الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط البخاري في التصحيح في القمة:
من المعروف المقرر عند أئمة الحديث وعلمائه أن شروط الحديث الصحيح أن يكون: راويه مسلماً، عاقلاً، صادقاً، غير مدلس ولا مختلط (1)، متصفاً بصفات العدالة (2)، ضابطاً لما يرويه، متحفظاً عليه، سليم الذهن والحواس التي لابد منها في السماع والضبط، قليل الوهم - الغلط - سليم الاعتقاد.
وأن يكون إسناده (3) متصلاً، فلا إرسال فيه، ولا انقطاع، ولا إعضال (4) وأن يكون متن الحديث غير شاذ، ولا معلل (5).
فإذا اجتمعت هذه الشروط في الحديث كان صحيحاً - يعني في نسبته إلى قائله - وترجح ترجحاً قوياً في صدق هذه النسبة يكاد يصل عند أهل هذا الفن المتمرسين فيه إلى حد العلم واليقين.
ومن ثم يتبين لنا أن الشروط التي وضعها المحدثون لصحة الحديث تقتضي الثقة والطمأنينة، وترجح جانب الصدق على الكذب، والصواب على الخطأ، ومما ينبغي أن يعلم أن البخاري لم ينقل عنه أنه قال: شرطي في صحيحي كذا وكذا على التفصيل والتصريح كما يصنع بعض المؤلفين، وإنما عرف ذلك من سبر (6) كتابه، والبحث فيه.
(1) المدلس: هو الذي يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، والمختلط: هو الذي طرأ عليه كثرة الغلط أو الخطأ بسبب كبر سن أو عمى أو ضياع كتبه مثلاً.
(2)
العدالة: ملكة أي حالة نفسية راسخة تحمل على ملازمة التقوى، والمروءة. والتقوى: امتثال المأمورات واجتناب المنهيات فلا يفعل كبيرة ولا يصر على صغيرة، ولا يكون مبتدعاً بدعة تخل بعدالته. والمروءة: آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات فيترفع عن صغائر الخسة، والمباحات التي تواضع العرف على إخلالها بالكرامة.
(3)
السند والإسناد: هم الرواة الذين يروون الحديث.
(4)
المرسل: من الحديث: ما حذف من سنده الصحابي، والمنقطع: ما حذف من سنده راو واحد غير الصحابي ولو في مواضع، والمعضل: ما حذف من سنده إثنان فأكثر على التوالي.
(5)
الشاذ: هو الحديث الذي خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، والمعلل: ما اطلع فيه على علة خفية غامضة تطعن في صحة الحديث.
(6)
اختبرها وتعرف عليها.
والذي استخلصه العلماء بعد البحث والتتبع أن الإمام البخاري في صحيحه التزم أعلى درجات الصحة، ولا ينزل عن هذه الدرجة إلا في بعض الأحاديث التي ليست من أصل موضوع الكتاب كالمتابعات والشواهد (1)، والأحاديث المروية عن الصحابة والتابعين.
وليس من شك في أن الرواة يتفاوتون في الأخذ عن شيوخهم إتقاناً وضبطاً، وطول ملازمة ومصاحبة وقلة ذلك، كما يتفاوتون في العدالة والأمانة، والبخاري في صحيحه إنما يعتمد من الرواة من كانوا في أعلى الدرجات من هذه الصفات وسأوضح ذلك بمثال: ذلك أن تلامذة الإمام الزهري مثلاً على خمس طبقات ودرجات ولكل طبقة مزية على التي تليها:
الطبقة الأولى: هم الذي امتازوا بالعدالة والحفظ والإتقان والأمانة، وطول الملازمة للزهري في السفر والحضر مثل: مالك وسفيان بن عيينة ورجال هذه الطبقة هم مقصد البخاري في صحيحه.
الطبقة (2) الثانية: وهم الذين شاركوا الأولى في التثبت والأمانة، إلا أن رجال الأولى امتازوا بطول المصاحبة للزهري سفراً وحضراً، أما رجال الثانية فلم يلازموا الزهري إلا مدة يسيرة فكانوا في الإتقان والمعرفة بحديثه دون الأولى، وذلك مثل: الأوزاعي والليث بن سعد ورجال هذه الدرجة الثانية يعتمد رواياتهم الإمام مسلم، أما البخاري فلا يخرج من أحاديثهم إلا قليلاً في غير أصول الكتاب كما ذكرنا آنفاً.
الطبقة الثالثة: " وه من دون الثانية مثل: جعفر بن برقان وزمعة بن صالح، فلا يخرج لهم البخاري أصلاً. وقد يخرج لهم في المتابعات والشواهد.
أما رجال الطبقة الرابعة والخامسة: وهم المجروحون والضعفاء فلا يخرج لهم البخاري ومسلم.
وهكذا يتبين لنا أن شرط البخاري في صحيحه في القمة.
* * *
(1) المتابعة: موافقة راو لراو آخر في رواية لفظ الحديث، والشاهد: الحديث الذي يوافق حديثاً آخر في معناه.
(2)
الطبقة: هم الرواة الذين تقاربوا في السن ولقاء الشيوخ.