الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
السيرة النبوية - في الأصل - هي الكتاب والسنة، إنك لا تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا عرفت الكتاب الذي أنزل عليه، وعرفت مجموع أقواله وأفعاله وصفاته وتقريراته، وتلك هي سنته.
لقد كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ولقد كان القرآن نفسه سجلاً لأهم الأحداث في حياته عليه الصلاة والسلام فمن هنا قلنا إن القرآن سيرته، وإن أقواله وأفعاله وصفاته وتقريراته هي سيرته، ومن ثم فإن هذا الكتاب وكتاب الأساس في التفسير من سلسلة في المنهج هما في سيرته.
وبهذا المعنى تقول: إن السيرة النبوية تسع الزمان والمكان والأشخاص فهي منهج متكامل متجدد، فما من وضع للإنسان وللناس وللمكلفين إلا والسيرة النبوية تسعه قدوة وعملاً ملاحظاً في ذلك أحوال الناس جميعاً من ضعف إلى قوة، وما دام الإنسان على مقتضى الفتوى فإنه على نوع من القدوة.
على أن كُتاب السيرة درجوا على أن يرسموا صورة لشخصه ومسرى لأحداث حياته عليه الصلاة والسلام ومن ههنا أصبحت السيرة في الاصطلاح جزءاً من كلٍّ، وأصبحت علماً على علم خاص أشبه بالتاريخ الشخصي وما يحيط به.
ولهذا جعلنا الكلام عن سيرته عليه الصلاة والسلام قسماً من أقسام هذا الكتاب.
وقد أدخلنا في هذا القسم ما هو ألصق بالسيرة الذاتية، وما فاتنا ذكره هنا مما هو ألصق بموضوعات أخرى يجده القارئ في بقية الأقسام.
وكما توضَّعت حول أي موضوع من موضوعات الكتاب والسنة دراسات وتحقيقات وأصبح لكثير من الموضوعات مختصون ومحققون، فكذلك هذا القسم من السنة النبوية، فكما وجد في الفقه وفي التوحيد وفي التفسير أئمة" فقد وجد في السيرة أئمة، من أمثال ابن إسحق وموسى بن عقبة والواقدي، وغيرهم كثير.
وهناك فارق بين المحدِّث وكاتب السيرة، كالفارق بين المحدث والفقيه، كالفارق بين المنقِّب عن الآثار والمؤرخ. فالمنقب عن الآثار مهمته: أن يعثر على الأثر وأن يُقدِّم دراسة عنه، ولكن مهمة المؤرخ: أن يستفيد من هذا الأثر وغيره ليقدم صورة متكاملة عن حدث أو مرحلة، أو يقدم نظرية متكاملة في مسرى الأمور. والفارق بين المحدث والفقيه: أن المحدث مهمته: جمع الروايات وتحقيقها، وهو لا يدخل في حسابه ما زاد على ذلك من التتبع للنصوص القرآنية، أو البحث في مَحِلِّ هذه الروايات بالنسبة لبناء الشريعة، أما الفقيه فمهمته: رؤية كل ما ورد من كتاب أو سنة في موضوع ما، وإذا كانت هناك مسائل تحتاج إلى جواب وليس في النصوص الصحيحة والقرآن جواب واضح عليها فعليه أن يبحث عن الجواب من خلال قياس أو إجماع أو روايات ضعيفة يسندها قياس أو استئناس بروح الشريعة إلى غير ذلك، قلْ مثل هذا في الفارق بين المحدث وكاتب السيرة، فكاتب السيرة محدث وزيادة، فهو من حيثية كونه محدثاً عليه أن يروي وأن يجمع الروايات وأن يمحصها وأن ينتقد الرواة وأن يقارن بين المرويات، ولكنه ككاتب سيرة له مهمة زائدة: أن ينظر في هذه الروايات على ضوء النصوص القرآنية، وما كان له أصل صحيح وليس فيه تفصيلات فعليه أن يبحث عن هذه التفصيلات، وإذا كان هناك تعارض بين الروايات فعليه أن يرجح، وإذا كانت هناك فجوة في تسلسل الأحداث فعليه أني بحث ليملأها، وقد يملؤها من خلال استقراء أو استنتاج أو من خلال روايات ضعيفة، وأحياناً من خلال روايات وصلته دون إسناد، فهو من هذه الحيثية محقق ومؤرخ بل قد يكون مجتهداً.
