الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في حسن الاستقبال وقوة الإقبال
شهد الله عز وجل للأنصار بالإيثار وحب الأضياف المهاجرين. فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (1) وبهذه الروح وبحسن التربية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن التدبير حلت مشكلة الهجرة، وكأن ليس لها مشكلات مع أن مشكلات الهجرة من أعقد المشكلات في العالم.
وهذه نصوص نذكرها توضح حسن الاستقبال من الأنصار للمهاجرين ومنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثرة إقبالهم عليه صلى الله عليه وسلم.
231 -
* روى البخاري عن خارجة بن زيد رضي الله عنه: أن أم العلاء - امرأة من الأنصار - بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته: أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعهُ الذي توفي فيه، فلما توفي وغُسل وكُفن في أثوابه، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك أن الله أكرمُ؟ " فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال:"أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يُفعلُ بي؟ " قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً.
زاد في رواية قالت: وأريت لعثمان في النوم عيناً تجري، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال:"ذاك عملهُ".
وفي رواية قالت: فأحزنني ذلك، فنمتُ، فرأيت لعثمان عيناً تجري.
(1) الحشر: 9.
231 -
البخاري (2/ 114) 23 - كتاب الجنائز - 2 - باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه. فطار لنا: أي وقع لنا في سهمنا، أي صار من حظنا.
أبو السائب: تعني عثمان بن مظعون.
232 -
روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، لما قدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آتاه الهاجرون فقالوا: يا رسول الله. ما رأينا قوماً أبذل من كثير، ولا أحسن مواساةً من قليل، من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم".
واختصره أبو داود (1) وقال: إن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله، قال: لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم".
233 -
* روى البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: أقسم بيننا وبين إخواتنا النخيل. قال: "لا"، فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككُم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا.
234 -
* روى البخاري عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع. قال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فاقسم مالي نصفين. ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلققها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقطٍ وسمن
…
وذكر الحديث.
235 -
* روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوفٍ
232 - الترمذي (4/ 653) 38 - كتاب صفة القيامة - باب: 44. وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه.
المهنأ: السرور - ما يأتيك فتسيفه وتقبله طبيعتك، جمعه مهانئ.
(1)
أبو داود (4/ 255) كتاب الأدب - باب: في شكر المعروف، وإسناده صحيح.
233 -
البخاري (5/ 8) 81 - كتاب الحرث والمزارعة - 5 - باب: إذا قال اكفني مؤونة النخل وغيره وتشركني في الثمر.
234 -
البخاري (7/ 162) 63 - كتاب مناقب الأنصار - 3 - باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
أقطا: الأقط: لبن جامد يابس.
235 -
البخاري (4/ 288) 34 - كتاب البويع 1 - باب ما جاء في قول الله تعال: (فإذا قضيت الصلاة ..). وضر من صفرة: الوضر: الأثر، والصفرة من الزعفران والخلوق.
مهيم: كلمة استفهام أي ما حالك وما شأنك وما وراءك أو أحدث لك شيء.؟
المدينة، فآخى النبي صلى الله عليه سلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى، فقال لعبد الرحمن: أقاسمُك مالي نصفين وأزوجُك. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فما رجع حتى استفضل أقطاً وسمناً، فأتى به أهل منزله، فمكثنا يسيراً - أو ما شاء الله - فجاء وعليه وضر من صفرةٍ فقال له النبي صلى الله عليه سلم:"مهيم؟ " قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار. قال: "ما سُقت إليها؟ " قال: نواة من ذهبٍ - أو وزن نواة من ذهب ٍ - قال: "أوْلِم ولو بشاةٍ".
قال صاحب الفتح الرابني: قال النووي: الصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر، فقد ثبت في الصحيح النهي عن التزعفر للرجال، وكذا نهى الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء، وقد نهى الرجال عن التشبه بالنساء فهذا هو الصحيح في معنى الحديث، وهو الذي اختاره القاضي والمحققون، قال القاضي وقيل: إنه يرخص في ذلك للرجل العروس، وقد جاء ذلك في أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه، قال: ومذهب مالك وأصحابه جواز لبس الثياب المزعفرة، وحكاه مالك عن علماء المدينة، وهذا مذهب ابن عمر وغيره، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يجوز ذلك للرجل. أهـ.
236 -
روى أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين أبويها".
237 -
روى الحاكم عن أبي أيوب قال: لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت: بأبي أنت وأمي أكرهُ أن أكون فوقك وتكون أسفل مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني أرفقُ بي أن أكون في السفلى لما يغشانا من
236 - أحمد في مسنده (6/ 257) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 40) وقال: رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح.
امرأة نزلت: أي نزولها بين بيتين من الأنصار كنزولها بين أبويها.
237 -
المستدرك (3/ 461) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.
أهريق: أريق.
القطيفة: كساء له خمل وأهداب.
فرقا: خوفاً من أن يصل إليه الماء.
الناس" قال فلقد رأيتُ جرةً لنا انكسرتْ فأهريق ماؤها، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفةٍ لنا ما لنا لحافٌ غيرها نُنَشِّفُ بها الماء، فرقاً أن تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء يؤذيه.
أقول: إن كثيراً من الناس يهملون قضية الذوق العام، ولا يعطون للتصرف الذوقي أهمية مع شدة أهميته في حياة المسلمين، وما أكثر ما نجد هذا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتصرف أبي أيوب وأم أيوب المذكور في الحديث نموذج على هذا.
238 -
* روى الحاكم عن جابر بن سمرة قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي أيوب وكان إذا أكل طعاماً بعث إليه بفضله فينظُر إلى موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيأكل من حيث موضع يده، فصنع ذات يوم مطعاماً فيه ثوم فأرسل به إليه فردهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله لم أر أثر أًابعك، فقال:"إنه كان فيه ثومٌ" قال شعبةُ في حديثه: أحرم هو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا" وقال حمادٌ في حديثه: يا رسول الله بعثت إلي بما لم تأكل، فقال:"إنك لست مثلي إنه يأتيني الملكُ".
* * *
238 - المستدرك (3/ 460) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.