المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8 - في أعقاب بدر - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ النَّاشِر

- ‌مقدمةالأساس في السنة وفقهها

- ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌ضخامة المكتبة الحديثية:

- ‌منهج تأليف هذا الكتاب

- ‌أقسام الكتاب

- ‌ثانياً: تعريف بأصول هذا الكتاب ومصنفيها

- ‌1 - الإمام البخاري وصحيحه

- ‌الجامع الصحيح

- ‌الحامل له على تأليف الصحيح:

- ‌منهج البخاري في جمع الصحيح:

- ‌براعة البخاري في النقد:

- ‌شروط البخاري في التصحيح في القمة:

- ‌2 - الإمام مسلم وصحيحه

- ‌صحيح الإمام مسلم

- ‌سماحة الإمام في البحث:

- ‌منهج مسلم في صحيحه:

- ‌خصائص صحيح مسلم:

- ‌3 - الإمام أبو داود وسننه

- ‌4 - الإمام الترمذي وسننه

- ‌5 - الإمام النسائي وسننه

- ‌6 - ابن ماجه وسننه

- ‌7 - الدارمي وسننه

- ‌شيوخه:

- ‌من روى عنه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌مرتبة هذه السنن عند المحدثين:

- ‌8 - الإمام مالك وموطؤه

- ‌9 - الإمام أحمد ومسنده

- ‌10 - 11 - 12 - معاجم الطبراني الثلاثة

- ‌13 - ابن حبان وصحيحه

- ‌14 - ابن خزيمة وصحيحه

- ‌15 - أبو يعلي ومسنده

- ‌16 - أبو بكر البزار ومسنده

- ‌17 - الحاكم ومستدركه

- ‌18 - رزين وابن الأثير وابن الديبع الشيبانيوالأصول الستة

- ‌19 - نور الدين الهيثمي ومجمع الزوائد

- ‌20 - محمد بن محمد بن سليمان المغربيوكتابه جمع الفوائد

- ‌المقدمة

- ‌تصحيح مفاهيم حول السيرة:

- ‌(1)حاجة البشرية إلى الدين

- ‌(2)محمد الرسول الأكمل صلى الله عليه وسلم

- ‌(3)شرط التاريخية

- ‌(4)شرط الكمال المطلق

- ‌(5)شرط الشمولية

- ‌(6)واقعية السيرة المحمدية

- ‌(7)عالمية السيرة المحمدية

- ‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

- ‌الباب الأولمنسيرته صلى الله عليه وسلموهومن البدء حتى النبوة الشريفة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌فَصْلٌ: في فضل النَّسَبِ وفي فضل الجيل

- ‌نسب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اصطفاء نبينا من خير بني آدم ومن خير الأجيال

- ‌تزكية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة

- ‌فائدة:

- ‌[هاجر] جدة رسولنا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌تعليق حول صدق إبراهيم عليه السلام

- ‌قصة إسماعيل الذبيح عليه السلام وبناء البيت

- ‌فائدة في التعريف بالقبائل العربية

- ‌فصل: في بعض البشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌بشارات في الكتب السابقة:

- ‌تعليق:

- ‌في قصة بحيرا شاهد على أنه عليه الصلاة والسلام مبشر به:

- ‌فائدة حول موضوع الكشف للأولياء:

- ‌فصل: في الميلاد

- ‌متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌ولد يتيماً صلى الله عليه وسلم:

- ‌تعليق حول الحكمة من هذا اليتم وذاك الفقر:

- ‌فصل: في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليق:

- ‌ما جاء عن رضاعه وتنشئته في البادية:

- ‌فائدة حول تنشئته صلى الله عليه وسلم في البادية:

- ‌فصل: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتكرار هذه الحادثة

- ‌فوائد حول حادثة شق الصدر:

- ‌فصل: في رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم والحكمة من ذلك

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في عصمته صلى الله عليه وسلم مما يشينه حتى قبل البعثة