وكما يختلف الفقهاء في النهاية فقد يختلف محققو السيرة في النهاية. وفي حالة الاتفاق أو الاختلاف فهناك صور لا يترتب عليها عمل، سواء اتفقوا أو اختلفوا كالقضايا التاريخية البحتة، فمثلاً: م هي مدة فترة الوحي التي حدثت بين نزول قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ..} من سورة العلق، وبين نزول سورة (المدثر)؟ لا يترتب على المعرفة التفصيلية ههنا عمل، وإن كان بعض علماء التربية قد يستفيد منها نوع فائدة.
وهناك قضايا يترتب عليها عمل، ولاتفاق المحققين أو اختلافهم تأثير، فمثلاً: المعاهدات التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول استقراره في المدينة مع غير المسلمين، هذه
المعاهدات تعتبر سوابق دستورية للحركة الإسلامية في تعاملها مع الآخرين إذا لم تكن منسوخة، نفرض أن هذه المعاهدات نقلت لنا على طريقة المحدثين، وسندها صحيح أو حسن، فالأمر في هذه الحالة واضح، إذ تأخذ هذه الروايات محلها من أصول الأحكام فحكمها حكم السنة النبوية المعتمدة. ولكن لنفرض أن هذه الروايات لم تبلغ هذا المستوى وأجمع عليها كُتَّابُ السير المعتمدون وأئمة هذه الشأن أو اختلفوا، فهل هذه الروايات لا قيمة لها أبداً؟ الذي أذهب إليه أن هذه الروايات إذا لم يكن لها معارض، وكان لها أصل صحيح ترجع إليه، لا تنزل عن أن تكون مذهباً لصاحبها، فإذا كان صاحبها إماماً أو مرجعاً في هذه الشأن صح تقليده، وللمسلمين أن يبنوا على مثل هذه الروايات، والحجية في هذه الحالة لا من حيث إن ما ورد تقوم به الحجة سنداً، لكن من حيث إن من رواه يعتبره جزءاً من السيرة، ويعتبره أهلاً للبناء عليه.
واحتراساً أقول: ليس كل إنسان مرشحاً لأن يفتي بناء على ذلك.
إنني أذهب إلى مثل هذا في كتب التراث، فمن كان من أئمة شأن من الشؤون، وقد وصل إلى أن يكون مرجعاً فيه، وليس متهماً في عقيدته أو ورعه أو علمه، فإن للمسلم أن يعتمد تحقيقه، وأن يبني عليه، قل مثل هذا في كتب الحديث أو التفسير أو الفقه أو السيرة الصادرة عن الراسخين في العلم.
وإنما أوردنا هذه المعاني حتى لا يظن ظان أن كتب السيرة وكتب الحديث يحرم النظر فيها إلا إذا كانت محققة على الأصول الفنية التي هي محل اجتهاد، فذلك باب لو أغلقناه ينسد به باب القراءة للتراث كله، وهذا مخالف للإجماع، فما أحد من أهل العلم في تاريخ هذه الأمة قال: يحرم على المسلم أن يقرأ سيرة ابن هشام أو مسند الإمام أحمد أو سنن الترمذي.
وكذلك أوردنا هذه المعاني هنا للتقديم لعملنا في هذا القسم، فعملنا في هذا القسم أن نذكر الروايات الصحيحة والحسنة الواردة في سيرته عليه الصلاة والسلام في أصول هذا الكتاب وقد نذكر ما صح أو حسن من يغر هذه الأصول مع الخدمة التي وعدنا بها، وتحقيق الأغراض التي استهدفناها، ولكنا في الوقت نفسه ننقل خلاصات من أقوال المحققين