم جميل عبرت - لكونها كافرة - بلفظ شيطانك. وخديجة عبرت - لكونها مؤمنة - بلفظ ربك أو صاحبك، وقالت أم جميل شماتة وخديجة توجعاً.

وفي الجمع بين سببي النزول لقوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ، أقول: إنه قد يتكرر نزول الآية مرة بعد مرة على إثر حوادث متعددة.

52 -

* روى البخاري ومسلم عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فقلت: يقولون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قال أبو سلمة سألت جابراً، فقلت له مثل ما قلت لي، فقال لي جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله لعيه وسلم، قال:"جاروتُ بحراءٍ شهراً، فلما قضيت جواري، هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرتُ عن شمالي، فلم أر شيئاً، ونظرتُ أمامي فلم أر شيئاً، ونظرتُ خلفي، فلم أر شيئاً، فرفعتُ رأسي، فرأيت شيئاً، فأتيتُ خديجة، فقلت: دثروني، فدثروني، وصبوا علي ماء بارداً، فنزلت {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (1) " وذلك قبل أن تفرض الصلاة.

وفي رواية (2) "فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديتُ فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحداً، ثم نوديتُ، فنظرت فلم أر أحداً، ثم نوديتُ فرفعتُ رأسي، فإذا هو قاعدٌ على عرشٍ في

52 - والبخاري (8/ 676) 65 - كتاب التفسير - 74 - سورة المدثر.

مسلم (1/ 144) 1 - كتاب الإيمان - 73 - باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما قضيت جواري: أي محاورتي واعتكافي في الغار. فاستبطنت الوادي: أي: صرت في باطنه، فأخذتني رجفة شديدة: الرجفة: الاضطراب.

(1)

المدثر: 1 - 5.

(2)

مسلم (1/ 144) 1 - كتاب الإيمان - 73 - باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 199

الهواء - يعني جبريل - فأخذتني رجفةً شديدةً، فأتيت خديجة فقلت: دثرُوني، فدثِّروني، وصبوا عليَّ ماءً بارداً، فأنزل الله عز وجل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ".

وفي رواية (1)"فإذا هو جالسٌ على العرش بين السماء والأرضِ".

وفي رواية (2) عن أبي سلمة عن جابرٍ قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُحدثُ عن فترة الوحي، فقال لي في حديثه "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعتُ رأسي، فإذا الملكُ الذي جاءني بحراءٍ جالسٌ على كُرسيٌّ بين السماء والأرض فجُثِثْتُ منه رعباً، فرجعت، فقلتُ: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} " قبل أن تُفرض الصلاة، والرُّجزُ هي الأوثان.

وفي أخرى "فجُثِثْتُ منهُ حتى هويت إلى الأرضِ" وفيه: قال أبو سلمة (والرُّجزُ: الأوثان) قال: "ثم حمِيَ الوحيُ، وتتابع".

وأول هذه الرواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثُمَّ فترَ الوحيُ عنِّي فترةً، فبينا أنا أمشي

" ثم ذكر نحوه.

أقول: أولية نزول {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أولية نسبية فهي أول ما نزل بعد فترة الوحي. فالصحيح أن أول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وأما {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فكانت بعد ذلك. ويصدق في ذلك ما وقع في بعض روايات هذا الحديث "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" وقوله "ثم تتابع الوحي" أي بعد فترته.

(1) البخاري (8/ 678) 65 - كتاب التفسير - 74 - سورة المدثر - باب: (وثيابك فطهر).

(2)

مسلم (1/ 145) 1 - كتاب الإيمان - 73 - باب: بدء الوحي.

فإذا هو على العرش: المراد بالعرش الكرسي. قال أهل اللغة: العرش هو السرير، وقيل سرير الملك. قال تعالى:(ولها عرش عظيم). فجُثثتُ منه: يقال: "جُثِثْتُ" بهمزة قبل ثاء، وبثاءين، وبياءٍ وتاءٍ: كلمة بمعنى فَزِعْتُ، والذي في الرواية: الأول: هويت: هوى إلى الأرض وأهوى إليها. أي: سقط. ثم حمى الوحي وتتابع: أي كثر نزوله وازداد من قولهم حميت الشمس والنار أي قويت حرارتها.

ص: 200

وقبل كل ذلك الحديث الطويل الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها في قصة أول بعثته صلى الله عليه وسلم ونزول جبريل عليه بحراء.

بدأ الوحي بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وبعد فترة نزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} .... {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} فلنقف وقفة عند ذلك:

عند قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال السهيلي:

أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته، فهو يعلمك، كما خلقكم وكما نزعه عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية.

أقول: أخذ بعض أهل السلوك إلى الله عز وجل من هذا أن السالك إلى الله يبدأ بقراءة هذا الكون مستعيناً باسم الله، حتى إذا احترق بالذكر وأذن له شيوخه بالدعوة إلى الله قام بالدعوة، وعليه في هذا الحال أن يجتمع له دعوة وعبادة {قُمْ فَأَنْذِرْ} {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} ولا ينجح بالدعوة إلا من اجتمع له تعظيم الله {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} وطهارة الظاهر والباطن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} والتباعد عن عبادات الجاهلية {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} والعمل مع رؤية التقصير {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} والصبر على مقتضيات الدعوة {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} .

* * *

ص: 201