- ‌بناء البيت وعصمته من كشف العورة:

- ‌عصمته من فعل الجاهلية:

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌فوائد حول حادث حلف الفضول:

- ‌فصل: في الإجارة عند خديجة ثم زواجه صلى الله عليه وسلم منها

- ‌تعليق حول الروايات السابقة:

- ‌فصل: في رجاحة عقله صلى الله عليه سلم وتلقيبه بالأمين قبل البعثة

- ‌فائدة حول تحكيمه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود:

- ‌بركته ومحبة الناس له وثقتهم به:

- ‌فصل: في مقدمات بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌تطلعات إلى دين جديد صحيح:

- ‌نقل حول ما وصل إليه العرب من سوء الأحوال وحاجتهم إلى الدين الجديد:

- ‌الفترة التي بين عيسى ونبينا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌إرهاصات بنبوته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة الباب

- ‌الباب الثانيمنالبعثة حتى الاستقرار في المدينة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌فصل: في بدء الوحي وفترته واستئنافه

- ‌السر في الخلوة:

- ‌حياته قبل النبوة:

- ‌المراحل الأولى للوحي:

- ‌فصل: في ظاهرة الوحي

- ‌أقسام الوحي:

- ‌حفظ أمر السماء بعد النبوة:

- ‌القرآنمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة

- ‌متى وكيف نزل القرآن:

- ‌فصل: في الدعوة السرية

- ‌بداية الدعوة في سريتها وفرديتها:

- ‌فصل: في الدعوة الجهرية

- ‌أصناف خصوم الدعوة الجهرية:

- ‌فصل ووصل

- ‌فصل: في هجرتي الحبشة

- ‌دروس من الهجرة إلى الحبشة:

- ‌فصل: في إسلام عمر وحمزة

- ‌دروس من إسلام عمر وحمزة:

- ‌فصل: في حصار الشِّعْب

- ‌درس من الحصار:

- ‌جزاء المقاطعة:

- ‌فصل: في انشقاق القمر

- ‌فصل: الإيذاء مستمر والدعوة مستمرة

- ‌فصل: عام الحزن والشدّة

- ‌فصل: في رحلة الطائف

- ‌فصل: في تبليغ الجن

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌فصل: في تكسير بعض الأصنام

- ‌فصل: في الإسراء والمعراج

- ‌زمن الإسراء والمعراج:

- ‌الإيمان بالإسراء والمعراج:

- ‌الإسراء بالروح وبالجسد:

- ‌فصل: في بداية دخول الإسلام المدينة المنورةوفي بيعتي العقبة

- ‌فصل: في الهجرة إلى المدينة المنورة

- ‌مقدمة:

- ‌الهجرة من دار الحرب إلى دار السلام:

- ‌فوائد من فتح الباري:

- ‌تعليق:

- ‌فوائد من كتاب الهجرة للدكتور محمد أبو فارس:

- ‌تأملات في العهد المكي وتصويبات

- ‌الباب الثالثمِنالاستقرار في المدينة حتى الوفاة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌أحادث السنة الأولى في سطور

- ‌فصل: المدينة عند الهجرة

- ‌ اليهود

- ‌الأوس والخزرج:

- ‌الوضع الطبيعي:

- ‌الحالة الدينية والمكانة الاجتماعية:

- ‌الحالة الاقتصادية والحضارية:

- ‌فصل: التأريخ بالهجرة

- ‌ للبداءة بالمحرم سببان:

- ‌فصل: في حسن الاستقبال وقوة الإقبال

- ‌فصل: المسجد أولاً

- ‌فصل: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌أهداف المؤاخاة:

- ‌فصل: في الترتيبات الدستورية

- ‌دروس من الصحيفة:

- ‌فصل: في البيعة

- ‌فصل: في الإذن بالقتال وبدء الحركة القتالية

- ‌فصل: في أمور متفرقةحدثت في السنة الأولى

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام:

