الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلم في تاريخ العالم مثلاً أرقى على لاستسلام لله من هذا المثل، فلا عجب أن أكرم الله تبارك وتعالى إبراهيم وإسماعيل أن جعل من نسلهما محمداً صلى الله عليه وسلم أول المسلمين وخاتم المرسلين.
وقد سارع إبراهيم وإسماعيل إلى تحقيق الرؤيا، لأن رؤيا الأنبياء وحيّ واجب الطاعة، وأما رؤيا غير الأنبياء فحملها النظر.
فائدة في التعريف بالقبائل العربية
(1):
يحسن بنا ونحن بصدد بعض النصوص التي تتحدث عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نتعرف في عجالة سريعة على قبائل العرب، خاصة العرب المستعربة، أو العدنانية المنحدرة من صلب إسماعيل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليمات.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم (2):
أقوام العرب قد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام، بحسب السلالات التي ينحدرون منها:
1 -
العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين لم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل: عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعملاق، وسواها.
2 -
العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يَعْرُبْ بن يَشْجُبَ بن قحطان، وتسمى بالعرب القحطانية.
3 -
العرب المستعربة وهم العرب المنحدرة من صلب إسماعيل، وتسمى بالعرب العدنانية. فأما العرب العاربة - وهي شعب قحطان - فمهدها بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها
(1) لهذه الفقرة صلة بفصل النسب لأنها تعرفنا على قبائل الشعب العربي وعلى محل قبيلته عليه الصلاة والسلام من هذه القبائل.
(2)
الرحيق المختوم: (20 - 37).
وبطونها، فاشتهرت منها قبيلتان:
أ - حِمْيَر، وأشهر بطونها: زيد الجمهور، وقضاعة، والسكاسك.
ب - كهْلان: وأشهر بطونها: هَمْدان، وأنمار، وطييء، ومَذْحج، وكِندة، ولخْم، وجُذام، والأزد، والأوس، والخزرج، وأولاد جفنة ملوك الشام (1).
وأما العرب المستعربة، فأًل جدهم الأعلى - وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام من بلاد العراق، من بلدة يقال لها (أور) على الشاطيء الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة
…
ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران - أو حران -، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدته لدعوته، وكانت له جولات في أرجاء هذه البلاد وغيرها، وقدم مرة إلى مصر، وقد حاول فرعون مصر كيداً وسوءاً بزوجته سارة، ولكن الله رد كيده في نحره، وعرف فرعون ما لسارة من الصلة القوية بالله، حتى أخدمها (هاجر) اعترافاً بفضلها، وزوجتها سارة إبراهيم (2).
ورجع إبراهيم إلى فلسطين، ورزقه الله من هاجر إسماعيل، وغارت سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدها الصغير - إسماعيل - فقدم بهما إلى الحجاز، وأسكنهما بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعاً من الأرض كالرابية .... والقصة معروفة بطولها (3).
وقد كان إبراهيم يرحل إلى مكة بين آونة وأخرى ليطالع تركته، ولا يعلم كم كانت هذه الرحلات، إلا أن المصادر التاريخية حفظت أربعة منها (4).
وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مضاض (5) اثني عشر ولداً ذكراً، وهم: نابت أو
(1) وانظر: المصدر السابق (20 - 33) لتفصيل هذه القبائل وهجراتها.
(2)
انظر: نص الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، لتفصيل قصة هاذ الكيد: ص 141 من هذا الفصل.
(3)
انظر: نص الحديث الذي رواه البخاري، لتطالع تفصيل هذه القصة: ص 143 إلى ص 146.
(4)
انظر: النص السابق والذي بعده، ففيه تفصيل الرحلات الأربع التي ارتحلها إبراهيم عليه السلام إلى مكة.
(5)
وهي الزوجة الثانية التي أمر إبراهيم ولده إسماعيل أن يثبتها ولا يفارقها، راجع الحديث ص 145 وهي لمجنة مضاض كبير قبيلة جرهم وسيدهم.
بنالوط، وقيدار، وأدبائيل، ومبشام، ومشماع، ودوما، وميشا، وحدد، ويتما، ويطور، ونفيس، وقديمان.
وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة، وكانت جُلُّ معيشتهم التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل إلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار.
وازدهرت حضارة الأنباط في شمال الحجاز، وكونوا حكومة قوية دان لها من بأطرافها، واتخذوا البتراء عاصمة لهم، ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وقد رجح السيد سليمان الندوي بعد البحث الأنيق والتحقيق الدقيق أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج لم يكونوا من آل قحطان، وإنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار.
وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها، وعدنان هو الجد الحادي والعشرون في سلسلة النسب النبوي، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول:"كذب النسابون" فلا يتجاوزه. وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان، مضعفين للحديث المشار إليه، وقالوا: إن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أباً بالتحقيق الدقيق.
وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار - قيل: لم يكن لمعد ولد غيره - فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة: أسد بن ربيعة، وعنزة، وعبد القيس، وأبنا وائل - بكر وتغلب -، وحنيفة، وغيرها. وتشعبت قبائل مضر إلى شبعتين عظيمتين: قيس عيلان بن مضر، وبطون إلياس بن مضر، فمن قيس عيلان: بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو غطفان - ومن غطفان: عبس وذبيان وأشجع وغني بن أعصر. ومن إلياس بن مضر: تميم بن مرة، وهذيل بن مدركة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة.
ومن كنانة قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها: جمع وسهم وعدي ومخزوم وتيم وزهرة، وبطون قصي بن كلاب وهي عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العُزى بن قصي وعبد مناف بن قصي.
وكان من عبد مناف أربع فصائل: عبد شمس، ونوفل، والمطلب، وهاشم. وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله - تعالى - منه سيدنا محمداً بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم (1).
ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب، متتبعين مواقع القطر ومنابت .. (2).
وبقي بتهامة بطون كنانة، وأقام بمكة وضواحيها بطون قريش، وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصي بن كلاب، فجمعهم، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفع من أقدارهم.
* * *
(1) ذلك مصداقه ما رواه واثلة بن الأسقع والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، راجع: ص 138 من هذا الفصل.
(2)
ولتفصيل ذلك، راجع: الرحيق المختوم ص 36، 37.