- ‌2 - خروج وباء المدينة منها:

- ‌3 - دخوله عليه الصلاة والسلام بعائشة:

- ‌4 - تشريع الأذان وإكمال الصلاة:

- ‌5 - حراسة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الأولى

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌1 - في تحالفات هذا العام:

- ‌2 - في الحركة العسكرية:

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن جحش

- ‌دروس من هذه السرية:

- ‌الحكمة في السرايا:

- ‌فصل: في تحويل القبلة

- ‌دروس في تحويل القبلة:

- ‌عدد غزواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فصل: في غزوة بدر

- ‌تمهيد:

- ‌1 - مقدمات الغزوة

- ‌2 - صور ومشاهد

- ‌عوامل النصر

- ‌3 - الأنفال

- ‌فوائد:

- ‌4 - فضل أهل بدر

- ‌5 - الأسارى

- ‌6 - آيات بدرية

- ‌7 - من فقه غزوة بدر

- ‌8 - في أعقاب بدر

- ‌من نعم الله على المسلمين في غزوة بدر:

- ‌فصل: في إجراء يهود بني قينُقاعٍ

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الثانية للهجرة

الفصل: ‌8 - في أعقاب بدر

يسمى بالسياسة الشرعية أو ما يسميه بعضهم بـ (حكم الإمامة). وبيان ذلك أن مشروعية فرض الجهاد من حيث الأصل، حكم تبليغي لا يخضع لأي نسخ أو تبديل، كما أن أصل مشروعية الصلح والمعاهدات ثابت لا يجوز إبطاله أو اجتثاثه من أحكام الشريعة الإسلامية، غير أن جزئيات الصور التطبيقية المختلفة لذلك، تخضع لظروف الزمان والمكان وحالة المسلمين وحالة أعدائهم، والميزان لحكم في ذلك إنما هو بصيرة الإمام المتدين العادل وسياسة الحاكم المتبحر في أحكام الدين مع إخلاص في الدين وتجرد في القصد، إلى جانب اعتماد دائم على مشاورة المسلمين والاستفادة من خبراتهم وآرائهم المختلفة.

فإذا رأى الحاكم أن من الخير للمسلمين أن لا يجابهوا أعداءهم بالحرب والقوة، وتثبت من صلاحية رأيه بالتشاور والمذاكرة في ذلك، فله أن يجنح إلى سلم معهم لا يصادم نصاً من النصوص الشرعية الثابتة، ريثما يأتي الظرف المناسب والملائم للقتال والجهاد، وله أن يحمل رعيته على القتال والدفع إذا ما رأى المصلحة والسياسة الشرعية السليمة في ذلك الجانب.

وهذا ما اتفق عليه عامة الفقهاء ودلت عليه مشاهد كثيرة من سيرته صلى الله عليه وسلم اللهم إلا إذا داهم العدو المسلمين في عقر دورهم وبلادهم، فإن عليهم دفعه بالقوة مهما كانت الوسيلة والظروف، ويعم الواجب في ذلك المسلمين والمسلمات كافة بشرط توفر مقومات التكليف أهـ.

* * *

‌8 - في أعقاب بدر

356 -

* روى الحاكم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكنت قد أسلمت وأسلمت أم الفضل وأسلم العباس وكا يكتم إسلامه مخافة قومه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام وكان له عليه دين فقال له: اكفني هذا الغزو وأتركُ لك ما عليك، ففعل فلما جاء الخبرُ

356 - المستدرك (3/ 321)، كتاب معرفة اصحابة، وسكت عنه الذهبي، وفي أحد رواته خلاف فالرواية حسنة على رأي بعضهم.

اكفني: كفاء الشيء كفاية: استغني به عن غيره فهو كاف، وكفيء.

ص: 501

وكبت الله أبا لهب وكنتُ رجلاً ضعيفاً أنحتُ هذه الأقداح في حُجرة فوالله إني لجالس في الحجرة أنحتُ أقداحي وعندي أم الفضل إذ أقبل الفاسق أبو لهبٍ يجر رجليه أراه قال عند طُنب الحجرة وكان ظهرهُ إلى ظهري فقال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث فقال أبو لهب: هلم إلى يا ابن أخي فجاء أبو سفيان حتى جلس عندهُ فجاء الناس فقاموا عليهما فقال: يا ابن أخي كيف كان أمر الناس فقال لا شيء فوالله إن لقيناهم فمنناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وأيم الله ما لمت الناس قال: ولم؟ قال: رأيت رجالاً بيضاً على خيل بُلقٍ لا والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء قال فرفعت طُنب الحجرة فقلت: والله تلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي وثاورتُه فاحتملني فضرب بي الأرض حتى برك على صدري فقامت أم الفضل فاحتجزت ورفعت عموداً من عمدُ الحجرة فضربته به فلعت في رأسه شجة منكرة وقالت: يا عدو الله استضعفته إن رأيت سيدهُ غائباً عنه فقام ذليلاً فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى ضربه الله بالعدسة فقتلته فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه حتى أنتن، فقال رجل من قريش لابنيه: ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته فقالا: إنا نخشى هذه القرحة، وكانت قريش تتقي العدسة كما تتقي الطاعو فقال رجال: انطلقا فأنا معكما قال: فوالله ما غسلوهْ إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد ثم احتملوه فقذفوه في أعلى مكة إلى جدار وقذفوا عليه الحجارة.

قال الشيخ الغزالي: شُدة العرب قاطبة للنصر الحاسم الذي ناله المسلمون في بدر، بل إن

= كبت: المكبوت: الممتلئ غماً.

كبته: يكبته: صرعه وأخزاه وضربه وكسره ورد العدو بقيظه.

الأقداح: القدح: السهم قبل أن يراش وينصل، ونحثها: يربها، وتأتي القدح بمعنى: السهم الذي كانوا يستقسمون به في الجاهلية.

الطنب: حبل طويل يشد به سرادق البيت أو الوتد.

بلق: جمع أبلق، بلق الفرس ونحوه بلقا وبلقة كان فيه سواد وبياض فهو أبلق وهي بلقاء.

وثاورته: ثاوره مثاورة وثوارا: واثبه.

فلعت: شفت.

العدسة: بثرة تخرج بالبدن فتقتل، ربما الجدري.

أنتن: نتن نتناً: خبثت رائحته، فهو نتن.

ص: 502

أهل مكة استنكروا الحبر أول ما جاءهم، وحسبوه هذيان مجنون، فلما استبان صدقه صُعق نفر منهم فهلك لتوه، وماج بعضهم في بعض من هول المصاب لا يدري ما يفعل ..

وكما استبعد أهل مكة الهزيمة على أنفسهم حتى جوبهوا بعارها، استبعد مشركو المدينة ويهودها ما قرع آذانهم من بشريات الفوز، وذهب بعضهم إلى حد اتهام المسلمين بأن ما يذاع عن نصرهم محض اختلاق، وظلوا يكابرون حتى رأوا الأسرى مقرنين في الأصفاد، فسقط في أيديهم.

وقد اختلفت مسالك الأحزاب الكافرة بإزاء المسلمين بعد هذا الغلب الذي مكن للإسلام وأهله، وجعل سلطانهم مهيباً في المدينة وما حولها، ومد نفوذهم على طريق القوافل في شمال الجزيرة، فأصبح لا يمر بها أحد إلا بإذنهم.

فأما أهل مكة فقد انطووا على أنفسهم، يداوون جراحهم، ويستعيدون قواهم ويستعدون لنيل ثأرهم، ويعلنون أن يوم الانتقام قريب، ولم تزدهم الهزيمة إلا كرهاً للإسلام، ونقمة على محمد وصحبه، واضطهاداً لمن يدخل في دينه، فكان من ينشرح صدره للإسلام يختفي به أو يعيش ذليلاً مستضعفاً، ذلك في مكة، حيث كانت الدولة للكفر.

أما في المدينة حيث المسلمون كثرة مكينة ظاهرة، فقد اتخذت العداوة للإسلام طريق الدس والنفاق والمخاتلة، فأسلم فريق من المشركين واليهود ظاهراً وقلوبهم تغلي حقداً وكفراً، وعلى رأس هؤلاء عبد الله بن أبي.

روى أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب - كما أمرهم الله تعالى - ويصبرون على الأذى:

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (1).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو الذي أمره الله به - حتى أذن فيهم فلما غزا بدراً، وقتل

(1) البقرة: 109.

ص: 503

الله فيها من قتل من صناديد قريش، وقفل رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه منصورين غانمين معهم أساراهم. قال "عبد الله بن أبي" ومن معه من المشركين عبدة الأوثان هذا أمر قد توجه (أي استقر فلا مطمع في إزالته) فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأسلموا ..

على أن هذا الخداع لاذ به فريق من الكفار في الوقت الذي عالن فيه فريق آخر من اليهود بسخطهم على محمد، وألمهم للهزيمة التي أصابت قريشاً في "بدر" بل إن كعب بن الأشرف - من رجالات اليهود - أرسل القصائد في رثاء قتلاهم والمطالبة بثأرهم.!

ولقد اتسعت شقة العداوة بين المسلمين واليهود إثر هذا الموقف النابي.

ثم حاول اليهود أن يحقروا من شأن النصر الذي حظي به الإسلام، مما مهد للأحداث العنيفة التي وقعت بعد، ودفع اليهود ثمنها من دمهم، أفراداً وجماعات.

وعلق الدكتور السباعي على غزوة بدر فقال رحمه الله: إن النصر في المعارك لا يكون فقط بكثرة العدد، ووفرة السلاح، وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش. وقد كان الجيش الإسلامي في هذه المعارك يمثل العقيدة النقية والإيمان المتقد، والفرح بالاستشهاد، والرغبة في ثواب الله وجنته، كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال، والفرقة، والفساد، بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة، وتفسخ الأخلاق، وتفكك الروابط الاجتماعية، والانغماس في الملذات، والعصبية العمياء للتقاليد البالية، والآباء الماضين، والآلهة المزيفة.

انظر إلى ما كان يفعله الجيشان قبل بدء القتال، فقد حرص المشركون قبل بدء معركة بدر على أن يقيموا ثلاثة أيام، يشربون فيها الخمور، وتغني لهم القيان، وتضرب لهم الدفوف، وتشعل عندهم النيران لتسمع العرب بما فعلوا فتهابهم، وكانوا يظنون ذلك سبيلاً إلى النصر، بينما كان المسلمون قبل بدء المعركة يتجهون إلى الله بقلوبهم، يسألنه النصر، ويرجونه الشهادة، ويشمون روائح الجنة، ويخر الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً مبتهلاً يسأل الله أن ينصر عباده المؤمنين، وكانت النتيجة أن انتصر الأتقياء الخاشعون، وانزم اللاهون العابثون.

ص: 504

والذي يقارن بين أرقام المسلمين المحاربين، وبين أرقام المشركين المحاربين في كل معركة. يجد أن المشركين أكثر من المسلمين أضعافاً مضاعفة. ومع ذلك فقد كان النصر للمسلمين، حتى في معركتي أُحد وحنين حيث انتصر فيهما المسلمون، ولولا ما وقع من أخطاء المسلمين في هاتين المعركتين ومخالفتهم لأمر رسول الله صلى الله لعيه وسلم، لما لقي المسلمون هزيمة قط.

- إن شدة عزائم الجيش واندفاعه في خوض المعركة، وفرحه بلقاء عدوه يزيد القائد إقداماً في تفنيذ خطته، وثقته بالنجاح والنصر، كما حدث في معركة بدر.

- إن على القائد ألا يكره جيشه على القتال، وخوض المعارك إذا كانوا غير راغبين ومتحمسين حتى يتأكد من رضاهم وتحمسهم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من استشارة أصحابه يوم بدر قبل خوض المعركة.

- إن احتياط الجنود لياة قائدهم أمر تحتمه الرغبة في نجاح المعركة والدعوة، وعلى القائد أن يقبل ذلك، لأن في حياته حياة الدعوةن وفي فواتها خسارة المعركة.

وقد رأينا في معركة بدر كيف رضي صلى الله عليه وسلم بناء العريش له، ورأينا في بقية المعارك:"أحد" و"حنينط، كيف كان المؤمنون الصادقون والمؤمنات الصادقات يلتفون جميعاً حول رسولهم، ويحمونه من سهام الأعداء، بتعريض أنفسهم لها، ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنكر ذلك مع شجاعته وتأييد الله له، بل أثنى على هؤلاء الملتفين حوله، كما رأينا في ثنائه على نسبية أم عمارة، ودعائه لها بأن تكون هي وزوجها وأولادها رفقاءه في الجنة.

إن الله تبارك وتعالى يحيط عباده المؤمنين الصادقين في معاركهم بجيش من عنده، كما أنزل الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح يوم الأحزاب. وما دام هؤلاء المؤمنون يحاربون في سبيله، فكيف يتخلى عنهم وهو الذي قال:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (1).

(1) الروم: 47.

ص: 505

وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (1).

إن من طبيعة الداعية الصادق أن يحرص على هداية أعدائه، وأن يفسح لهم المجال لعل الله يلقي في قلوبهم الهداية، ومن هنا نفهم سر ميل الرسول إلى فداء الأسرى يوم بدر، فقد كان يرجو أن يهديهم اللهم، وأن تكون لهم ذرية من بعدهم تعبد الله وتدعو إليه، وإذا كان القرآن الكريم قد عاتب الرسول على ذلك، فلأن ناك مصلحة أخرى للإسلام يومئذ، وهو إرهاب أعداء الله والقضاء على رؤوس الفتنة والضلالة، ولو قتل الأسرى يوم بدر لضعفت مقاومة قريش للقضاء على زعمائها ومؤججي نار الفتنة ضد المؤمنين.

ويلوح لي سر آخر في قبول الرسول أمر الفداء، وهو أن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان من بين الأسرى، وللعباس مواقف في نصرة الرسول قبل إعلان إسلامه، فقد شهد معه بيعة العقبة الثانية سراً، وكان يخبر الرسول عن كل تحركات قريش، مما يؤكد عندي أنه كان مسلماً يكتم إسلامه، فكيف يقتله الرسول وهذا شأنه معه؟ ولو استثناه الرسول من بين الأسرى لخالف شرعه في تحريم قتل المسلم إن كان العباس مسلماً. وإن كان مشركاً، فشريعته لا تفرق بين قريب وبعيد في الوقوف موقف الحزم والعداء من كل من يحارب الله ورسوله، ولاغتنمها المشركون والمنافقون فرصة للتشهير به، ولإضعاف الثقة بعدالته وتجرده عن الهوى في كل ما يصدر عنه، وليس ذلك من مصلحة الدعوة في شيء.

فوائد م كتاب غزوة بدر للدكتور محمد أبو فارس

ومما قاله الدكتور أبو فارس حول دروس بدر الكبرى:

- أهمية الشورى في الإسلام وفي مجال الحرب خصوصاً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الموحي إليه من ربه يستشير أصحابه في القتال وغيره، أفلا تكون الشورى في حق غيره آكد وأوجب.

- ضرورة تعرف القائد على مدى رغبة الجنود في القتال وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عيه وسلم في مشاورة أصحابه، إذ إن المكره على القتال لا يمكن أن يقدم نتيجة إيجابية.

(1) الحج: 38.

ص: 506